خمسون كتابا تنقذ حياة آندي ميلر

الكاتب البريطاني يتحدث في كتابه "سنة القراءة الخطرة" عن نوع من النقد الأدبي يربط بين الكتاب باعتباره كائنا حيا أو حياة عاشها مؤلفه.
دان براون ليس ضمن المؤلفين المفضلين لدى ميلر
كتاب يمزج بين المذكرات والكتب في تفاصيل الحياة اليومية

القاهرة - من أحمد رجب
"لقد عشت هذا الكتاب ثم فكرت في كتابته لسنوات طويلة، ثم كتبته أخيرا". هكذا تحدث الكاتب البريطاني آندي ميلر عن كتابه "سنة القراءة الخطرة"، ويذكر في المقدمة أن الكتاب "ولد من محاولة صادقة لقراءة عدد من الكتب التي نجحت في تفاديها عبر سبعة وثلاثين سنة من الحياة"، هكذا يتحدث عن كتابه باعتباره حياة عاشها، وباعتباره كائنا حيا مولودا، لذا أعقب العنوان الرئيسي بآخر فرعي طويل "كيف استطاع خمسون كتابا عظيما إنقاذ حياتي؟".
يطول العنوان كثيرا، ويوحى بتشابه محتواه مع تلك الكتب التي قدمها البرتو مانغويل، لكن ابتداء من المقدمة نلمس الفارق الجوهري، وقد عبر عنه آندي ميلر بقوله "حاولت أن أدمج هذه الكتب بالحياة اليومية التي نعيشها"، ويصفه بأنه يمكن اعتباره نوعا من النقد الأدبي، لكنه أيضا كتاب مذكرات، فثمة تماس وتداخل بين حياة صاحب الكتاب وبين الكتب التي يتناولها. ويراه صاحبه قريب الصلة بكتاب هنري ميلر "الكتب في حياتي"، حيث وصف الكتب بأنها "لقد كانوا أحياء، وكانوا يتحدثون معي"، يستعير المؤلف هذه المقولة، لأنها تقبض على نوعية الكتب التي كان يلهث خلفها طوال سنة القراءة الخطرة.
قائمة الإصلاح
الكتاب الذي ترجمه إلى العربية محمد الضبع وأصدرت منه دار كلمات الكويتية ست طبعات خلال عامي 2016، 2017، يحكي قصة السنة الأربعين من حياة صاحبه الذي بدأ حياته مسئولا في متجر لبيع الكتب، وهناك تعرف إلى زوجته التي كانت زميلة له في العمل، قبل أن يمارس الكتابة ويعمل محررا أدبيا لدى إحدى دور النشر، يتذكر "كنت محرراً للكتب، لقد عملت مع دار نشر في لندن، وجلست أمام أكوام من الأوراق، تتزايد كل يوم، وكنت أحاول اختيار الجيد من السيئ لمعرفة ما يستحق النشر وما يستحق النسيان، ما يمكن إنقاذه بشيء من التعديل، وما يمكن إلقاؤه في سلة المهملات".
كان قد أمضى السنوات الثلاثة السابقة على "سنة القراءة الخطرة"، بعيدا عن الكتب، فكانت قوائم الكتب التي يود قراءتها تطول وتشمل عناوين من الكلاسيكيات ومن كتب أخرى حديثة، وتضم روايات وكتبا في السياسة والفلسفة، كان يكذب بشأنها ويدعى أنه قرأها، ويتحدث عنها في مجالسه الخاصة وفي مسامراته مع الأصدقاء، مع انه استمرأ حالة اللاقراءة، لكنه فجأة أفاق واكتشف أنه أهدر حياته بعيداً عن القراءة، التي تعلق بها منذ كان طفلاً.  لكنه أقلع عنها تكاسلاً، أو هرباً من صعوبتها، أو لإمكانه الادعاء بأنه قرأها. لذا قرر أن يستعيد علاقته بالكتب، وعكف على قوائمه الكثيرة ليستخلص منها خمسين كتابا، راعى أن أطلق عليها "قائمة الإصلاح"، بمعنى أنها أصلحت حياته، وقال عنها "عندما بدأت بالقراءة كانت أقل من هذا العدد بكثير، ولكنني كنتُ مستمتعاً جداً ولم أستطع التوقف. وفي عصر كهذا نجد أنفسنا غير قادرين على مقاومة قوائم قرائية كهذه، ولأننا دائما ما نكون في حالة من الاستهلاك للمعلومات وإصدار قرارات وأحكام سريعة بشأن كل شيء، فلذلك نجد أنفسنا ننجذب باتجاه قوائم الأفضل والأسوأ".
المعلم ومارغريتا"

اندي ميلر
ثمة كتب لا تستحق النسيان

اختار القائمة التي تحتوي على الكتب التي يشعر بالخجل لأنه لم يقرأها، وقاوم أي رغبة في إضافة غيرها طلباً للتركيز، ووفر الكتب، وأشهد زوجته عليها ليؤكد عزمه على الانجاز. يسرد الكاتب تفاصيل كثيرة عن طقوسه الصباحية منذ الاستيقاظ قبل أن يمسك برواية ميخائيل بولغاكوف المعلم ومارجريتا، الرواية التي منعت من النشر في حياة كاتبها، أعادت القارىء آندي ميلر للحياة من جديد، بحسب تعبيره، ويضيف "شفافية الدهشة التي أشعر بها من قراءة كتاب كهذا بعد فترة طويلة من عدم القراءة تعتبر بحد ذاتها مفاجأة مجزية".
في الرواية التي تفترض أن الشيطان هبط في موسكو، يتابع ميلر حديثا بين برليوز والبروفيسير المجنون الذي يصيح به "سوف يقطع رأسك" وفي ختام الفصل يقرأ: "اختفي برليوز من النظر أسفل الترام، وتدحرج جسم دائري مظلم على الرصيف. كان رأسا مقطوعا". يعتبر آندي ميلر تلك اللحظة فارقة، فبعدها تتخذ حياته مسارا مختلفا، قبل أن يوضح كيفية تغيير المسار، وقبل أن يكمل لنا قصتها يتوقف مع مؤلفها الذي حرق مسودتها الأولى إثر إبلاغه بقرار السلطات السوفيتية منع عرض مسرحيته "عصابة المنافقين"، ويعود بعد خمس سنوات ليحرق مسودتها الثانية، وفي أبريل 1936 ينتهي من كتابة المسودة الثالثة التي تنشر بعد رحيله لتكلل بالنجاح جهودا استمرت أرملة الروائي في بذلها لربع قرن.
الرواية استغرقت صاحب سنة القراءة الخطرة لخمسة أيام "لكن سحرها امتد لفترة أطول بكثير"، فالصفقة التي تعقدها مارجريتا مع الشيطان، تمنح المعلم الأبدية، يقول ميلر "سر المعلم ومارجريتا يبدو أنه ينجح في التأثير على عدد لا يحصى من البشر، ثم يردف ساخرا "وهذا مالا تحصل عليه عند قراءة دان براون".
دان براون
في مقابل الخمسين كتاباً العظيمة التي أنقذت حياة آندي ميلر، ثمة كتابان ليسا كذلك، مؤلفهما هو دان براون، منهما "شفرة دافنشي" التي يراها آندي ميلر "نوع من الهراء.. وسيئة جداً.. ومشتتة"،  يدرك أنه أسرف في انتقاد براون فيتساءل ساخرا: "هل أشعر بالغيرة من دان براون؟"، ويجيب بالنفي: "أنا لا أتطلع إلى أسلوب دان براون في الكتابة، ولا أحلم أن أكون شخصية عامة مشهورة يهزأ العالم بها. وإليكم هذه الحقيقة، رغم أنه أكثر شهرة ونجاحاً مني بكثير، إلا أنه قبل نشره رواية شفرة دافنشي كانت أرقام مبيعاتنا متساوية، ثم انطلق ليتفوق عليّ بنسبة تبلغ إثني عشر ألف نسخة مقابل كل نسخة أبيعها. أياً كان، أتمنى له المزيد من النجاح، قبل كل شيء، جميعنا كتاب وعلينا أن نقف بجانب بعضنا. أما بالنسبة للمال، فبالطبع أود أن أحصل ولو على جزء بسيط من ثروة دان براون، لكن هذا لا يعني أنني أريد فعلها على طريقته. أتمنى أن أحصل على ثروة دونالد ترامب دون أن ألزم نفسي بالضرورة بتسريحة شعره". (وكالة الصحافة العربية)