دور محوري للإمارات في تحقيق السلام بين إثيوبيا وإريتريا

الإمارات لعبت دورا هاما في إصلاح العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا على خلفية العلاقة الطيبة أبوظبي مع أسمرة وأديس أبابا.
الجمود بين البلدين الأفريقيين استمر لنحو 20 عاما
الإمارات تتمتع بنفوذ كبير في إريتريا

أديس أبابا - عندما تعانق زعيما إثيوبيا وإريتريا في العاصمة الإريترية أسمرة الشهر الماضي ووعدا بإنهاء حالة الحرب بين بلديهما التي استمرت قرابة عقدين من الزمان ، بدا الأمر انفراجا مفاجئا.

لكن مصادر مطلعة أكدت أن التقارب بين البلدين كان في حقيقة الأمر تتويجا لمحادثات جرت عبر قنوات خلفية لمدة عام.

وكانت القوة المحركة الرئيسية لهذه العملية هي الولايات المتحدة، التي تلعب دورا كبيرا في القرن الأفريقي منذ عقود. لكن المفاجأة كانت في الدور الذي لعبته الإمارات.

وأفاد مسؤولون ودبلوماسيون من الإمارات وإثيوبيا بأن البلد الخليجي الغني بالنفط اكتسب نفوذا متزايدا في المنطقة في السنوات القليلة الماضية.

ودخلت الإمارات المنطقة منذ أكثر من عشر سنوات مدفوعة من جهة برغبتها في أن تلعب دورا في اقتصاد إثيوبيا الذي يحقق نموا، ومن جهة أخرى بخشيتها من أن يكتسب خصوم مثل إيران وقطر موطئ قدم لهم في القرن الأفريقي.

ويبرز نزوعها نحو تأكيد الذات في الآونة الأخيرة التحولات الجارية في القارة، حيث تتحدى الصين الآن القوة التاريخية للدول الغربية وتزداد أهمية دول مثل روسيا والبرازيل والإمارات ودول خليجية.

وقالت وزيرة الدولة لشؤون التعاون الدولي ريم الهاشمي خلال مؤتمر في واشنطن الشهر الماضي إن بلادها لعبت دورا متواضعا في محاولة التوفيق بين البلدين.

لكن دبلوماسيين في الخليج قالا بأن الإمارات نسبت لنفسها الفضل خلف الستار في إبرام اتفاق السلام.

وأقر فيتسوم أريجا مدير مكتب رئيس الوزراء الإثيوبي بعقد اجتماعات مع مسؤولين إماراتيين لكنه قال إن زعيمي البلدين هما اللذان أنهيا الحرب.

وتتمتع الإمارات بنفوذ لا ينازعها فيه أحد تقريبا في إريتريا منذ ما لا يقل عن عقد. وإريتريا هي أكثر بلد معزول دبلوماسيا في أفريقيا، إذ فرضت الأمم المتحدة عقوبات عليها شملت حظر الأسلحة في 2009 واتهمت الحكومة بدعم إسلاميين متشددين في الصومال، وهو اتهام تنفيه أسمرة.

وفي وقت سابق هذا العام اجتمعت الوزيرة ريم الهاشمي مع رئيس الوزراء الإثيوبي السابق هايلي مريم ديسالين في إثيوبيا.

وعندما تولى خلفه أبي أحمد السلطة في أبريل/نيسان، عززت أبوظبي هذه الجهود. وكان التوقيت حيويا فقد كانت العلاقات مع الصومال تنهار وكانت الإمارات تتطلع لشريك جديد.

مصالحة بعد سنوات من الخلافات

وقالت إليزابيث ديكنسون من مجموعة الأزمات الدولية "بعد سنوات من الاستثمار في القوات الأمنية الصومالية، شهدت الإمارات تراجع مكاسبها بسبب ما رأت أنه محور نفوذ قطري تركي".

وبعد شهر من توليه منصبه زار أبي العاصمة أبوظبي للاجتماع مع ولي العهد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان. وقال دبلوماسيان في الخليج إن الزعيم الإثيوبي الجديد عرض الوساطة بين أبوظبي ومقديشو.

وفي وقت لاحق زار مسؤولون من الهلال الأحمر الإماراتي إثيوبيا لبحث مشاريع إغاثة مع أبي.

ولعبت هذه الزيارات دورا مكملا لجهود واشنطن في التحرك قدما نحو إصلاح العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا.

وأفاد دبلوماسيون في المنطقة بأن الولايات المتحدة قامت بمساعي دبلوماسية مكوكية لأكثر من عام. وفي 2017، زار مسؤولون إريتريون واشنطن مرتين ثم مرة أخرى هذا العام تاركين رسائل نقلتها واشنطن للمسؤولين الإثيوبيين.

وفي أواخر أبريل/نيسان من ذلك العام، التقى دونالد ياماموتو أكبر مسؤول أميركي في الشأن الأفريقي في ذلك الحين، بالرئيس الإريتري إسياس أفورقي في أسمرة، في أول زيارة لمسؤول أميركي بهذا المستوى خلال أكثر من عشرة أعوام، قبل أن يلتقي بأبي في العاصمة الإثيوبية.

وفي ظل وعد بمساعدات مالية من الخليج ودعم واشنطن، اتخذ أبي خطوته. وقال في السادس من يونيو/حزيران بعد يوم من إعلان ائتلافه الحاكم أنه سينفذ اتفاق سلام مع إريتريا يعود تاريخه إلى عام 2000 "إن جمود الموقف لا يفيد إثيوبيا ولا إريتريا".

وأضاف "نحتاج لتسخير كل جهودنا للسلام والمصالحة، وأن نخلص أنفسنا من الصراعات والانقسامات التافهة، وأن نركز على القضاء على الفقر".

وبعد تسعة أيام، زار الشيخ محمد أديس أبابا برفقة مسؤولين منهم سلطان أحمد الجابر، رئيس شركة النفط المملوكة للدولة في الإمارات.

وأعلن ولي عهد أبو ظبي حزمة دعم قدرها ثلاثة مليارات دولار تتألف من مليار دولار وديعة في البنك المركزي الإثيوبي، وتعهد بملياري دولار في هيئة استثمارات.

وقال مسؤولون إثيوبيون إن الوديعة، علاوة على عرض من السعودية بتزويد البلاد بالوقود لمدة عام مع تأجيل الدفع لمدة 12 شهرا، ساعدت في تخفيف أزمة نقد أجنبي سببت نقصا في الأدوية وتباطؤا في التصنيع.

وقال سعد علي شير وزير خارجية منطقة أرض الصومال شبه المستقلة لرويترز "إن علاقة (الإمارات) الطيبة مع كلا الطرفين ساهمت في إعادة تأسيس العلاقة بين إثيوبيا وإريتريا ونرى ذلك أمرا إيجابيا".

ارتباط وثيق

يوجد رباط دم وتاريخ بين إثيوبيا وإريتريا. فقد ساعدت حركة انفصالية إريترية في الإطاحة بنظام عسكري في أديس أبابا عام 1991 ثم منحت الحكومة الإثيوبية الجديدة إريتريا الاستقلال.

وعاش البلدان بسلام بضع سنين. واعتمدت إثيوبيا التي لا تطل على بحار على الميناء الرئيسي في إريتريا الواقع على واحد من أكثر الممرات الملاحية ازدحاما في العالم.

لكن في عام 1998، اشتعلت الحرب بين البلدين بعد نزاع حدودي. ولقي 80 ألف شخص حتفهم في القتال الشرس الذي استمر عامين وأتبعه وقف هش لإطلاق النار.

وبدأت الأمور تتغير بعد وفاة رئيس الوزراء الإثيوبي ملس زيناوي عام 2012. فقد بدأ أعضاء في ائتلافه الحاكم في مناقشة هادئة لسبل التقارب مع رئيس إريتريا إسياس أفورقي.

وقال هايلي مريم ديسالين الذي خلف ملس في المنصب قبل أن يستقيل في فبراير/شباط "أصبح من الواضح لنا أن التطبيع ليس فقط مفيدا لإثيوبيا بل للمنطقة برمتها".

وأضاف أن الائتلاف الحاكم في إثيوبيا خلال رئاسته للحكومة اتفق على قبول اتفاق السلام وسحب القوات الإثيوبية من بلدة على الحدود تم منحها لإريتريا عام 2002. وقد أكد هذه الرواية ساسة كبار آخرون ودبلوماسيون في إثيوبيا.

ويقول مسؤولون وساسة إثيوبيون ودبلوماسيون بالمنطقة إن تعيين أبي هو ما شجع إريتريا حقا. وعرض أبي، الذي دعا للصفح وإنهاء استحواذ الأمن على الدولة الإثيوبية، صورة مختلفة تماما بالمقارنة برئيسي الوزراء السابقين له.

وقال فيتسوم أريجا رئيس مكتب رئيس الوزراء "أوضح رئيس الوزراء إنه سيعمل من أجل ضمان سلام دائم ... وقد أثبت ما يقول من خلال مبادرات فعلية منها إطلاق سراح السجناء السياسيين".

وتمكن أبي من التحرك نتيجة ابتعاد جبهة تحرير شعب التيجراي التي ظلت قوة مهيمنة لفترة طويلة داخل الائتلاف الحاكم وكانت تعارض إريتريا.

وعندما قبل أفورقي بالسلام، أثنى على أبي ورحب بتراجع هيمنة جبهة شعب التيجراي على السلطة. وعندما تعانق أبي وأفورقي الشهر الماضي، شبه البعض في أفريقيا المشهد بسقوط حائط برلين.

وبعد أسابيع قليلة، سافر الزعيمان إلى أبو ظبي. وعرضت صورة من ذلك الاجتماع تظهر الرجلين مع ولي العهد وهو يتقدمهما على درج القصر.