روسيا وأولوية الأمن الإسرائيلي

إن أولوية الأمن الإسرائيلي في سياسات موسكو الشرق الأوسطية تنبع من مصالح بينية متطابقة في كثير من الحالات، وقد تمكنت موسكو من نسج الكثير من المواقف التي تتلاءم مع تلك التوجهات مع الأطراف الأخرى المتضررة مثال طهران ودمشق

ثمة لقاءات إسرائيلية روسية جرت على مستويات عالية مؤخرا، وأفضت إلى تفاهمات ذات دلالات نوعية وذات صلة بأولوية الأمن الإسرائيلي في سياسات روسيا الشرق أوسطية وبخاصة القضايا ذات الصلة بالأزمة السورية.
ففي وقائع اللقاءات أسس اجتماع كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الحادي عشر من تموز/يوليو الماضي في موسكو إلى مروحة محددة من الأهداف تتصل بالتواجد الإيراني في سوريا وكيفية التعامل معه. إذ لكلا الطرفين مصالح تبدو متباينة في بعض الأحداث الأمنية والعسكرية ذات الطابع الحساس، والتي لطالما بحثت إسرائيل عن أجوبة محددة لها في ظل حيرة روسية محرجة في بعض الأحيان.
فموسكو ظلت منذ العام 2011 تحتفظ بنوع من التوازن الدقيق في تحديد علاقاتها بكل من دمشق وطهران وتل أبيب، إلا أن مجريات التدخل الروسي العسكري المباشر في الأزمة السورية وقضاياها الفرعية المتصلة، اجبرها على تعديل بعض أجنحة سياساتها الخارجية وبدت في كثير من الحالات تغض النظر عن إسرائيل وبخاصة في الأعمال الأمنية والعسكرية التي تنفذها داخل الأراضي السورية وبالتحديد ضد القوات الايرانية وحلفائها، وبدت في بعض الأحداث تعتبر نفسها غير مضطرة إلى التوضيح لا تلميحا ولا تصريحا إزاء بعض الاعتداءات الإسرائيلية التي تستلزم مواقف روسية محددة.
وتعزيزا لسلوك غض الطرف الذي كرسته موسكو في تعاملها مع أي اعتداء إسرائيلي، أنشأت قنوات اتصال محددة على مستويات رفيعة، كان آخرها لقاء وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ورئيس الأركان العامة الروسية فاليري غيراسيموف، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال اجتماعهما به في القدس المحتلة.
وما يعزز فرضيا هذا الاحتمال، ما صرح به سفير موسكو لدى تل أبيب فكتوروف على أن بلاده تعطي أولوية خاصة لضمان أمن إسرائيل، وهي بطبيعة الحال ليست مواقف عابرة أو من نوع العلاقات العامة في العلاقات الدولية، كما أشار إلى أنّ موسكو لن تتدخل لمنع إسرائيل من شن مزيد من الغارات الإسرائيلية ضدّ أهداف إيرانية في العمق السوري، محددا في موقف رسمي واضح أن بلاده لا تستطيع أن تملي على إسرائيل كيفية التصرف، وليس من شأن روسيا أن تمنح إسرائيل حرية القيام بأي شيء أو منعها من القيام بأي شيء.
وإذا كانت محددات السياسة الخارجية الروسية إبان ولاية فلاديمير بوتين لم تخرج عن هذا المبدأ الخاص بأمن إسرائيل أو غض الطرف عن غاراتها المتواصلة في الأراضي السورية، فإن تأكيد ذلك على هذا النحو الصريح عبر سفيرها لا يعتبر تطوراً عابراً، وثمة أسباب كثيرة تدفع موسكو إلى إعطاء أمن إسرائيل أولوية غير معتادة في هذه المستويات.
 وما يعزز من ذلك السلوك الروسي أولوية تأمين سياساتها الخاصة في سوريا وعدم  تعرضها لانتكاسات كبيرة في هذه المرحلة بالذات، فموسكو تؤيد مثلا الوجود الإيراني في سوريا لدعم النظام، وفي نفس الوقت توافق الرأي الإسرائيلي الداعي إلى تحجيم الوجود العسكري الإيراني لمستويات لا تهدد الأمن القومي.
وهذا ما حرصت موسكو على التوصل إليه مع نتنياهو تحديدا عبر إمكانية سحب القوات الايرانية من الجنوب السوري لمسافة 100 كيلومترا، إضافة إلى سياسة غض الطرف عن الغارات التي تنفذها إسرائيل على مواقع إيرانية محددة وعلى شحنات الأسلحة النوعية التي يمكن أن تشحن إلى لبنان على سبيل المثال لا الحصر، إضافة إلى نوع من الضمانات بعدم رد إيران أو سوريا على هذه الغارات. 
إن أولوية الأمن الإسرائيلي في سياسات موسكو الشرق الأوسطية تنبع من  مصالح بينية متطابقة في كثير من الحالات، وقد تمكنت موسكو من نسج الكثير من المواقف التي تتلاءم مع تلك التوجهات مع الأطراف الأخرى المتضررة مثال طهران ودمشق وغيرها من الأطراف غير الدولية، وقد عززت من تلك السلوكيات في العديد من المناسبات التي بدت للأطراف الأخرى مواقف غير قابلة للبلع والهضم، ورغم ذلك لا زال الوضع قائما وبوضوح لصالح أولوية الأمن الإسرائيلي دون غيره.