عن طريق حماس تصل إسرائيل إلى أهدافها

حماس ترى أن اعتراف إسرائيل بها أفضل بكثير من اعتراف السلطة الفلسطينية بها. الأول يجلب لها المساعدات. الثاني يصيبها بصداع الوحدة الفلسطينية.

مسألة غزة صارت فضائحية أكثر مما يجب. ما الذي تريده إسرائيل وما الذي تريده حركة حماس؟

الطرفان متورطان في لعبة دموية.

طبعا الدم من نصيب سكان غزة أما سكان إسرائيل فلن يصيبهم شيء منه.

بالتأكيد ينظر كل طرف إلى الآخر باعتباره عدوا. ولكنه عدو من طراز خاص. فذلك العدو كان قد وضع أوراقه تحت الطاولة في انتظار لحظة الفرج.

اللحظة التي سيستفيد منها الطرفان من غير أن يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية. هناك ما يمكن النظر إليه باعتباره صفقة مؤجلة، لا يعرف الطرفان متى يحين أوانها.

لا أعتقد أن الطرفين ينظران إلى غزة باعتبارها جزءا من فلسطين التي تم فصلها عن التاريخ. غزة من وجهتي نظرهما مسألة منفصلة. هناك مصطلح تتداوله الألسن في الأخبار وفي الدعاية الحماسية هو "شعب غزة". ليس هو الشعب الفلسطيني في غزة.

حركة حماس تفضل أن يكون ذلك الشعب مستقلا بقضيته لكي تتاح لها فرصة التفاوض باسمه ومن خلاله من أجل تمرير مشروعها الذي لا يعرفه أحد سوى الاسرائيليين الذين يتفاوضون معها بأسلوبين. أسلوب القصف المتبادل والحوار عن طريق وسطاء.

حماس من جهتها مقتنعة بالأسلوبين وتساهم فيهما من غير أن تفكر بمَن يدفع الثمن وما هو الثمن.

مظهريا تبدو السلطة الفلسطينية لاهية عن غزة. وهو أمر غير صحيح. فالسلطة كما يُشاع تحرض الإسرائيليين ضد حماس التي تعرف بدورها أن السلطة تتبادل معها عدم الاعتراف وأساليب الكيد.

تفكر حماس في وضع سياسي مستقل. فبعد أن عزلت الشعب الفلسطيني في غزة وجعلته شعب غزة تسعى إلى أن يكون وجودها مرتبطا بقضية غزة. أما شعار من نوع من النهر إلى البحر فقد صار من الماضي بعد أن تم حذفه من الورق كما من أذهان الأجيال الجديدة.

بالنسبة لحماس فإن اعتراف إسرائيل بها أفضل بكثير من اعتراف السلطة الفلسطينية بها. فالأول يجلب لها المساعدات من مختلف انحاء العالم أما الثاني فإنه يصيبها بصداع الوحدة الفلسطينية.

وهنا بالضبط علينا أن لا ننسى حقيقة أن حماس حركة ذات بعد عقائدي (ديني) وهو ما يعفيها من المسؤولية الوطنية التي لا تدخل ضمن أدبياتها إلا عرضا.

ما تناضل حماس من أجله هو شيء آخر، في أفضل حالاته فإن النضال من أجل فلسطين هو جزء صغير منه. فالدعوة الإسلامية هي محور وجود الحركة.        

في سياق تلك المعادلة يمكننا أن نفهم لمَ تحاول حماس تخطي العقبة الإسرائيلية، بعد أن تخطت العقبة الفلسطينية.

فبعد أن نجحت حماس في الاستيلاء على قطاع غزة وعزله بشكل كامل عن أراضي السلطة الفلسطينية تحاول أن تنتزع من إسرائيل اعترافا بولايتها على القطاع، كونه أرضا مستقلة. وهو ما يهبها سلطة تستطيع من خلالها أن تباشر عملها في الدعوة، مستفيدة من دعم الدول الراعية لما يُسمى بالصحوة الدينية. وهي دول تربطها بإسرائيل علاقات ليست سيئة.

هذا في ما يتعلق بحماس فما الذي تريده إسرائيل؟   

تظهر إسرائيل بطريقة مسرحية انزعاجها من مسألة غزة، كما لو أن حركة حماس تشكل خطرا حقيقيا عليها. وهو ما تدخله الولايات المتحدة ضمن حق الدفاع عن النفس للإيحاء بأن إسرائيل جادة في رسالتها إلى العالم.

لا يجرؤ أحد على القول إن كل شيء في غزة تحت السيطرة الإسرائيلية المطلقة. لذلك يبدو انهماك القيادة الإسرائيلية في حماية أمن مواطنيها حقيقيا، وهو ما يجعل تلك القيادة غير مستعدة لهدر وقت عزيز في النظر في مسألة الحل النهائي التي يمكن أن تضع الفلسطينيين على عتبة استقلالهم.
حماس مفيدة لإسرائيل، كونها ذريعة لإرجاء كل شيء في انتظار ظهور قيادة فلسطينية تعترف بكل ما يُملى عليها ومن ضمنه فك ارتباط غزة بالقضية الفلسطينية.

الدور الخبيث الذي لعبته وتلعبه حركة حماس هو جزء من الية اعتمدتها إسرائيل من أجل افراغ القضية الفلسطينية من مضمونها التاريخي.