متحف محمود مختار.. مزيج بين الفن المعاصر والتراث

الفنان المصري تميز منذ طفولته بالتأمل وحب الطبيعة، فكان يقضي معظم وقته بجوار الترعة يشكل في الطين مناظر، كان يراها في القرية.
الربط بين أزمنة الفنون القديمة والحديثة، وخلق مزيج فني يعبر عنه المتحف
متحف الفنان محمود مختار اقتنى عددا من الأعمال الفنية، لا سيما الأعمال التي بيعت وعرضت في متاحف أوروبا

القاهرة ـ من سعاد محفوظ

من هو هذا الفنان العبقري الذي ألهمته ثورة الشعب المصري بإعداد تمثال نهضة مصر، وأقيم له احتفال رسمي وشعبي كبير؟ 
إنه النحات المصري الراحل محمود مختار الذي ولد في العاشر من مايو/آيار عام 1891، ونشأ بمدينة المحلة الكبرى، ووالده كان عمدة القرية، لكن مختار عاش مع جدته لأمه في بيت خاله بقرية نشا في المنصورة.
تميز مختار منذ طفولته بالتأمل وحب الطبيعة من حوله، فكان يقضي معظم وقته بجوار الترعة يشكل في الطين مناظر، كان يراها حوله في القرية، ثم سافر إلى القاهرة عام ‏1902‏ والتحق بمدرسة الفنون الجميلة، وكان عام ‏1908، فكان مدخله إلى مستقبل غير متوقع، حيث بدت موهبته ساطعة لأساتذته الأجانب، ما حدا بهم إلى تخصيص "مرسم خاص" له ضمن مبنى المدرسة لإعداد منحوتاته من تماثيل وأشكال تستعيد مشاهد الريف، وملامح رفاق الحي، ودفعت موهبته أيضاً الأمير يوسف كمال، إلى أن يبعث به إلى باريس.
متحف مختار
أنشأت الدولة المصرية متحف الفنان محمود مختار، وليس الفنان ذاته، حيث صنف "مختار" من أبرز متقني الفن المعاصر، وكانت الدولة حينها بحاجة إلى متحف يضم تماثيل وقطعا فنية تعبر عن الفن الحديث ومدارسه، كما أنها هدفت من إقامة المتحف إلى الربط بين أزمنة الفنون القديمة والحديثة، وخلق مزيج فني يعبر عنه المتحف، بعكس ما يهدف إليه بقية المتاحف الفنية، وهو التعبير عن الفنان ومدرسته التي ينتمي إليها من خلال عرض أعماله، وحتى تكون شاهدة على حياته ورحلته الفنية.
تصميم المتحف

أنشأت الدولة المصرية متحف الفنان محمود مختار، وليس الفنان ذاته، حيث صنف "مختار" من أبرز متقني الفن المعاصر، وكانت الدولة حينها بحاجة إلى متحف يضم تماثيل وقطعا فنية تعبر عن الفن الحديث ومدارسه، كما أنها هدفت من إقامة المتحف إلى الربط بين أزمنة الفنون القديمة والحديثة، وخلق مزيج فني يعبر عنه المتحف، بعكس ما يهدف إليه بقية المتاحف الفنية، وهو التعبير عن الفنان ومدرسته التي ينتمي إليها من خلال عرض أعماله، وحتى تكون شاهدة على حياته ورحلته الفنية.
تصميم المتحف
في عام 1938 كلفت الدولة المصرية ممثلة في وزارة المعارف، أحد المعماريين المهرة ويُدعى رمسيس واصف، بعد أن توفي الفنان محمود مختار عام 1934، بتصميم مبنى المتحف على الطراز الحديث، لحماية أعمال الفنان الراحل من الإهمال، وبعد الانتهاء من تشييد المبنى عزمت الدولة على افتتاحه في عام 1938، ولكن بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية، اضطرت الدولة إلى إغلاق المتحف، خاصة بعدما وجدت صعوبة في استرجاع أعمال مختار المعروضة خارج مصر، ولكن سرعان ما تم افتتاحه مرة أخرى في الرابع والعشرين من يوليو/تموز عام 1952، في شارع ميدان التحرير بوسط القاهرة.
بدأ متحف الفنان محمود مختار باقتناء عدد من الأعمال الفنية، لا سيما الأعمال التي بيعت وعرضت في متاحف أوروبا، وعلى رأسها المعرض الفرنسي "المثالين المهاجرين". تولت استرجاع هذه الأعمال الحقوقية هدى شعراوي، حيث كانت دائمة المناداة بأن التراث الفني لا بد أن يعود إلى أصله، ومنها سارت الدولة على خطاها وأسهمت في استرجاع بعض الأعمال، حتى قيام الحرب العالمية الثانية، وعليه توقفت عن هذا العمل لحين استقرار الأوضاع الأمنية والعسكرية، بعدها استطاعت إعادة عدد آخر من أعمال الفنان مختار.
رحلة فن
تتلمذ مختار على أيدي فنانين أجانب، جعلوه محل اهتمام ورعاية لدرجة دفعتهم إلى تخصيص جزء من مبنى المدرسة التي التحق بها ليكون مرسما خاصا به، تضمن كافة أعماله التي قام بتنفيذها أثناء إقامته في محافظة الغربية، وكان الهدف من ذلك هو إعادة تشكيل هذه الأعمال التي جسدت غالبيتها الحياة الريفية في مصر، حيث رآها أساتذته كنزا فنيا لا يمكن الاستغناء عنه. 

مرحلة جديدة في حياة الفنان
مزيج بين فن التمثال الحديث والتراث المصري القديم

بناء عليه لمع اسم الفنان الراحل في الأوساط الفنية، حتى علم عنه أحد أحفاد إبراهيم باشا ابن محمد علي، وهو الأمير يوسف كمال، الذي تحمس كثيرا لتنفيذ فكرة إنشاء مدرسة للفن الحديث، عندما عرضها عليه "جيوم لابلان" أحد نحاتي فرنسا، وبالفعل قام بإنشائها وأنفق عليها حتى استقبلت الدفعة الأولى من طلابها. بعدها علم بمجهودات مختار الفنية وعزم على إرساله في رحلة فنية إلى فرنسا، درس خلالها أصول الفنون، وبدأ في إنجاز أعمال فنية جديدة، كانت مؤهلة للعرض في صالونات باريس، وكان على رأس أعماله تمثال أطلق عليه اسم "عايدة"، كان هذا التمثال بداية مرحلة جديدة في حياة الفنان محمود مختار، جعلت منه فنانا عالميا، ظل هكذا حتى انتهى من تمثاله الجديد الذي لفت أنظار الكثير من رواد الفن، وهو تمثال "نهضة مصر"، فقد رآه بعض النقاد مزيجا بين فن التمثال الحديث بإضافاته العصرية للعمل والتراث المصري القديم.
محتويات المتحف
ويوضح د. علي الصهبي، أستاذ النحت بكلية التربية الفنية بجامعة عين شمس: متحف محمود مختار يتكون من طابقين، يبدأ الطابق الأول بمدخل رئيسي يؤدي إلى المبنى الرئيسي للمتحف، ويفصل بين المدخل والمتحف حديقة صغيرة تتضمن عددا من التماثيل التي قام بتنفيذها الفنان الراحل أثناء رحلته إلى باريس، تنتهي هذه الأعمال عند واجهة المبنى الداخلية التي يعتبرها النقاد معبرة بشدة عن مكانة المتحف التي يحتلها من بين المتاحف الفنية الأخرى، ويحتوي المتحف من الداخل على قاعدة عُرفت في الأوساط الفنية بأنها خُصصت لأغراض عديدة، حيث تضم عددا من الأعمال الفنية للفنان الراحل، كما أنها مكان مؤهل لإقامة الأمسيات الفنية والمعارض، يطلق على هذه القاعة اسم "النافذة"، كما يضم المتحف قاعة أخرى تحتوي على تماثيل فنية تجسد الحياة الريفية التي كان يعيشها مختار.
وأضاف الصهيبي: يوجد قسم خاص بالأعمال الحجرية التي قام محمود مختار بتنفيذها من الأحجار، بالإضافة إلى كونه مكانا يقام به الورش الفنية والمناقشات التي تُقام بين الفنانين والنقاد. أما الطابق الثاني فيتكون من قاعة تضم أعمالا نحتية، قام محمود مختار بتنفيذها قبل وفاته بسنوات، بالإضافة إلى قاعة تُقام فيها المسابقات الفنية والندوات، وأخرى يطلق عليها المكتبة، تضم آلاف الكتب الفنية بعضها بلغات أجنبية والبعض الآخر باللغة العربية. 
توجد قاعة أخرى بها العديد من التماثيل المصنوعة من البرونز والجبس والرخام، فضلا عن بعض الأدوات التي كان يستخدمها مختار في تنفيذ أعماله الفنية، ومتعلقات أخرى خاصة به مثل ملابسه وأغراضه الشخصية. (خدمة وكالة الصحافة العربية)