مغالاة نقدية إعلامية حيال الدراما السعودية

لا يمكن أن تحاسب دراما في بلد لا توجد فيه جامعات تعنى بالتمثيل والإخراج السينمائي والتلفزيوني وتدريس علوم الغناء والموسيقى، ومجتمع منقسم فعليا بشأن قبول الفن بوصفه تعبيرا عن تحضر البلدان في التعريف بنفسها.

هناك مغالاة إعلامية مازالت متواصلة بشأن الدراما السعودية، ثمة تنظير إعلامي نقدي غير واقعي، عندما يعامل العدد الضئيل من الأعمال الدرامية السعودية على أنه منتج في سوق منافسة لأسواق الإنتاج العربية، وليس من بلد لا توجد فيه معاهد تدرّس الموسيقى والتمثيل!

لا يمكن وفق التقويم المفرط في التفاؤل أن نضع أي عمل درامي سعودي مثلا على مشرحة النقد القاسي مثلما نحاسب نقديا الأعمال الدرامية اللبنانية أو السورية، ذلك يعني عدم تقدير ومطالب فوق المقدرة وتجاهلا لفكرة التراكم والخبرة في الصناعة الدرامية.

لماذا نطالب بدراما متفوقة في بلد لا توجد فيه دراما، لا يوجد تاريخ للدراما في السعودية، وهذا يعني لا يوجد حشد ولا تراكم خبرة بين أجيال من الممثلين، ولا كادر تقنيّا وفنيّا، كم مخرجا سعوديا يوجد اليوم؟

تسبب مثل هذه الأسئلة شيئا من الغيظ بالنسبة إلى السعوديين تحديدا، لكنها واقعية جدا واختصر الإجابة عليها الفنان ناصر القصبي إثر الجدال المتصاعد بشأن مسلسل “العاصوف”. ولسوء طالع هذا المسلسل، كل الكلام بشأنه يتجاهل الأداء والثيمة وطبيعة الحبكة الدرامية، ويذهب بعيدا في هامش التاريخ!

بينما يرى القصبي أن من حق الجميع انتقاد أي عمل، ومن حقهم أيضاً أن يعجبهم العمل أو لا، ولكن ما يزعج القصبي أن هذا الوسط الإعلامي والثقافي العام يحاكمه على مشروعه ويفرض نفسه وصيا عليه، وهو لا يفهم ألف باء اللعبة!

ويقول “ينظر إليك وكأنما أنت في وسط هوليوود أو في مناخ القاهرة الفني، دون أن يرى أنك تتحرّك في بيئة فقيرة جداً فنيا لا تملك فيها أبسط مقومات العمل الدرامي من كتّاب أو مخرجين أو مصورين”.

لا يتذمر القصبي من الآراء الموضوعية، ولكن ليس النقد الاستعلائي، ويقول “عندما أقدم عملاً داخل هذه البيئة المتواضعة فنيا لا تحاسبني بهذه الحدة والقسوة”.

لا تكتفي السوق الدرامية المنتجة بحلقة دون أخرى، ثمة سلسلة فنية متشابكة ومكملة لبعضها البعض، فرق تقنية وكادر إخراج وفريق أدائي متكامل يحتمل مجموعة من البدائل في الوجوه والقدرات، وإذا افترضنا أن النص متوفر وفق المدونة الأدبية في السعودية، فإن شروط إنتاج الدراما الأخرى مازالت متواضعة، ومثل هذا الأمر يجيب عليه سؤال عن عدد الممثلين السعوديين، بل عندما تعد أسماء المخرجين ستصاب بالخيبة!

هناك عملان دراميان سعوديان تصاعد بشأنها الضجيج الإعلامي غير المبرر هما “العاصوف” و”عوض أبا عن جد”، بينما مخرجا العمل أحدهما من سوريا والآخر من العراق، فيما الكادر الفني لإنتاج العمل موزع على عدة بلدان. فهل من العدالة أن يغيب التشجيع من أجل الدفع بالسوق المتواضعة إلى التقدم أكثر وكسر حصار الحلقات الدينية الضيقة التي تهمش الفن، أم نغالي بالنقد المتشدد والبحث عن ثغرات في دراما سعودية مازالت تحبو؟

من البساطة تجميع عشرات التقارير الإعلامية والمقالات النقدية عن مسلسل “العاصوف” لنكتشف أن غالبيتها تقدم خدمة مجانية لحلقات المصادرة والتحريم التي تريد تحويل المادة الدرامية إلى مادة تاريخية أو دينية لا تخرج عن شروطها، وتقتل فكرة الخيال في مهدها.

أمتلك مثل غيري حزمة ملاحظات على مسلسل “العاصوف” مثل تشتت وافتقاد للثيمة الأصلية للقصة والتعكز على قصص هامشية وإقحامها في العمل من دون أن تضيف إليه شيئا، ثم التحرك العشوائي للكاميرا وتكرار المشاهد الفائضة عن الحاجة، حيث يمكن اختصار المسلسل إلى نصف حلقاته من دون أن يخل بطبيعة الأحداث، لكن مثل هذه الملاحظات لا أهمية لها حيال الرغبة المفرطة في تراكم دراما سعودية تدخل السوق وتشجع على الانفتاح وتجاوز عقدة الخوف من الحلقات الدينية المتشددة المسكونة بخرافة الماضي.