من أجل ترويض الوحش الإيراني

استغبى نظام الملالي الشعوب الإيرانية حين أوهمها بعظمة إيران التي تقوم على أساس الحاق دول المنطقة بها.

يتحدث الساسة والعسكريون الإيرانيون بصراحة عن حقهم في أن يكون لهم مناطق نفوذ في العالم العربي. وهو حق اخترعوه بأنفسهم انسجاما مع نزعة قومية توسعية لا تقيم وزنا للقوانين والأعراف الدولية ولا للتاريخ الذي يحاول الإيرانيون القفز عليه بمروياتهم عن مرحلة ما قبل الإسلام.

وهم في تمسكهم بذلك الحق الملفق انما يشرعون أبوابا على حروب، من المؤكد أن الشعوب الإيرانية ستدفع ثمنها باهظا. فتلك السياسات وإن تداخلت مع سياسات الدول الكبرى في ظل الأزمات التي عصفت بالمنطقة وجعلت منها فريسة للفوضى لا تكفي لإقناع الدول الكبرى في السماح لإيران بالإضرار بمصالحها التي تتطابق مع مصالح الدول المتضررة من التمدد الإيراني.

وكما يبدو فإن الولايات المتحدة قد وصلت إلى الاقتناع بالفكرة السائدة في المنطقة وهي فكرة تسندها الوقائع. تلك الفكرة تؤكد أن إيران لن يردعها عن المضي في مشروعها الاستعماري إلا عقاب، يكون بحجم عدوانيتها التي صار المسؤولون الإيرانيون يصرخون بأنها مفتوحة على مفاجآت غير سارة.
لقد وصلت إيران إلى مرحلة من المغالاة في العدوان وجب معها عقابها. وهو عقاب ستدفع ثمنه الشعوب الإيرانية أولا. ذلك لأن الولايات المتحدة لا تنوي القيام بشن حرب على إيران وغزوها مثلما فعلت مع أفغانستان والعراق بمساعدة إيرانية. الإدارة الأميركية مقتنعة أن حربا اقتصادية، من شأنها ان تشل قدرة إيران على الحركة وتمنعها من الاستمرار في تمويل ورعاية ودعم جيوشها في المنطقة. وهي جيوش محلية يمكن أن تُهزم بيسر إذا ما تم تجفيف منابع تمويلها الإيرانية.

لقد استغبى نظام الملالي الشعوب الإيرانية حين أوهمها بعظمة إيران التي تقوم على أساس الحاق دول المنطقة بها. وهو وهم صدقه مريدو ذلك النظام بعد أن أغراهم بالمال وأمدهم بالسلاح وتماهى مع نزعاتهم الطائفية التي تضخمت في ظل ضعف بعض الأنظمة السياسية التي فقدت القدرة على حماية الشعوب التي وصيانة شروط السلم الأهلي وتعميقها.

مقارنة سريعة بين البحرين ولبنان تمكننا من إدراك حقيقة الفرق بين دولة قوية تدافع عن مصالح شعبها ودولة ضعيفة سمح نظامها بتمدد الميليشيات التابعة لدولة أجنبية وصولا إلى تغولها وسيطرتها على القرار السياسي.

وكما أرى فإن الباب الذي وجدته إيران مفتوحا بسبب الفوضى التي سادت في ظل تراجع النظام السياسي العربي صار من الضروري أن يُغلق لا خوفا على الشعوب المهددة بالاستعباد الإيراني بل دفاعا عن مصالح الدول الكبرى التي فكرت إيران في لحظة الهام خاطئ في أنها ستكون مؤهلة لاقتسام مناطق النفوذ معها أو من خلالها.

ما هو معلوم في سوريا هو مجهول حتى اللحظة في العراق.

لقد سمحت روسيا لإيران في أن تمارس استعراضاتها الميليشياوية لأغراض تخدم المشروع الاستراتيجي الروسي في سوريا. ولكن لماذا سمحت الولايات المتحدة لإيران باحتلال العراق؟

ستجيب على ذلك السؤال يوما ملفات جهاز الاستخبارات الأميركية غير أن ما هو مؤكد الآن أن الولايات المتحدة قد اتخذت قرارها بالاتفاق مع روسيا. وهو قرار يقضي بتحجيم دور إيران في المنطقة ودفعها إلى أن تمتثل وتنصاع للإرادة والقانون الدوليين.

وقد يبدو من ردود الفعل الإيرانية على الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي أن إيران قد فهمت تأثير ذلك الانسحاب خطأً، بحكم إصرار دول الاتحاد الأوروبي وروسيا على الاستمرار في ذلك الاتفاق. وهذا ليس صحيحا في ظل التجربة التي مرت بها إيران في وقت سابق. ذلك لأن العقوبات الأميركية لا تعني أن الولايات المتحدة ستقف وحيدة في مواجهة إيران، بل ستجر تلك العقوبات العالم كله إلى جبهتها.

فعلت الولايات المتحدة في انسحابها من الاتفاق النووي ما يراه العالم مناسبا من أجل ترويض الوحش الإيراني واعادته إلى القفص. وقد لا يكون مفاجئا أن تكون أوروبا وروسيا هما أول المستفيدين من ذلك.