مهاتير محمد الأردني

تأتي حكومات وتذهب منذ عشرات السنين ولم يأتِ مهاتير الأردني.

هذا هو الضالة المفقودة في الأردن. فالأردن يحتاج إلى إدارة فعالة يستلمها مهاتير محمد أردني، يلغي الضرائب ويقبض على الفاسدين ويعيد المليارات إلى خزينة الدولة وينشئ مشاريع منتجة ومدرة للدخل، ويرفع من مستوى الأردن ويجعل المطلب الشعبي هو منافسة الدول الصناعية الكبرى وليس رغيف خبز وأجرة باص. ويكون ولاء مهاتير محمد الأردني للوطن وليس للقبيلة ويريد أن يخرج من المنصب تاركا خلفه صيتا حسنا عن الإنجاز ونظافة اليد، ويقيم شراكة مع القطاع الخاص وليس مع البنك الدولي وصندوق النقد العالمي ويمهد الطريق أمام الصناعات الناشئة لكي تنمو وتزدهر وتستوعب المواهب الوطنية وتشغل آلاف الأيدي العاملة كما تفعل سامسونغ التي تجلب أرباحا تفوق ميزانية الأردن كاملة بالعقول الكورية وليس بالثروات الطبيعية.

الأردنيون بحاجة إلى ذاك الرجل من أية قبيلة أو عشيرة ومن أي قصر أو منزل أو خيمة، لا يهم من كان أبوه ولا ما هي عشيرته، فقط عليه أن يكون مؤهلا وصاحب إنجازات ورؤية تنموية حقيقية. لديه القدرة على السيطرة على حكومته وإقناعهم بالعمل على تحقيق الأهداف الاستراتيجية المنشودة والتي ستخرج بالأردنيين من الظلمات إلى النور، وتجعلهم يحسون بطعم الحياة. رجل يفرض حكم القانون على الكبير قبل الصغير، ويحاسب المسؤولين ماذا أنفقوا ولماذا أنفقوا وأين هي المشتريات. رجل يذكر اسم الراشي والمرتشي دون خوف أو حذر.

قال لي السائق الباكستاني "عندي 6 بنات وولدان"، قلت "كيف تنفق عليهم؟" قال "نحن في باكستان لا ننفق فلسا واحدا على التعليم أو العلاج، كله مجاني من الحكومة". أين الأردن من ذلك؟ أليس حراما أن يكون التعليم والعلاج عبئا على المواطن وتكون البعثات والمناصب لأبناء فلان دون أبناء فلان؟ لماذا لا يكون كل شيء بناء على الجدارة؟ طالما أن المجتمع لا يحتج ولا يذكر أصحاب الامتيازات بالاسم، فإن الوضع سيستمر على حاله ولن يستقيم.

تأتي حكومات وتذهب منذ عشرات السنين ولم يأتِ مهاتير الأردني، الذي يعالج الأمراض دون أن يعطي دروسا ونصائح، والذي يعمل أكثر مما يتحدث، والذي يصيب الهدف ولا يدور حوله، والذي يفصح ولا يلمح والذي يضرب بقوة القانون وليس بقوة جماعته. مهاتير الأردني الذي يستند إلى أرقام وحسابات وليس انطباعات، والذي يشرف على الوزارات شخصيا ويعرف آلية منح العقود ومن الذي يمنح العقود ولمن تمنح العقود وهل يجري تمرير مغلفات من تحت الطاولة. والذي يعرف لمن تعطى البعثات الدراسية والوظائف والمناصب وعلى أي أساس.

مهاتير الأردني الذي يخصص مبالغ لمشاريع إنتاجية يقوم بالتخطيط لها خبراء أردنيون في السوق المحلية والعالمية، وتنجح هذه المشاريع كما نجحت شركة المراعي السعودية. كما يقوم بالترويج للسياحة العلاجية كما تفعل تركيا والهند وتايلندا وللجامعات الأردنية ويجذب الطلاب من مختلف البلدان للدراسات العليا والاستفادة من الأساتذة الجامعيين في الأردن كما تفعل ماليزيا. مهاتير الذي يستغل جمال الطبيعة في الشمال الأردني ويصنع منه منطقة جذب سياحي وتعليمي وعلاجي.

مهاتير الذي يرصد أصحاب المناصب العليا وأبناء الذوات وحين يتأكد أن معهم مليارات، يستجوبهم كيف جمعوها، هل كانوا يعملون عملا إضافيا في المساء، أم يعلمون الطلاب في منازلهم؟ أم لعل زوجاتهم كن يصنعن الأجبان في الربيع ويبعنه في الأسواق؟ لا بد لمهاتير الأردني أن يعرف مصدر أموال أصحاب القصور والإقطاعات ويقدمهم للمحاكمة. ولا بد لمهاتير الأردني أن يفتح ملفات قديمة، فالتردي لم يولد من بضعة سنوات، بل تراكم من عشرات السنين حتى وصل الفقر إلى هذه الدرجة المروعة.