ناتالي البجعة البيضاء

إنها إسرائيلية، يهودية… لا تستحق الأوسكار، بل هناك ما هو أقسى من هذا الكلام الذي يحرض على الكراهية تم تداوله خصوصا بين العرب ضيقي الأفق، عندما منحت ناتالي بورتمان جائزة الأوسكار لأفضل ممثلة، عن دورها في فيلم “البجعة السوداء” عام 2011.

من شاهد هذا الفيلم، تسنى له أن يتشبع بدفقه من المشاعر المتعاطفة مع البجعة ناتالي، ومثل هذا الشعور يقطع بشكل نهائي مع الأفق الضيق عن تصنيف الناس وفق الإثنيات والديانات، لأن ناتالي خارج التصنيف بوصفها ممثلة تمتلك من القدرة التعبيرية ما يجعلنا نحبها فعلا ولا نفكر في دينها.

بودي أن أجد معادلا موضوعيا من الجمهور العربي الذي سبق وأن جاهر بكراهية معيبة للممثلة بعد منحها جائزة الأوسكار، فقط لأنها يهودية، بعدما رفضت هذا الأسبوع التوجّه إلى إسرائيل لتسلم جائزة بقيمة مليوني دولار منحت لها تقديرا لجهودها وتفانيها في سبيل المجتمع اليهودي، بالقول إنها لا تريد أن يرتبط اسمها برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي كان من المقرّر أن يلقي كلمة خلال حفل تسليم هذه الجائزة التي تعد “نوبل اليهودية”.

رفضت ناتالي بورتمان اليهودية تسلم جائزة يهودية ثمينة احتجاجا على العنف والفساد واللامساواة واستغلال السلطة في إسرائيل. وفي ذلك درس إنساني عال في القيم، يصعب على من بث كراهيته الدينية والقومية على الممثلة نفسها إبان منحها الأوسكار أن يصل إليه. كما يكشف في الوقت نفسه فجوة أيديولوجية بين اليهود الأميركيين التقدميين بشكل عام، والسياسة الإسرائيلية اليمينية المحافظة.

في واقع الأمر لم أجد معادلا في كل ردود الفعل المتعاطفة والمثنية على ناتالي بعد رفضها تسلم الجائزة، لأن الكراهية تبدو في أصغر صورها أكثر أذى من أي مشاعر أخرى، ولا تؤول إلى غير الكراهية.

لم تكن ناتالي بورتمان بجعة رشيقة وحسب، لكن أداءها الناعم والرشيق والطفولي في هذا الفيلم منحها الحق كي تكون بجعة إنسانية محبوبة بقدر يفوق الوصف.

فحلمها بأداء دور البجعة السوداء في بحيرة البجع، يتطلب منها ذلك أداء دورين متناقضين، أن تكون كما هي بجعة بيضاء وأخرى سوداء عدوانية تجسد الجانب المظلم في العمل الشهير.

تتجسد رقتها أمام مدربها شديد القسوة عليها إلى درجة تحريك المشاعر الدفينة في داخلها من أجل استخراج الكامن في حركتها الراقصة.

إذا كان هذا الفيلم يحمل دلالة رمزية اكتشفها الناس في شخصية ناتالي بورتمان بعد ثمانية أعوام على عرضه، مع موقفها الرافض للعنف في بلدها إسرائيل، فان موقفها يمنحنا درسا مضافا للتخلص من الكراهية الدينية، علنا نتعلمه بعدما أعلنته علينا فنانة يهودية إسرائيلية رافضة جائزة قيمتها مليوني دولار، وهو مبلغ لا يقدر بشيء عندما يعادل بالثمن الباهظ للكراهية التي تسود العالم ويسهم رجال الدين في تفاقمه!