هزيمة حزب الدعوة انتصار للعراقيين

يستحق المالكي المتعجرف أن يهزم على يد "مراهق سياسي" مثل مقتدى الصدر و"دعوي مغمور" مثل العبادي.

ما لم يتم التخلص من حزب الدعوة فإن النتائج الانقلابية التي انتهت إليها الانتخابات النيابية في العراق ستًمحى وتكون من غير معنى.

لقد وجه المقترعون ضربة قاصمة إلى حزب الدعوة من خلال الامتناع عن التصويت لقائمة دولة القانون، غير ان تلك الضربة ما كانت ممكنة إلا بعد أن تم قبل أربع سنوات استبعاد نوري المالكي زعيم الحزب والقائمة من الحكم.

وإذا ما كان المالكي قد أوهم الآخرين بأنه انتقل من منصب رئاسة الوزراء إلى الموقع الذي يؤهله لصناعة الحكومات فإن ما نتج عن الانتخابات قد فضح كذبته تلك. 

لقد تصدر عدو المالكي الأول وأقصد مقتدى الصدر المشهد الانتخابي. 

اما حيدر العبادي الذي كان سياسيا مغمورا قبل أربع سنوات فقد أصبح اليوم زعيم كتلة نيابية صاعدة وقد يعوضه ذلك عن خسارته منصب رئيس الوزراء إن حدثت. وهو ما سيغنيه عن الالتفات إلى ماضيه الحزبي عضوا في حزب الدعوة.

ما لا ينساه المالكي للعبادي أنه وجه إليه ضربة قاسية حين أصدر قرارا بتنحيته عن موقع نائب رئيس الجمهورية في أول عهده رئيسا للوزراء عام 2014.

ذلك القرار وإن لم يدخل حيز التطبيق قد أسس لقطيعة بين الرجلين، عززت من موقع العبادي في المشهد السياسي العراقي وأضعفت في الوقت نفسه من هيمنة المالكي على أجزاء من الدولة العراقية.

سيحاول المالكي ترميم وضعه من خلال التحالف مع كتلة الفتح التي يقودها هادي العامري، إيراني الهوى والهوية. وهي محاولة قد لا تنجح إلا إذا ضغطت إيران في سبيل ذلك. فالعامري الذي يسعى جديا إلى الاستيلاء على الحكومة وتأسيس دولة الحشد الشعبي لن يرضيه أن يكون المالكي بسلوكه المتعجرف وسمعته السيئة شريكا له في ما حققه من نصر انتخابي.

وهو ما يجعلني متفائلا في أن المالكي قد هُزم على كل الجبهات.

هزيمة المالكي وحزبه هي انتصار مبدئي للعراق.

وكما يقول المثل العراقي "العافية درجات" أي أن المريض يستعيد صحته تدريجيا فإن هزيمة المالكي وحزبه هي أول خطوة يلقيها الشعب العراقي على طريق الحرية والنزاهة والكرامة والنهوض. وهي خطوة تؤكد على قدرة الشعب على التغيير بالرغم من كل الظروف القاسية التي تحيط به.
فالديمقراطية التي جلبها الأميركان إلى العراق كانت دائما مثقوبة ومخترقة. لقد تم تصنيع الانتخابات وهي الوجه الوحيد الذي عرفه العراقيون من بين وجوه الديمقراطية بطريقة تذهب فيها الأصوات تلقائيا إلى الطاقم السياسي الذي جلبه الأميركان معهم وسلموه السلطة.

كان الملعب الانتخابي محكوما بعدد محدود من اللاعبين الذين تم اختيارهم بعناية ودقة، بما لا يهز ثقة الراعي الأميركي بهم بالرغم من علمه بعلاقتهم الوثيقة بإيران. وهي معادلة ليس من اليسير تفكيك عناصرها إلا إذا وافقنا على النظرية التي تقول إن الأهم بالنسبة للولايات المتحدة أن لا تقوم للعراق قائمة وفي ذلك لا بد أن تعتمد القوة العظمى على عدوها المعلن في انجاز تلك المهمة. فما من نظام يكره العراق والعراقيين مثل النظام الإيراني.

كان المالكي وهو الذي حظي بدعم الولايات المتحدة أيام أوباما مطمئنا إلى أن أصوات العراقيين مهما نددت بفساده ستسقط في صندوقه الانتخابي.

غير أن ظهور قوائم انتخابية "عابرة للطائفية" وأهمها "سائرون" التي يتزعمها الرجل الذي طالما سخر منه المالكي واعتبره مراهقا في عالم السياسة قد شجع العراقيين على توجيه ركلة متقنة إليه ومن خلاله إلى حزب الدعوة.

لقد انجز العراقيون في انتخابات قاطعها كثيرون شيئا أشبه بالمعجزة.

من المؤكد أن الفضل في ذلك يعود إلى السيد مقتدى الصدر وحيدر العبادي مجتمعين. لقد تحرر الرجلان من عقدتهما الطائفية وانفتحا على حقيقة الشعب العراقي التاريخية حين ركنا الطائفية السياسية وهي أساس الفساد جانبا فحررا الناخبين من الخيارات الجاهزة التي كانت تفرض عليهم في أوقات سابقة.

وكما أرى فإن دفن سيرة المالكي الكئيبة لن يتم إلا من خلال تحالف الرجلين الذي سيكون أساسا لقيام حكومة كفاءات حقيقية وليست صورية. حكومة أغلبية سياسية حقيقية لا تقيم وزنا لمبدأ المحاصصة الحزبية والطائفية.

وإذا ما كان العبادي لا يزال رسميا عضوا في حزب الدعوة فإن سنوات حكمه قد أكدت أنه عرف كيف ينأى بنفسه عن ذلك الحزب وسياساته وهو ما يمكن أن يعبر عنه في المرحلة المقبلة حين يلتفت إلى مستقبله معتبرا علاقته بالحزب المذكور شيئا من الماضي.