هلالان وقمر

الاختلاف على رؤية هلال العيد عرض من أعراض مرض الانشقاق المترسب بين الشيعة والسنة.

للمسلمين هلالان، الأول يراه السعويون السنة، والثاني لا يظهر إلا في إيران ومستعمراتها العربيات المتأسلمة. أما القمر فهو الذي كان هلالا يمتد من طهران إلى بغداد ثم دمشق وبيروت، وتوسع حتى صار قمرا ينتظر موعد الأفول.

ففي كل رمضان وفي كل عيد تتكرر المسرحية المضحكة المبكية التي يراد منها فقط الإعلان عن أن المؤسسة الدينية الشيعية لا تختلف مع المؤسسة الدينية السنية، فقط، في أمور العبادة والطقوس والمذاهب بل هي في حالة حرب معها على الخلافة، منذ ألف وثلاثمئة وستين عاما، حين اغتصب أبو بكر الخلافة من علي، حسب ما تقول.

والحقيقة التي يعرفها التاريخ غير المزور هي أن الإمام علي كان يعرف أنه لا يصلح لها ولم يكن راغبا فيها، وبايع الخلفاء الثلاثة الذين سبقوه، وارتضى بموقع الإمام الديني المستشار الناصح المخلص المقرب منهم جميعا والمتصدر في مجالسهم الفقهية والسلطوية معا، والمتزوج منهم والمزوج لهم أيضا بكل طيب خاطر ورضا وقبول.

وحين لا يرى الإيرانيون ولا مرجعية النجف هلال العيد وهلال رمضان إلا بعد يوم من رؤية السعودية وباقي دول العالم الإسلامية فإن ذلك يجيء ضمن فضاء الحروب الطائفية التي تشتعل بين أحفاد يزيد وأحفاد الإمام علي والحسين.

ومؤكد أن هذه الرؤية المختلفة للهلال لم تكن بفعل فاعل أميركي أو صهيوني أو أوروبي خبيث استخدم ألاعيبه التكنولوجية الفضائية ليجعل الهلال يظهر هنا ولا يظهر هناك، بل هي عتيقة متوارثة، عمرها من عمر العراك التاريخي الذي يتوارثه المسلمون من يوم سقيفة بني ساعدة عام 11 للهجرة، 630 ميلادي وحتى اليوم.

ومن ذلك التاريخ الموغل في القدم تعودنا على أن نرى أبيض السنة لدى الشيعة أسود، وأخضر الشيعة يابسا لدى السنة، والاصطدامات والانتكاسات والخلافات بينهما لا تخف ولا تهدأ، وتتحول، في بعض حالاتها، إلى معارك تكسير رؤوس، وقلع أعين، وحرق أسرى وهم أحياء.

ولو نصر الله أحد الفريقين نصرا كاملا على عدوه الشقيق، وهزم الآخر هزيمة كاملة، لقُضي الأمر، وتنفست هذه الأمة الصعداء، ولأصبحنا إما دولة سنية خالصة، أو شيعية خالصة، ولارتحنا ونجونا من دخان الحروب التي لا تنطفئ.

ولكن لا بد من القول هنا إن جراثيم التعصب الطائفي ليست وقفا على واحدة من الطائفتين. ففي كلٍ منهما مئات الملايين من البشر غارقة في بغضائها وعصبيتها وضلالها. والمحزن أن مفاهيم التعصّب الأعمى ليست من نصيب الأميين البسطاء الذين لا يقرأون ولا يكتبون، ولا يعلمون عن الإسلام سوى أن كل موت بأمر رجل دين، أو دفاعا عنه، هو شهادة، وطريق معبد ومنور إلى الحور العين والخمر والتين والزيتون. بل إن الكثير من علمائهم وأئمتهم ووعاظهم كانوا وما زالوا يرتزقون من صناعة هذا الضلال المبين.

و"داعش"، هذا النبت السني الصحراوي السام، لم يكن اختراعا جديدا في عالم الإرهاب المتغطي بالإسلام. فقد سبقته حركات سرية وعلنية عديدة تفننت في استخدم الخنجر والسكين والخازوق لتحقيق أهداف سياسية لا علاقة لها بطائفة ولا بدين.

والذي يُحزن كثيرا أن إيران الفارسية المتعصبة لفارسيتها كانت، منذ قرون، الموطنَ الأول والدائم لفرق الإرهاب المتأسلمة، من أيام الخلافة الراشدية، والدولتين، الأموية والعباسية، وبالأخص فرق الحشاشين والإسماعيليين والقرامطة، وإلى اليوم.

ففي أوائل القرن السابع الميلادي، ظهر الإسلام، وباشر حروبه الشهيرة لنشر رايته في البلاد المجاورة، وكانت أولى فتوحاته وأهمُها على الإطلاق، خارج الجزيرة العربية، معاركَ فتح العراق، والانطلاق منه نحو الشرق، واكتساح أراضي الدولة الفارسية بالكامل، وهزيمة إمبراطور الفرس يزدجرد الثالث في معركة القادسية.

أما من أسلم من الفرس، وحسن إسلامه، فقد أذاب الإسلام في نفسه تلك النعرة الثأرية الفارسية ضد أشقائه الفاتحين العرب المسلمين. لكنّ كثيرين منهم لم يستطع الدين الجديد أن يغسل قلوبهم من أحقادها تلك.

وقد دأبت الحركات القومية الفارسية المتعصبة على ارتداء ثياب الحمية والتقوى، والتظاهر بالثورة على ظلم الخلفاء وعُمالهم في إمارات بلاد فارس، والاستظلال بدعاةٍ من آل البيت.

وكما ترون. ما زال المواطن الشيعي المضلَّل من قبل المؤسسة الدينية في النجف وقم وطهران يقدس رواياتها ويصدق تخاريفها، ويتمادى ويبالغ في شتم نساء النبي وأصحابه، ويظن أن هذه هي التقوى والديانة، حتى وهو يرى خصومه السنة يقدسون، مثله، آل البيت، ولا يشتمون أحدا منهم، بل يُكفرون من يمس ذكرهم بسوء.