واشنطن تدخل على خط الإقالات الأمنية في تونس

مستشار في الكونغرس الأميركي يتابع إقالة مسؤولين في الأمن القومي التونسي لمعرفة ما اذا كانت بضغط من حركة النهضة الاسلامية.

تونس - تساور التونسيين مخاوف جدية من الخلفيات السياسية التي تقف وراء اقالة العشرات من كبار المسؤولين الأمنيين في أعقاب إعفاء وزير الداخلية لطفي براهم من منصبه، في حين قال مستشار للكونغرس الأميركي إن مراقبيه يتابعون الاقالات لمعرفة ما اذا كان الامر تحت ضغط حركة النهضة.
وخلال الأيام القليلة الماضية تولى غازي الجريبي وزير العدل ووزير الداخلية بالنيابة إقالة العشرات من ضباط وقيادات الأجهزة الأمنية وفي مقدمتها جهاز الدرك الوطني.
وشملت الإقالات أجهزة أمنية حساسة مثل أجهزة مكافحة الارهاب والامن العام والمخابرات والمرور بالاضافة الى إقالة قيادات في سلك الدرك بمحافظات تونس العاصمة ومنوبة ومدنين وسوسة وقبلي وفي عدد من الإدارات المركزية.
وفيما اكتفت وزارة الداخلية بالإعلان عن الإقالات دون تقديم أي إيضاحات بشأن خلفياتها وأهدافها، رأى مراقبون أن الاجهزة الأمنية التي ما انفكت تقود جهود مضنية وناجحة في مكافحة الإرهاب وتوفير الأمن تتعرض إلى نوع من العقاب غير المبرر.
وتلمح تقارير إعلامية إلى أن حركة النهضة الإسلامية التي قد تكون دفعت بالشاهد إلى إقالة براهم، تقف اليوم وراء إقالة قيادات أمنية كفؤة ومحايدة وتعيين أخرى موالية لها سياسيا.
وقال الهاشمي نويرة رئيس تحرير جريدة "الصحافة اليوم" الحكومية مشيرا إلى النهضة "جماعة منقلبة على الطابع المدني للمجتمع والدولة، ديدنها التغوّل داخل مفاصل الدولة وفي أماكنها الحساسة، سيطرت بالكامل على المنظومة المعلوماتية للبلد وهي بصدد إما السيطرة أو تفكيك الاجهزة الحساسة الأمنية بالخصوص".
وشدد نويرة يقول في مقال نشر الثلاثاء على أن "تعيين 100 أمني خلال فترة وجيزة يعد ضربا للأجهزة الأمنية ولمنظومة التوازن الأمني بالبلاد".

وأبدى وليد فارس مستشار الكونغرس الأميركي لشؤون الارهاب "اهتمامه" تجاه الإقالات والتعيينات الجديدة.
وقال إن المراقبين في واشنطن "يتابعون إقالة مسؤولين في الامن القومي التونسي لمعرفة ما اذا كان الامر تحت ضغط حركة النهضة الاسلامية.
وخلال السنوات الثماني الماضية ما انفكت حركة النهضة تسعى إلى زرع أنصارها في مفاصل مؤسسات الدولة وفي مقدمتها الأجهزة الأمنية في محاولة لبسط نفوذها عليها من جهة وتركيز نواة أجهزة موازية صلب أجهزة وزارة الداخلية من جهة أخرى.
وأثارت التعيينات المفاجئة وتسريب الأسماء عبر مواقع التواصل الاجتماعي استغراب الخبراء لجهة حساسية مهامها خاصة بشأن اجهزة الاستخبارات ومكافحة الإرهاب.
وقال نويرة "نكادُ نَجْزِمُ بأنّ ما أقْدَمَ عليه غازي الجريبي وزير الداخلية بالنّيابة ووزير العدل مِنْ تغييرات في الإطارات الأمنيّة وتحديدا في سِلْكِ الحرس الوطني هو أَخْطَرُ ما يُمْكِن أن يُصيب منظومة التوازن الأمني في البلاد".
وأضاف "ونتيجة لكلّ ما تقدّم فإنّه مِنَ المشْرُوعِ والضروري التّساؤل بخصوص مجموعة التغييرات الواسعة والفجائية في مختلف الأسْلاَكِ الأمنية وتحديدا في سِلْكِ الدرك، لماذا الآن ؟! ولِمَ كلّ هَذِه العَجَلَةِ؟!
وتبدو المخاوف والتساؤلات مشروعة خاصة وأن لطفي براهم تم منعه خلال فترة توليه حقيبة وزارة الداخلية من إقالة أو تعيين قيادي او إطار أمني بما في ذلك رئيس ديوانه الذي تم تعيينه من قبل رئيس الحكومة يوسف الشاهد.
وفي ظل هشاشة الأوضاع العامة التي عمقتها أزمة سياسية وهيكلية من جهة، وما تحظى به المؤسسة الأمنية من ثقة لدى التونسيين تفوق نسبة 93 بالمئة من جهة أخرى، بدت الإقالات والتعيينات بالنسبة لعدد من الخبراء محاولة لضرب الأجهزة الأمنية التي استماتت في التمسك بحيادها تجاه مختلف القوى السياسية لتقف على نفس المسافة منها.
وبرأي خبراء فإن الإقالات والتعيينات لا يمكن الاستهانة بها في حال استمرار صَمْت المجتمع وشَلَلِ مؤسّسات الدّولة، لافتين إلى أن الاستهانة بذلك هو تغافل عن مؤشّر خطير على تدهور الوضع الأمني في البلاد وعلى المساس بالأمن القومي.
وخلال السنوات الثلاث الماضية تمت إحالة ما بين 400 و500 إطار أمني من مختلف الرتب والأسلاك على التقاعد ما بدا نزيفا لكفاءات تمتلك من المؤهلات والخبرات ما جعلها قادرة على احباط العشرات من هجمات الإرهابيين.
ويحسب للأجهزة الأمنية ولوحدات الجيش افشال هجمات متزامنة شنها في 2016 ارهابيو تنظيم الدولة الاسلامية على مدينة بن قردان في مسعى إلى إقامة إمارة إسلامية.

اقدام وزير بالنيابة حتى وان كان مسنودا من رئيس حكومته بتغييرات في عمق المؤسسة الأمنية، يفتح باب التأويلات ويمس بهيبة الدولة

ويخشى التونسيون من أن تقود الخلفيات السياسية التي تقف وراء الإقالات والتعيينات إلى تفكك المنظومة الأمنية مشددين على أنه قد يقود إلى تفكك منظومة الحريات التي تكاد تكون المكسب الوحيد الذي تحقق منذ يناير 2011 تاريخ سقوط نظام الرئيس زين العابدين بن علي.
ويرى خبراء أن ضرب الأجهزة الأمنية هو تقويض لمنظومة الوقاية الأمنية التي تقوم على القدرة على فرض التوازن والرّدع وإنّ ضرب هذا السّلك في هذا التوقيت وبهذه الطريقة يطرح أكثر مِنْ سؤال ويثير أكثر من إشْكالٍ.
غير أن خبراء آخرين يقللون من خطر تداعيات الإقالات والتعيينات على الأمن القومي حتى وإن كانت تقف وراءها النهضة مشددين على أن مجلس الأمن القومي يراقب بكل جدية كل ما من شأنه أن يمس بأمن التونسيين.
وخلال الأشهر الماضية كثف الرئيس السبسي اجتماعاته بمجلس الأمن القومي باحثا معه السبل الكفيلة بمزيد من دعم أداء وحدات الجيش والأجهزة الأمنية.   
 وأثارت الإقالات غضب نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي إذ حفلت صفحات النشطاء الرسمية بالتهكم على تسريب أسماء القيادات الأمنية التي تم تعيينها عبر الفضاء الافتراضي محذرين من خطورة تداعيات التسريبات على الأمنيين.
ويرى الإعلامي مراد علالة أن تلك الإقالات والتعيينات قد "تكون محمودة بمنطق الديمقراطية والشفافية والحوكمة الرشيدة لكنها تظل سابقة مثيرة للجدل بالنظر إلى جسامة المسؤولية في العلاقة بالأمن القومي باعتبار أن الأمر يتصل بالاستعلامات والابحاث واللوجستيك خاصة وأن تونس في أوج الحرب على الإرهاب".
ويشدد علالة وهو ناشط أيضا في المجتمع المدني متحدثا لميدل ايست اونلاين على أن "اقدام وزير بالنيابة حتى وان كان مسنودا من رئيس حكومته بتغييرات في عمق المؤسسة الأمنية مجانب للمنطق وللأعراف لأنه يفتح باب التأويلات ويمس بهيبة الدولة ويعصف بالأمن القومي".
ويضيف علالة "المؤسف هو هذا الصمت المريب للطبقة السياسية بما في ذلك تلك التي كانت تروج قبل أيّام لتمرير التعيينات الكبرى في الداخلية على البرلمان حتى لا تكون المعالجات الأمنية سياسية بامتياز على حساب هيبة الدولة ومصلحة الأمن القومي".
غير أن مختار بن نصر رئيس المركز التونسي لدراسات الأمن الشامل يرى أن تونس لديها منظومة أمنية شاملة وقوية تمتلك من الأداء ما جعلها مؤهلة لحماية الأمن القومي لافتا بالمقابل إلى ضرورة التحلي بالحذر واليقظة كي لا تخترق تلك المنظومة.