الحذاء يدخل عالم النشر الإلكتروني
السبت 2002/01/19
كتب: أحمد فضل شبلول

كتاب من أهم الكتب التي أصدرتها سلسلة عالم المعرفة الكويتية هذا العام (العدد 270) ـ 460 صفحة ـ لمؤلفه عالم الفيزياء الأمريكي ميتشيو كاكو وترجمة سعد الدين خرفان ومراجعة محمد يونس. يتحدث الكتاب عن مصير البشرية خلال القرن الواحد والعشرين من خلال ثورات ثلاث هي: ثورة الكمبيوتر، والثورة البيوجزيئية، وثورة الكم، من خلال لغة علمية بسيطة يفهمهما كل مثقف، وكل أديب يحب العلم. كما جاءت الترجمة مواكبة لهذه البساطة والسهولة في التأليف، لذا أرى أنه يجب على كل مثقف عربي قراءة هذا الكتاب لأهميته ومواكبته لأحدث الأفكار العلمية في العالم الآن، والتي تطل في الوقت نفسه على المستقبل وحتى عام 2050 حيث المستقبل غير المحدود للعلم والتكنولوجيا من خلال الحوار والمقابلة وطرح آراء أكثر من 150 عالما معظمهم حاصل على جائزة نوبل في العلوم، فضلا عن المؤلف نفسه الذي حصل عليها أيضا، والذي يرى أن عصر الاكتشاف في العلم يقترب من نهايته ليفتح عصرا جديدا، هو عصر السيطرة على الطبيعة، ولكن إلى أين سيقودنا هذا كله؟ هذا هو بالضبط السؤال الذي يسأله علماء الفيزياء الفلكية الذين يمسحون السماء بحثا عن دلائل لحضارات غير أرضية قد تكون أكثر تقدما من حضارتنا بكثير والتي يصفها العلماء بأنها من النوع صفر.
المرآة السحرية والكوكب الذكي
إن ثروة الأمم في القرن الحادي والعشرين تتمثل في القدرة العقلية والخيال والابتكار وتنظيم التكنولوجيات الحديثة، وأن شبكة الإنترنت من المتوقع لها أن تصل الكون بأكمله من خلال الأسلاك، وأنها ستتطور إلى غلاف يتكون من ملايين الشبكات خالقة "كوكبا ذكيا". وستصبح هي "المرآة السحرية" التي تظهر في القصص الخرافية التي تستطيع أن تتحدث بحكمة البشر.
ويرى العلماء أنه بحلول عام 2020 تقريبا قد يكون من الممكن لأي شخص على سطح الأرض أن يخزِّن شفرة الـ«د.ن.أ» الخاصة به على قرص مدمج، وعندها سيكون لدينا موسوعة الحياة. ومن المعتقد في هذا العام أن تتصل الإنترنت بكامل الخبرة البشرية لكوكبنا، وهي المعرفة والحكمة اللتان تراكمتا على مدى خمسة آلاف عام من التاريخ المدون.
الكمبيوتر يتعرف على عواطفنا
أما عن ثورة الكمبيوتر المتوقعة والتي تخضع لقانون مور الذي ينص على أن قدرة الكمبيوتر تتضاعف مرة كل 18 شهرا، ففي المستقبل سوف تحس أجهزة الكمبيوتر الخفية في حوائطنا، بالعالم حولها عن طريق وسيلتين غير مرئيتين هما: الصوت والطيف الكهرومغناطيسي، حيث تلتقط أجهزة الاستشعار أوامرنا الصوتية لتنفيذ رغباتنا، وباستخدام آلات تصوير فيديو مخبأة، ستتمكن أجهزة الكمبيوتر من تحديد وجودنا وإدراك تعابير وجهنا، بل وجد العلماء أنه من الممكن التعرف على العواطف بواسطة أجهزة الكمبيوتر، نتيجة لحركات الانبساط التي تحدثها في الوجه، فالابتسامة تؤدي إلى انبساط عريض لعضلات فمنا، وتعمل الدهشة على رفع الحواجب، ويقود الغضب إلى تقطيب الجبين، ويخلق الامتعاض أو القرف حركة كاملة على الوجه، لذا فعندما ركز الكمبيوتر على أجزاء الوجه التي هي في حالة حركة، استطاع في الاختبارات أن يتعرف بشكل صحيح على الحالة العاطفية للشخص حوالي 98% من المرات. ولكن من ناحية أخرى من الصعب على أجهزة الكمبيوتر التعرف على وجه إنسان إذا أدير هذا الوجه لعدة درجات فقط. كما يرى العلماء أن برمجة الإنسان الآلي بحيث يمتلك عواطف أمر صعب، ولكنه ليس مستحيلا. وفي هذا يقول المؤلف إنه قد يمتد الوقت حتى منتصف القرن الحادي والعشرين قبل أن تكون لدينا أجهزة إنسان آلي تمتلك المستوى من الوعي الموازي للكلاب مثلا.
النشر الإلكتروني عن طريق الحذاء
والمدهش أنه يسوق الآن لمرحاض متصل بالكمبيوتر في اليابان، يمكنه أن يشخص المشكلات الطبية البسيطة، ويمكن جس نبض المريض بمقعد المرحاض عن طريق تحسس النبض المنخفض جدا في فخذ الإنسان، كما يمكن تحليل البول كيميائيا لمعرفة نسبة السكر. والأمر الأكثر إدهاشا أنه من الممكن في المستقبل وضع إلكترون في الحذاء يمكنه أن ينقل معلومات شخصية إلى الآخرين، وكل ما على المرء أن يفعله هو أن يصافح يد شخص آخر، ولأن الجلد مالح وناقل للكهرباء، فمن الممكن لسيرة ذاتية أن تنتقل كهربائيا من الحذاء إلى الأيدي، ومن ثم إلى يد الشخص المتعرف عليه، ومن ثم إلى حذائه. وقد يثبت هذا في نهاية المطاف جدواه كطريقة ملائمة لتبادل سجلات إلكترونية ضخمة مع شخص آخر في الشارع، مما يسهم في خلق ثورة جديدة في عالم النشر الإلكتروني.
كمبيوتر يمتلك القدرة الحاسوبية للدماغ البشري
ويرى أحد العلماء أن قدرة الشرائح الدقيقة ستقترب يوما من القدرة الحاسوبية للعقل البشري، فوفقا لقانون مور السابق الإشارة إليه، من الممكن اشتقاق تقدير حسابي للزمن الذي تتجاوز فيه أجهزة الكمبيوتر القدرة الحاسوبية للعقل البشري، إذا لم يحدث توقف في التقدم نتيجة لانتهاء العصر السيليكوني، فإذا استمرت الميول الحالية، فيمكن للعلماء بناء أجهزة كمبيوتر بسرعة الدماغ البشري تحتوي على القدر ذاته من المعلومات في وقت لا يزيد على عام 2040 حيث ستمتلك أجهزة الكمبيوتر الشخصية القدرة الحاسوبية للدماغ البشري، ولكن عند هذا الحد ستكون سرعة الكهرباء بطيئة جدا لأجهزة الكمبيوتر.
إعادة البصر للعميان
ليس هذا فحسب، ولكن سيكون في إمكان الخلية العصبية أن تطلق وترسل إشارة إلى شريحة سيليكونية، وأن بإمكان هذه الشريحة السيليكونية أن تجعل الخلية العصبية ترسل إشارة أيضا، ومن المفترض أن تطبق هذه الطريقة بنجاح على الخلايا العصبية البشرية أيضا. والأمر الأشد خطورة والأكثر دهشة في هذا المجال، مجال تبادل الإشارات بين الشرائح السيليكونية والخلايا العصبية، ما يقوم به حاليا فريق من الأطباء في مستشفى الأذن والعين في معهد ماساشوستس التابع لجامعة هارفارد الطبية الأمريكية، لبناء ما يسمى بالعين الإلكتروحيوية bionic eye ويتوقع أن يجري هذا الفريق دراسات إنسانية على شرائح كمبيوتر مزروعة في العين البشرية خلال خمسة أعوام، وإذا نجحوا فقد يتمكنون من إعادة البصر للعميان الذين يمتلكون شبكية معطلة، ولكنها على اتصال سليم بالمخ. كما يمكن صنع عين صناعية بقدرات فوق بشرية، مثل الرؤية المجهرية أو الرؤية عن بعد أو القدرة على رؤية الأشعة فوق البنفسجية أو تحت الحمراء، ولذا فقد يكون من الممكن في مرحلة ما تطوير بصر اصطناعي يتجاوز قدرة البصر العادي.
ليس هذا فحسب، ولكن الأمر الذي ربما يشبه روايات الخيال العلمي، يكمن في قدرة العلماء على إنتاج ترانزستورات كمية دقيقة أصغر من الخلية العصبية، مما يمنح الكمبيوتر قدرة على تطوير الخلايا العصبية إلى شبكات عصبية بقوة الشبكات الموجودة في المخ البشري، وعن طريق الثورة البيوجزيئية، يصبح من الممكن استبدال الشبكات العصبية لدماغنا البشري بأخرى مصنَّعة مما يعطي البشر في الاتجاه النهائي للبحث العلمي شكلا من أشكال الخلود، ويمنح الفرصة أيضا لنسخ الدماغ البشري خلية خليةً. وأعتقد أن هذا هو أقصى ما يطمح إليه العلماء في الوقت الراهن، وما لم يكن يحلم به أبدا الناشرون الإلكترونيون.
وبنظرة مستقبلية يمكن القول إن كل المعلومات المخزنة حاليا في كل كمبيوترات العالم، قد يمكن في يوم ما تخزينها في مكعب مجسم وحيد، عن طريق تداخل شعاعين ليزريين مع بعضهما البعض.
رؤيتان مختلفتان
ومع ذلك فإن ثورة الكمبيوتر تثير رؤيتين مختلفتين تماما بالنسبة للمستقبل: الأولى هي لمستقبل من التفوق والرغد، ولعالم من الاتصالات الفورية والمعرفة غير المحدودة والخدمات التي لا سابق لها والتسلية التي لا حدود لها. والثانية تنحو إلى التشاؤم ومفادها أن أجهزة الكمبيوتر يمكنها أن تساعد على تحقيق عالم مرعب، تتحكم فيه حكومة شمولية بكل نواحي حياتنا، كما أوضح ذلك جورج أورويل في روايته 1984.
الشيخوخة مرضٌ قابل للعلاج
أما عن الثورة الثانية وهي الثورة البيوجزيئية فإنه من المتوقع بحلول عام 2005 تحديد كل أنواع الجينات داخل جسم الإنسان. وفي هذا يقول الرجل المسؤول عن مشروع الجينوم البشري فرانسيس كولنز: "ليس هناك سوى مشروع واحد للجينوم البشري، وسيحدث هذا مرة واحدة في تاريخ البشر، وهذا هو التوقيت الملائم لذلك". ويعتقد العلماء أن مشروع الجينوم البشري هو البداية فقط لعلم جديد تماما، فكما أن مستقبل تكنولوجيا الكمبيوتر يكمن في عملية التصغير عبر الشريحة الدقيقة، فإن العديد من العلماء يشعرون بأن مستقبل سلسلة ال د.ن.أ سيكون في الشريحة البيولوجية وشريحة ال د.ن.أ وذلك عن طريق اتحاد عظيم بين ثورتي الكمبيوتر والبيولوجيا الجزئيية. وإذا كان العلماء يعتقدون أنه بحلول عام 2005 ستفك شفرة ال د.ن.أ البشري تماما، وسيمتلك العلماء خريطة واسعة يحددون عليها موقع جينات أجسامنا، فإنه بحلول عام 2010 من المفترض أن نحصل على قائمة جينية تحتوي على 5 آلاف مرض جيني تقريبا، من بينها السرطان، ومن هنا ينشأ علم الطب الجزيئي الذي سيسهم في إثبات أن الشيخوخة قد تكون مرضا قابلا للعلاج. ومع التوصل إلى جيل جديد من أجهزة وآلات التصوير بالرنين المغناطيسي الفائق السرعة، والذي سيكون أسرع بألف مرة من المتاح حاليا، سيكون بالإمكان أخذ صور بمعدل 30 إطارا في الثانية، وهو المعدل الذي تظهر فيه الصور التلفزيونية على الشاشة، وميزة هذه السرعة أنها تمكن الأطباء من تثبيت صور الجسم غير الواضحة بسبب سوائل الجسم أو حركته، ويمكن أخذ صور دقيقة للترسبات الدهنية في القلب على سبيل المثال، فالترسبات دقيقة جدا والقلب في حالة حركة مستمرة ومملوء بالسائل، ويمكن لهذا بدوره أن يساعد على التحكم في مرض القلب. كما يمكن لهذه الطريقة الجديدة في التصوير أن تساعد على اكتشاف الشرايين المسدودة والأورام الدقيقة للغاية وهكذا، ويبدو أن الحلم القديم في القدرة على التحكم في الحياة ـ تدريجيا ـ سيكون أمرا واقعا من خلال الثورة البيوجزيئية.
لقد بدأت عملية اللعب بجينوم النبات منذ عهد قديم، وسيبدأ التسارع في إنتاج حيوانات مخلطة جينيا بشكل كبير من الآن وحتى عام 2020، وستبدأ عمليات الاستنساخ، التي رغم سهولتها في عالم النباتات، فإنها في عالم الثدييات أعيت العلماء في الماضي، إلى أن قام العالم إيان ويلمت باستنساخ النعجة دوللي عام 1997 بعد حوالي 277 محاولة غير ناجحة، وعلى هذا تعلق مجلة نيوزويك قائلة: "لم يسبق أن حدث شيء رائع يماثله، منذ أن أخذ الله ضلعا من آدم وخلق منه زوجة له".
حتى لو حُرم استنساخ البشر
ويتنبأ عالم الأخلاق البيولوجية آرثر كابلان بأن الإنسان المستنسخ الأول سيظهر خلال 7 سنوات. وحتى لو حُرم استنساخ البشر، فمن المحتمل أن تتطور مع الزمن صناعة استنساخ بشرية في السر. وبطبيعة الحال فإن موضوع الاستنساخ يثير قضايا أخلاقية شائكة، منها أن البعض سيستخدم مزايا الثورة الجينية من أجل دفع أفكارهم الاجتماعية إلى الأمام، لكن على أية حال فإن الاستنساخ لا ينتج سوى نسخة طبق الأصل لكائن ما، أما الهندسة الجينية فتعد بإمكان تغيير الجينوم البشري، وبالتالي الجنس البشري ذاته. ولكن هل سيعطينا هذا القدرة على إنتاج ما فوق البشر أو بشر متفوق في المستقبل؟
ثورة الكم (الكوانتم)
أما عن ثورة الكم أو الكوانتم فمعناها أن الآلات الدقيقة ذات الحجم الذري قد تكون ممكنة في المستقبل، وعلى سبيل المثال فإن بترليونات فوق بترليونات من الأجهزة الجزيئية المتجمعة في موقع ما، وبصورة مشابهة للفيروسات والبكتيريا، من الممكن لها إن تحل ـ مبدئيا على الأقل ـ المشكلات الهندسية والبيولوجية التي لا يمكن معالجتها حاليا. ستمتلك هذه الآلات الذرية الدقيقة القدرة على صنع نسخ منها، بحيث إنها ستتكاثر مثل كائنات حية معيدة تشكيل البيئة حولها. وعلى سبيل المثال استطاع العلماء صنع مليون ليزر على شريحة أصغر من ظفر الإصبع، وبحجم يعادل حجم البكتيريا. وبما أن أشعة الليزر يمكنها أن تتقاطع مع بعضها البعض من دون جهد، فإنه يمكن صنع الكمبيوتر البصري على شكل مكعب، مما يزيد كثيرا من قدرته.
وهكذا تلعب الثورات الثلاث دورا مؤثرا في تغيير شكل الحياة البشرية على كوكب الأرض، والكواكب الأخرى.
أحمد فضل شبلول - الإسكندرية