ظفار تخوض حربا ضد التصحر

الاشجار هي السلاح الاقوى في مواجهة التصحر

صلالة - اولت سلطنة عمان جهودا كبيرة لحماية البيئة العمانية من اخطار التصحر الذي يعد من اكثر المشكلات البيئية تأثيرا في حياة البشر، واحد مظاهر التدهور البيئي.
ومفهوم التصحر العلمي هو تدهور قدرة الانتاج الحيوي للارض بفعل انخفاض في موارد الطبيعة المحلية المتجددة من مياه وتربة وغطاء نباتي، وذلك بسب الانحراف الريحي والمائي او التملح او انخفاض عدد الانواع النباتية وزوال العديد منها او انخفاض انتاجية الارض مما يؤدي في النهاية الى ايجاد ظروف شبه صحراوية نتيجة الاخلال بالتوازن البيئي.
وتعاني الأراضي والسهول والمناطق الجبلية، التي تعتبر من اهم الموارد البيئية في محافظة ظفار، من ظاهرة التصحر في السنوات الاخيرة نتيجة لمشكلات متعددة منها عوامل بشرية وعوامل طبيعية كما تشير اليها بعض الدراسات والأبحاث البيئية السابقة.
ويرجع علماء البيئة اسباب التصحر الى ظاهرتين الاولى هي حدوث نوبات جفافية تدوم ما بين خمس وسبع سنوات، والثانية تدهور التوازن البيئي بواسطة الانسان وحيواناته عن طريق سوء استغلال الموارد الطبيعية المتجددة من مياه وغطاء نباتي.
ومن الحقائق التي أثبتتها الدراسات العلمية ان الانشطة البشرية في كثير من الاحيان تكون مسؤولة عن تدهور خصوبة الاراضي الصالحة للزراعة والرعي وتقليل انتاجيتها باستعمال طرق غير سليمة كاستنزاف المياه والرعي الجائر او تجريف التربة او انتزاع المواد المخصبة لها حيث يعد السماد الطبيعي من العناصر الهامة والاساسية التي تغذي التربة وتمدها بما تحتاج اليها من المواد العضوية اللازمة التي تعمل على زيادة خصوبتها ومضاعفة إنتاجها سواء من الاعلاف او من المحاصيل الزراعية المختلفة.
وتوضح دراسة أعدها مدير دائرة صون الطبيعة والحياة الفطرية بالمديرية العامة للبيئة وموارد المياه بمحافظة ظفار خلال ورشة العمل البيئي في مارس 1995 والتي تناولت "الحياة البرية واثرها
على البيئة العامة" الى انواع التصحر التي تم تحديدها خلا ل مؤتمر نيروبي في 1977 وباشراف من قبل الامم المتحدة.
من هذه الانواع التصحر الطفيف الذي يحدث اذا تعرضت كل من التربة والنباتات الطبيعية لفقر طفيف لا يؤثر على الطاقة البيولوجية والطبيعية البيئية، وبناء عليه كانت محافظة ظفار تقع في هذا النطاق. ولكن مع مرور الوقت تعدت المنطقة مرحلة التصحر المعتدل، وهو النوع الثاني من التصحر، والذي يحدث نتيجة تعرض النباتات الطبيعية لتلف قليل اذا ازدادت عوامل التعرية الهوائية.
وتشير الدراسة الى انه مع مرور الوقت اصبحت محافظة ظفار على مشارف ما يسمى بالتصحر الشديد وهو النوع الثالث من انواع التصحر الذي يحدث نتيجة تدهور النباتات الطبيعية بشكل يقضي على النباتات المستساغة للحيوانات ويبقى على الانواع غير المرغوبة وانخفاض انتاجية التربة بنسبة 50 بالمائة حيث تتعرض الكثير من الاشجار الرعوية والمستساغة للانقراض مثل اشجار السغوت ـ والكليت.
وتناولت الدراسة العوامل الرئيسية التي ساهمت في ظاهرة تصحر المراعي في محافظة ظفار ومن اهمها زيادة اعداد الثروة الحيوانية على طاقة المراعي حيث يوجد بالمحافظة ثلث قطعان الرعي في السلطنة مما ادى الى نقص كبير في انتاجية الأرض يقدر بحوالي 26 مليون وحدة رعوية وترتب على ذلك قيام الحيوانات بالتهام كل ماتجده امامها من نباتات واغصان وشجيرات وتقشير لحاء الاشجار مما يؤدي الى جفافها وموتها.
والعامل الثاني المسبب لهذه الظاهرة هو الاستيطان الدائم لمربي الماشية وانهيار نظام المرعى شبه الترحالي مما ادى الى رعي الحيوانات بشكل دائم في مناطق معينة مما عمل على تصحرها.
اما العامل الثالث فهو اجتثاث المراعي بقطع الاشجار والنباتات لغرض بناء المنازل وحظائر الحيوانات واستخدامها ووقودا للنار، مما خلف مناطق مدمرة تماما. اضافة الى ظهور بعض الحشرات التي تقوم بالقضاء على الأشجار المعمرة خاصة حشرة الرمه (أشدريت) كما يطلق عليها بالمحلية والتي تسببت في حصد مئات الكيلو مترات من المراعي والأشجار.
وتبين الدراسة الاسباب الطبيعية التي ساهمت في ظاهرة التصحر ومنها عملية زحف الصحراء/الرمال حيث تشير الدراسة الى ملاحظة نشاط زحف الرمال على بعض مناطق المراعي في المحافظة، الا ان حركة
الرمال لازالت غير مرئية وكذلك تشير الى اهمية ايجاد الحلول المناسبة لها قبل ان تزداد وتقضي على المساحات الرعوية، اضافة عامل التقلبات المناخية وقلة تساقط الامطار خلال السنوات الاخيرة وزيادة درجات الحرارة قد اثر بشكل سلبي على المنطقة وترتب على ذلك فقدان الكثير من الاشجار وانحسار المراعي والغابات حيث تعتبر الاشجار سبب رئيسي في حجز السحب وتساقط الامطار وتغذية الخزان الجوفي اضافة الى تلطيف الجو وتوفير الاوكسجين، ومن ثم فان انعدامها يؤدي الى زيادة دراجات الحرارة ويساعد على نشاط عملية التبخر مما يؤدي الى استمرار نشاط التصحر وتحول المناطق الغابوية في ظفار من جبال خضراء الى منطقة قاحلة.
وفى اطار الجهود الوطنية للنهوض بالمراعي الطبيعية والتنمية المستديمة للثروة الحيوانية، بدأت الحكومة في تنفيذ برنامج حصر وترقيم الابل بمحافظة ظفار حيث يقدم المشروع قاعدة معلومات سليمة لتكون اساسا للتخطيط لادارة الموارد الرعوية والثروة الحيوانية بمحافظة ظفار بطريقة علمية سليمة تراعي حسن الاستغلال للموارد الطبيعية واستدامتها للأجيال القادمة.
وتستضيف السلطنة في الفترة من 25 الى 27 مارس المقبل ندوة علمية متخصصة حول التصحر ينظمها مكتب وزير الدولة ومحافظ ظفار ووزارة البلديات الاقليمية والبيئة وموارد المياه بالتعاون مع عدد من الجهات الحكومية المختصة.
وتتركز اهداف ندوة التصحر في تحديد الوضع الراهن لهذه الظاهرة في محافظة ظفار والتعرف على الاسباب الكامنة وراء هذه المشكلة والجهود المبذولة لمكافحتها وتقييم تلك الجهود لتحديث خطط وبرامج مكافحة التصحر على مستوى السلطنة ووفق احدث المستجدات العلمية والتقنية وايضا تطوير برامج التوعية وبناء القدرات لدى جميع فئات المجتمع لدعم فعاليات خطة العمل الوطنية لمكافحة التصحر وتعزيز مشاركة السكان المحليين في مشاريع المكافحة.
وسيصاحب اعمال الندوة عدة فعاليات وانشطة توعوية على مستوى جميع مناطق ومحافظات السلطنة. وسوف تتنوع بين حملات التشجير واقامة المعارض البيئية وتنظيم مسابقات الرسم والتصوير بمشاركة جميع
الفئات العمرية الى جانب العروض الفنية التي تعكس مدى وعى افراد المجتمع بالمشكلة وتأكيد مشاركتهم في الجهود الساعية للحد منها وتفادي اثارها.