حرق الساحرات لا يزال يؤنب ضمير اوروبا

التعذيب والقتل كانا عقاب من يخالف المؤسسة الدينية

برلين - لا يزال الأوروبيون يتذكرون ملاحقة السحرة والساحرات، ‏‏والمحاكم التي كانت تعقد لمحاكمتهن وتعذيبهن وحرقهن في العصور الوسطى، بقلوب ‏تعصف غضبا بسبب المعاملة غير الانسانية لهم لا لشيء الا لشعور ممثلي الكنائس من ‏ ‏القساوسة آنذاك بتهديد سلطتهم ونفوذهم الكبير من ذوي الفكر المستنير الذين اتهموا ‏ ‏بالشعوذة.
ولا تزال هذه المشكلة التاريخية تشغل المؤرخين والمفكرين مما حدا بالمتحف ‏ ‏التاريخي الالماني الى معالجة موضوع ملاحقة الساحرات بهدف توضيح خلفيات تلك ‏الظاهرة الغريبة وإلقاء الضوء على ما كن يسمين بالساحرات واسباب ملاحقتهن و‏قتلهن حرقا وذلك عبر اقامة معرض تحت شعار"الساحرات والسحرة". ‏ ‏ ويهدف هذا المعرض الذي بدا في المتحف المذكور في برلين قبل حوالي اسبوعين الى‏ ‏التعمق في الافكار التي واكبت اضطهاد الساحرات وتعذيبهن ومحاولة استشفاف موضوعية‏ ‏ملاحقة الساحرات من دون اجحاف او احكام سابقة للتوقف‏ ‏تماما وبمنتهي الحقيقة على حقيقة المسألة التي لا تزال حية في ذاكرة الزمن ‏ ‏وتتوارث من جيل الى اخر.
وقال الباحث في موضوع الساحرات وولفغانغ بيرنغر على هامش المعرض ان الاعتقاد في السحر والساحرات يعتبر من وجهة نظر علماء ‏ ‏التطور البشري وعبر العصور والثقافات ظاهرة منتشرة بقوة ولا يخلو منها ‏ ‏عصرنا الحديث والتي تتمثل غالبا في الادعاء بمقدرة البعض على تخليص المرضى من‏ ‏عللهم والقدرة على معرفة ما يخبئه القدر مستقبلا للآخرين والقدرة على معرفة ‏ ‏الاسرار الشيطانية واعمال الشياطين الخبيثة او وجود صلات بين البشر والجن.
ونبه بيرنغر الى انه من مدعاة الحزن حاليا التوقف على حصيلة ضحايا ‏‏الشعوذة في العصور الوسطى اذ انه ذهب ضحية المحاكم البدائية وملاحقة الساحرات ‏والبطش بهن في اوروبا خلال 300 سنة الماضية اكثر من 1780 شخصا في المانيا و 60 الف ‏ ‏شخصا في بقية البقاع الاوروبية مشيرا الى ان قادة المحاكم الظالمة آنذاك كانوا من ‏ ‏ممثلي الكنائس الكاثوليكية وليس من الحقوقيين او القضاة المدنيين.
وأوضح بأنه وقع حوالي 25 الف من حالات الشنق والإعدام بالحرق للمتهمين في ‏ ‏الشعوذة في "الامبراطورية الرومانية المقدسة" وحدها مؤكدا ان كل هذه الارقام ‏ ‏تعتبر سببا كافيا لتتبع قضية ملاحقة الساحرات، فهي تعبير عن الأحكام الظالمة التي صدرت عن ‏ ‏الكنائس ضد البشر خلال العصور الوسطى في اوروبا، والتي شملت حوالي تسعة ملايين شخص.
وقال ان عدد الساحرات اللواتي اعدمن في كانتونات سويسرا مثلا في عام 1782 قد ‏‏وصل الى حوالي مائة ساحرة. ‏
والمح الى ان هناك تفسيرات عدة لظاهرة ملاحقة الساحرات عندما قال ان النازيين ‏على سبيل المثال فهموا في القرن العشرين تلك الظاهرة على انها عادة بدافع عرقي ‏ ‏وضربا من اضراب الكفر الجديد، واستخدموها كسلاح ضد الكنيسة.
وحسب الباحث الالماني فقد تجلت ملاحقة الساحرات في الفترة الممتدة من عام 1560 الى عام ‏ ‏1680 مؤكدا ان رجل الدين من الطائفة اليسوعية فريدريك شبي (1591 - 1635) الذي كان ‏ ‏يقف ضد ملاحقة الساحرات كان يفسر ظاهرة قتل الساحرات على انها "نتيجة حتمية ‏ ‏للتعصب الديني وحب السلطة والخوف من فقدان حق الاحتفاظ بالحكم" الذي وصفه بما ‏ ‏يطلق عليه "عدالة الدم".
وحسب بيرنغر حصلت اكثر حالات لملاحقة الساحرات في المناطق الالمانية الجنوبية ‏الغربية مثل ولاية بافاريا الجنوبية الحالية وولاية بادن فورتيمبيرغ الجنوبية ‏ ‏الغربية، منبها الى ان الأفكار الرئيسية التي بزغت في نهاية القرن السادس عشر نحو ‏ ‏الالتزام بإصدار الأحكام بالاستناد الى القوانين المدنية كانت ايضا في بافاريا ‏ ‏الى جانب مناطق اخرى من بينها ترير و لوترينغين واردينين والموزيل وسانكت ‏ ‏ماكسيمين والايفيل.
ويتضمن معرض برلين حول الساحرات، الذي يستمر لغاية نهاية يوليو المقبل، ‏ ‏الحقب التاريخية التي عرفتها ظاهرة قتل الساحرات والطرق التي كانت متبعة في ‏ ‏عمليات الاعدام اضافة الى مجسدات حول الساحرات والصور التي ينعتن بها والتي يظهرن ‏ ‏فيها كاشكال قبيحة او غير اخلاقية فضلا عن صور لمنفذي احكام الإعدام.
ويجد هذا ‏ ‏المعرض النادر اقبالا كبيرا من الالمان وغيرهم من الاوروبيين حيث يكتظ المتحف خلال غالبية ساعات النهار بالزوار.
ويستفاد من موجودات المعرض ان 25 بالمائة من الساحرات هم من الذكور أي الرجال، ‏وذلك خلافا لما كان دارجا وهو ان مفهوم السحر كان قصرا على النساء.
كما يظهر ان ‏ ‏80 الى 90 بالمائة ممن اعدموا في القرون الوسطى بتهمة السحر في كل من السويد ‏ ‏والنرويج وانجلترا وهولندا كانوا من النساء.
وعجز ممثلو الكنائس خلال محاكمة المتهمين بالسحر في القرون الوسطى عن تقديم ‏ ‏البراهين والادلة الدامغة وما كان على الرعايا الا ان يشجعوا ملاحقة الساحرات ‏ ‏والساحرين والا خضعوا لعقوبات شديدة الامر الذي يفسر التمادي في ملاحقة الساحرات.
والطابع الرئيسي الذي يدمغ معرض الساحرات هو الظلام المطبق والممرات الضيقة ‏ ‏ولو وجدت هناك بين الحين والآخر علامات ضوء خافتة في بعض الأركان التي تغطي مساحة ‏ ‏المعرض الواسعة اضافة الى سماع اصوات وتمتمات غريبة.
وتحفل ارجاء المعرض بصور لخبرات تاريخية قاتلة مثل تجسيد لمرض الكوليرا ‏ ‏والطاعون وصور لحشرات وحيوانات مؤذية من بينها الفئران وادوات التعذيب.
ويقول الباحث الالماني ان الساحرة "ليست الا ارادة وتصور وخيال" وبقيت في ‏ ‏ذاكرتنا صورة تنقب وتقلم اظافرها باسنانها وترتدي ثيابا غريبة غير مألوفة ويكسو ‏ ‏راسها شعر مجعد غير مرتب وتخطو بخطوات هوجاء ولها اسنان كبيرة وشكل مرعب غير ‏ ‏حسناء وتتكىء على عصى من نوع خاص مضيفا "ان كل ذلك هو ما ينسجه خيالنا لعالم غير ‏ ‏موجود هو عالم الساحرة او عالم يختلف حوله رأي المؤرخين".
ونسب الى المؤرخ اللوكسيمبورغي ماري - باول يونغبلوت قوله بان الصورة التي ‏ ‏تعلق في اذهاننا بخصوص ما كان رجال الدين يطلقه على المفكرات وصاحبات التجديد ‏ ‏والتطور في العصور الوسطى هي صورة فعلية من حيث المظهر اذ ان تلك الصورة قد تكونت ‏ ‏بسبب التعذيب والعزلة التي كانت تفرض عليهن في غياهب السجون المظلمة. (كونا)