التقنية الرقمية: شعار القراءة للجميع يشعل حربا

أشعلت التقنية الرقمية المعركة بين الناشرين وأمناء المكتبات العامة والخاصة حيث تحاول المكتبات الاستفادة من الإمكانيات المتطورة في التكنولوجيا الرقمية لتعميم الخدمات المجانية على شبكة الإنترنت بهدف تزويد المستهلكين بالمعلومات ومحتويات الكتب عن بعد بما يسمح بنسخ وتداول الكتب بحرية كاملة في حين يخشى الناشرون أن يتسبب التداول المجاني للكتب الرقمية في خسائر كبيرة لتأثيرها المباشر على مبيعات الكتب وانتهاك حقوق الملكية الفكرية.
ويسعى المكتبيون إلى تقليل المدة الزمنية الخاصة بحماية النسخ والتداول للكتب الرقمية والمؤلفات الأدبية عن طريق عقد اتفاق يشمل مدة قصيرة لحفظ حقوق الملكية الفكرية الخاصة بالكتب الرقمية بما يسمح بعد ذلك بتزويد المستهلكين بكافة الكتب في صورة ملفات رقمية مجانية عن بعد بمواقعهم على شبكة الإنترنت.
وقد استعد أمناء المكتبات لمحاربة التشريع القانوني الذي يمنع نسخ وتداول الكتب الرقمية من خلال البنود القانونية التي تجيز نشر المعرفة والعلم بالإضافة إلى امتلاكهم لمجموعة تسويقية من الكتب الرقمية تمثل أسلحة ضغط على الناشرين في شكواهم ودعواهم أمام المحاكم المختصة.
وتعد المكتبات العامة واحدة من الأماكن القليلة التي تزود المستهلكين بالكتب الرقمية حيث يوجد على شبكة الإنترنت حوالي 7300 موقع لمكتبات عامة بما فيها مكتبة نيويورك العامة التي تزود زبائن دائمين عن بعد بآلاف الكتب الرقمية ومحتويات المجلدات والعديد من النصوص لمدة 24 ساعة يوميا بكافة اللغات بما فيها الصينية والروسية.
ويؤكد ميريام نيسبيت مسؤول بالمجلس التشريعي للجمعية الأمريكية للمكتبات العامة على أهمية التقنية الرقمية التي رفعت شعار القراءة للجميع لقدرتها على توفير الكتب في متناول الجميع بسهولة وسرعة عالية مما قللت من مخاوف انتشار الجهل الذي يعيق أي تطور.
ويضيف نيسبيت "أن الناشرين الكبار يسعون لغلق أي منفذ لعرض الكتب إلكترونيا نفس الحال مع الناشرين التجاريين الذين يرفضون التعاون وإعارة الكتب إلكترونيا بينما الناشرين الصغار بطبعاتهم الشعبية يسمحون بإعارة الكتب إلكترونيا وحرية تداولها".
ويعتقد لورنس كيرشبوم رئيس قسم كتب تايم وارنر- أي أو إل أن الخطأ الكبير يتمثل في نسخ الكتب الرقمية وحرية تداولها بدون حدود أو شرط من خلال المواقع على شبكة الإنترنت.
وأرجع كيرشبوم سبب التوتر الحالي بين الناشرين والمكتبات إلى رغبة المؤلفين في مساعدة الناشرين لبيع كتبهم إلكترونيا إلى المستهلكين بدلا من تقديم خدماتهم إلى المكتبات خاصة وأن المستهلكين يتجهون حاليا للكتب الرقمية بدلا من المطبوعة مما يزيد من مخاوف الناشرين بتأثير ذلك على معدل البيع والتوزيع.
في حين يرى مارج جامون مدير علاقات الناشرين والتسويق في المكتبات الإلكترونية أن المؤلفين يرغبون في بيع كتبهم إلكترونياً ويسعون إلى تحويل اهتمام الناشرين إلى مساعدة المكتبيين وتزويدهم بالكتب نظير إيجار سنوي.
بينما يحاول الناشرون الوصول إلى وسيلة تحجب كل الكتب الرقمية عن الزبائن خاصة المجلدات التي يتم نسخها من على شبكة الإنترنت وتكبدهم خسائر كبيرة حيث تسمح التكنولوجيا لكل شخص بتداول الكتب والمجلدات في ملفات إلكترونية ونسخها بسهولة مما يؤثر على حجم المبيعات.
ويضيف جامون "أن بعض المكتبات توسعت خلال العام الماضي في تزويد المستهلكين بمجموعات من الكتب حديثة النشر بمواقعها على شبكة الإنترنت وتسعى هذا العام بتوزيع مجموعة كبيرة من الكتب الرقمية التي حصلت على حق نشرها إلكترونيا نظير دفع أجر سنوي للناشرين."
من ناحية أخرى أثار الناشر المتمرد روزتابوكس في اجتماع الجمعية الأمريكية للمكتبات العامة الذي عقد الأسبوع الماضي المزيد من التوتر بين الناشرين والمكتبيين حيث أعطت رزوتابوكس للمكتبات العامة فرصة لتزويد زبائنهم بدون حد أقصى بمائة كتاب من أمهات الكتب الكلاسيكية لمؤلفين كبار من القرن العشرين مثل كورت فونيجوت و وليام ستيرون وغيرهم بأجر سنوي يتراوح من 200 إلى 1000 دولار.
واعتمدت روزتابوكس في عقدها مع المكتبات العامة على ملكيتها لحقوق نشر ونسخ الكتب إلكترونيا بناء على اتفاقها مع المؤلفين بغرض تغطية تكاليفها في حين اتهم ناشرين نفس الكتب روزتابوكس بانتهاكها حقوق الملكية الفكرية من خلال إطالة عمر نشر هذه الكتب إلكترونيا والسماح للمستهلكين بنسخ هذه الكتب من على شبكة الإنترنت بما يؤثر على مبيعاتهم.
وقد تطور الأمر حيث أعلن الناشر جرويندس هويس بأنه سيقاضي روزتابوكس بسبب هذه الانتهاكات بدعم من مجموعة الناشرين التجاريين في حين يطالب روزتابوكس المكتبيين بالتحيز له والوقوف بجانبه .
ويعتقد فريدريك دبليو وينجارتين مدير سياسة تقنية المعلومات في الجمعية الأمريكية للمكتبات العامة أن المكتبات ستستغل هذه الفرصة خاصة وأنهم لا يهتمون بحقوق الناشرين في زيادة مبيعاتهم من الكتب الرقمية وجذب أكبر عدد من المستهلكين.
ويرى كاي كاسيل مدير برامج وخدمات في مكتبة نيويورك العامة أن شركة روزتابوكس من أحد الناشرين الأفضل التي تستخدم اللغة الإنجليزية وتقوم بعرض مماثل لمحتويات الكتب باللغات الأخرى , حتى التي تعرض تحت إيجار سنوي.
كما أن المكتبات العامة ستصبح من أوائل الناشرين لو تمكنت من الحصول على الكتب الإلكترونية في كل وقت دون محاربة من الناشرين التجاريين.
الجدير بالذكر أن مواقع المكتبات على شبكة الإنترنت تعاقدت مع المكتبات الإلكترونية الكبرى مثل مشروع جيتينبيرج وجامعة فيرجينيا الإلكترونية في وسط ولاية تكساس الأمريكية بغرض تزويد المستهلكين حول العالم بمحتويات الكتب الرقمية نظير تحمل المكتبات أجر سنوي مع الالتزام بفترة صغيرة من حماية حقوق الملكية الفكرية.
وقد بدأت شركة "ابراري" التوسع في خدماتها على شبكة الإنترنت بهدف زيادة العرض الرقمي من الكتب والمجلدات بما يسمح للمستهلكين بتصفح الملفات الرقمية وشرائها من موقعها على الشبكة.
وهذا العام تعاقدت ابراري مع خمسين مكتبة لتكوين قاعدة بيانات كبيرة عن الكتب الرقمية يتم عرضها للمستهلكين لتحقيق مزيد من بيع وتوزيع الكتب إلكترونيا.
يذكر أن مركز تكساس من أكبر المكتبات الإلكترونية حيث يزورها يوميا أكثر من 30 ألف زائر كما يضم 100 ألف من نصوص الكتب الرقمية التي يسمح للزائرين بتداولها ونسخها دون قيد أو شرط حتى أصبحت السبيل الوحيد لتزويد المهاجرين بالمعلومات وتعليمهم لغة النصوص.
ويرى جاري سترونج مدير مكتبة الملكة العامة في نيويورك أن المكتبات العامة أصبحت منارة للأجانب بكافة الجنسيات لتزويدهم بالكتب الرقمية فعلى سبيل المثال تقوم المكتبة بتزويد الصينيين بالمعلومات والكتب الرقمية بلا حدود لأكثر من 3500 كتاب يوميا واكثر من 400 صيني يتحدثون ويستخدمون الخدمات كل شهر وعدد كبير يقرءون النصوص بوضوح تام.