قمة الجبل السردي العائم في 'هروب الزعيم'

خالد جودة أحمد
عدد من السمات

* الافتتاحية القصيرة بين الأدب والتاريخ والاجتماع:

صاغت الروائية السعودية نبيلة محجوب مقدمة لروايتها المعنونة "هروب الزعيم"، وقد أثارت انتباهي حول كون الرواية ليست تأريخًا أو واقعًا، بالتالي الروائية نفسها أصدرت حكم قيمة أو قيمي علي روايتها، ومارست دور الناقد في هذا الشأن، فلا شك أن ربط الرواية بالتاريخ موقفا نقديا تقليديا لم يزل رائجا لدي نقاد الرواية المؤيدين للتأثير الاجتماعي في الأدب، باعتبار الرواية وثيقة اجتماعية ونفسية وتاريخية، وشاهده على العصر، ولكن الرأي الآخر يرى النص الأدبي في الأساس وثيقة فنية.

والسؤال هنا هل الرواية بين أيدينا قادرة حقا على الخروج من جلد التاريخ، فالرواية مرتبطة عضويًا بالتاريخ والمجتمع السعودى خاصة، لكن سلوكها في كتابة التاريخ والمجتمع كان بشكل أصدق، بالتالي الرواية لا تنتمي حقيقة للواقع برؤية المذهب الطبيعي القائم على نقل الواقع القائم نقلا فوتوغرافيًا، لكنها تقدم الواقع كتشريح فني ورؤية فكرية لهذا الواقع، فالرواية نص من نصوص ثرية في دراسات علم الاجتماع الأدبي، فهناك تمازج بين التاريخ والإنسانيات والاجتماع في رحاب هذه الكتابة، فهناك تحليل فني للأحداث الاجتماعية والتاريخية.

• الأثر التشكيلي للرواية ومفتاحها الفني:

أمر لافت للنظر أن الرواية تشكل لوحات متداخلة، ومتتابعة عبر فواصل روائية تكتنفها موجات سردية ترددية، لكن الجديد الذي أثار انتباهي فعلا أن الرواية في الرواية بدأت بالغلاف الأمامي حيث يمثل ضوء الشمس قبل هروبه، ثم بدأت اللحظة السردية التالية لها بأول كلمات "استباح الظلام مخبئي فجأة، لم يترك نقطة ضوء" ص 7، وتنتهي الرواية أيضا بنهاية مفتوحة وبالضوء المباغت وكأنه عاد من رحلته، كما اختفى فجأة عاد ليباغت فجأة، وكأنها لوحة تشكيلية واحدة، وهذا يؤكد الدخول مباشرة للحدث الروائي.

وبالبحث عن مفتاح الراوية الفني، نجده يكمن في شرح أصل الغربة والحكاية والبوح والاعتراف، ولذلك هي رواية مفسرة للواقع وشارحة له فنيًا تبحث عن جذور القضايا وأسرار احتقان المجتمعات العربية عامة.

• تقنيات السرد الروائي بين الجذور والنتائج:

نجد في الرواية التناوب بين ضمير المتكلم (السارد المشارك في الأحداث الصانع لها)، وضمير الغائب (السارد العليم بكل شيء)، لتشكل شبكة السرد، فالرواية يمكن تصنيفها كقصة النتيجة تبدأ بالمشهد الختامي أو النتيجة مستخدمة تقنية الاسترجاع الترددية بداية بمشهد الضوء الهارب ونهاية بالضوء المباغت عبر فواصل روائية كما يلي:

المشهد الافتتاحي الملخص: من ص7 إلى ص 9 (عدد 3 صفحات) وهي النتيجة التي تمثل في الوقت نفسه التمهيد، بوصف مشهد الكهف الختامي للهارب وهو قابع كتمثال فرعوني في الكهف مستخدمة الأثر التشكيلي كمفتاح في الرواية "قررت أن أقتل وحدتي بكتابة قصتي، لأقرأها لنفسي لا لتقرأوا أوراقي"، والمفتاح هنا نزع الأقنعة والكشف التام عن أعماق الشخصية واستبطان ملامحها الداخلية وفك طلاسم الخطوط الأولى، والانتقال كان عبر ضمائر الحكي علي النحو التالى:

من ص 10 إلى ص 26 (16 صفحة): حكاية الجد "رباح الرقعة" وبيئته وما يكتنفها من أساطير وتراث شعبي وتتابع الأحداث بترتيبها الزمني بميلاد "نوح رباح الرقعة" (الأب)، ثم هجرته وانفصاله عن قريته (سهرود) وذهابه للوادي (الدنيا الجديدة) ومشهد الوداع، وقصة نوح مع الراعي والنبوءة، والوكيل "عون" يسوق الصبية نحو مصائرهم في الوادي وانتقاله إلي تاجر الأقمشة "صالح درويش"، وهو هنا ليس راويا مشاركا في الأحداث وفقط أو جزءا مستقبليا منها بحيث يعبر عن اعترافاته وينزع عن حياته الأقنعة، بل هو الراوي المشرف على مجتمع قصته من أعلى ويقدم شهادته من موقع السارد العليم بكل شيء عن مجتمعه ومستقبل ومصائر الشخصيات القصصية، ويكفي أن نشير لما ورد ص 18 "لم يخطر بباله الساذج المسكون بالحكايات والأساطير أنه يلقي بجذر ينبت شجرة قوية ممتدة الفروع" فهو هنا كسارد عليم يفصح عن بعض ملامح المستقبل الذي يدريه جيدا، فهو يحكي عن جده ووالده في مقتبل حياته لا لأنه شاركه حياته بل باعتباره السارد العليم بكل شيء، وهذا السارد ليس علمه محدودا بكونه مشاركا في الأحداث، بالتالى هو شاهدا على المجتمع وتحولاته.

من ص 27 إلى ص 46 (19 صفحة): فاصل وارتداد مرة أخري لمشهد الكهف وتداعي الخواطر واستدعاء لذكريات السارد المشارك الابن "صفوان" الزعيم الهارب حول التنظيم وقصة مهندس "زاهد"، والقروي "سعد"، والطبيب المساعد، والأم، ومحاولة الإقناع بالعودة للوطن وثمار الغربة في حياته ورؤيته لأبيه وأخيه "هلال" وجميع هذه العناصر مترددة ومتداخلة وغير ملتزمة بالترتيب الزمني في رواية حداثية.

من ص 47 إلى ص 115 (89 صفحة): مفصل روائي جديد بالعودة لحدوتة أو حكاية الأب "نوح" مع الإطلالة علي مجتمع الفطرة وصفاء القلوب قبل التغيير المجتمعي الخطير بتفجر النفط، ولها شواهد كثيرة مثل الحلم أن يكون من الزمازمة ووصف الأساطير مثل الدجيرة (النداهة)، وأمانة مستودع الأقمشة وقصة زواجه من بني الشيخ صالح، والحلم عن العصافير وبداية الانقلاب المجتمعي وتأسيس الدولة، ومشهد السيل والعثرات التي تعرض لها الأب نوح قبل أن يثري وسلوكه بعد الثراء، واللقاء مع الماضي باللقاء مع "عون" الذي أتي به من الوادي، ومعرفة وفاة والديه، وهكذا مضت الأحداث متتابعة ومشاهد تحتوي عشرات التفاصيل الدقيقة بما يدخل القارئ تمامًا في غمار الرواية.

من ص 117 إلى ص 131 (14 صفحة): تتابع الحدوتة بالعودة لمشهد لقاء الأب بعون ثم الثراء العريض والإغراق في التمتع بالزوجات والجواري، وموقف "أم الخير" زوجته القديمة وتأسيس مملكة نوح الرقعة بأملاكه وأولاده الكثيرين.

من ص 131 إلى ص 137 (6 صفحات): وصف نفسي وتأسيس جذور غربته وصراعه الداخلي وأحواله مع أسرته وأخوته وأبيه وضعفه وصولا لمشهد الحرب عليه وعلي أتباعه.

من ص 138 إلى ص 144 (6 صفحات): مشهد موت الأب والوصية وتوزيع الثروة.

من ص 145 إلى 150 (5 صفحات): قصة سليم والنظام الحاكم.

من ص 151 إلى ص 172 (21 صفحة): من هنا يدخل بصفة مباشرة "ضمير المتكلم" ليتابع الأحداث بالانتقال في ضربات سريعة جدا سارعت من نبض النص الروائي بتقديم المقدمات والنتائج وشرح الوسائل وأخطاء الفهم كما نشير حالا.

ص 172 إلى ص 183 (8 صفحات): تمثل الحدث النفسي بالانتقال إلى النتيجة أو المشهد النهائي في الكهف والانتقال منه نحو لقاء "أبو مصعب" والنهاية المفتوحة بالضوء المباغت.

وبتحليل هذه المقاطع ذات الفواصل السردية نجد أن جولة الضمائر في هذا العالم السردي شكلت المقدمات وما نجم عنها من نتائج:

* ضمير المتكلم (الاعتراف والسارد المشارك):

شكل حوالي 51 صفحة أي حوالي 28% من الرواية، وتلك تمثل النتائج أو تداعيات المواقف، فالنتائج أو البيئة الداخلية النفسية والسلوكية بحديث النفس للنفس فيما يعرف بالمناجاة "المنولوج الداخلي"، بمعنى حديث النفس ونجواها واعتراف الذات للذات، وهي لغة حميمية تمثل الصدق والاعتراف والبوح وهي من تقنيات السرد العالية.

أما ضمير الغائب (السارد العليم بكل شيء): فشكل حوالي 132 صفحة مثلت نسبة 72% من الرواية شارحا الأسباب الخلفية الاجتماعية والجذور الثقافية والتاريخية للشخصية الروائية، أي البيئة الخارجية للشخصية الروائية، لذلك كان الضمير هنا والسارد العليم هو الأنسب للشهادة وشرح أجزاء البيئة تلك والشاملة لعشرات الجزيئات، وتتناول حدوتة الجد والأب والمجتمع، وتقدم خريطة هائلة لتفاصيل شديدة الثراء حول تلك الجذور المتشعبة، وأعتقد أن هذا هو الهاجس الأصيل وراء إبداع هذه الرواية، فالراوي هنا ليس راويا يقدم شهادته وفقط واعترافاته وإزالة الأقنعة عنه، لكنه الراوي المشرف على مجتمع قصته من أعلى.

بالتالي نجد الاهتمام الأكبر منصبا على الجذور أكثر من الاهتمام بالجذع، أي بالبحث عن أصل الجبل، الذي تبدو قمته العائمة، لذلك هي رواية تشخيصية شارحة ومفسرة بالفن للحال المجتمعي بخصوصياته، وإن لم يتناف أبدا مع الخط الواضح والمشترك مع عموميات المجتمعات العربية جميعها، لذلك لم تكن فعلا رواية تاريخية إنما كانت رواية مفسرة وشارحة بالفن للواقع.

• لافتة النص الروائي (العبارات الملخصة):

ومن خلال استخدام هذين النسقين، وتلك التقنية المركبة من الساردين بين الجذور العميقة، والنتائج الظاهرة المعلومة التي تمثل قمة الجبل السردي العائم، بين الخلفية الثقافية والاجتماعية وما تنعكس به على النواحي الداخلية، نجد استخداما ذكيا لتقنية لافتات العمل الأدبي، أو العبارات الملخصة وهي أشبه بأدلة الطريق، وتلقي مفاتيح العمل والأفكار كاملة بين يد القراء، ويصعب حصرها لكن نجتزئ منها بعبارة واحدة تلخص قمة الجبل العائم:

"القلق وانتظار المجهول حولاني إلي كتلة من الهواجس والأفكار ليتني أموت هذه اللحظة لأرتاح من كل هذا الذي جلبه علي نفسي وأهلي وبلدي وبلاد المسلمين" ص 30.

• خيوط النسيج الروائي:

إذا كان الناقد يحتاج إلي ثلاث قراءات، فالقارئ هنا يحتاجها كذلك إذ يجب على أقل تقدير مطالعتها بيقظة كاملة للخيوط التي تنثرها الروائية ثم تقوم بجمعها ثانية، بمعنى أنه نجد أن الروائية تنسج نسيجها الروائي في عناية بالغة، فتلقي ببعض الخيوط والثيمات في بدية العمل الروائي وأثنائه، ثم تقوم بجمعها بعناية فائقة، لتؤدي معني الإطار العام من الجذور والنتائج ويصعب أيضا حصرها ونجتزئ منها بما يلي:

ثيمة فقد حنان الأمومة وهي من مظاهر الذات المقهورة وتشترك فيها الأجيال بين الجد "رباح" الذي تخرج مواليده من رحم أمهم إلى رحم الأرض (ص 24)، والأب "نوح الرقعة" الذي فقد والديه وهو في الأرض البعيدة والابن "صفوان نوح"، فكنز الحب هو الأمومة، ونجد مفردة الرحم تكررت كثيرا، ومنها رحم الأم ورحم الأرض ورحم القرية الفقيرة، التي تدحرج منها نوح كصخرة إلى الدنيا الجديدة، والرحم التي تضم رفات نوح بعد وفاته "أرض تلفظ مياه الأمطار الغزيرة التي تهطل عليهم قبل أن تتجمع كرحم يلفظ الحياة"، الأمومة منبع الرحمة مثل قصة السيدة هاجر (عليها السلام) ص 19.

تيمة الصخرة والارتباط الأرض "الوطن"، ففي سياق الحديث عن بداية الاغتراب في عبارة ملخصة، كصخرة اقتلعت وتدحرجت من جرف إلى جرف المجهول، من رحم قرية فقيرة إلى البيئة الزراعية، فالأولاد كالنبات والشباب كالأشجار، وهناك من هم كأشجار الخريف جافة مصفرة، وهذا يتماشي مع القول المشهور في السعودية بكون الأولاد بذور.

• التناص:

قيل كما هو من المعلوم بأن العمل الأدبي هو عبارة عن فسيفساء ضخمة من مئات وآلاف النصوص والشواهد السابقة، وليس هذا عيبا بل دليل على ثقافة الأديب وغناء لغته وثروته الفكرية والثقافية، بل أيضا تدل دلالة واحدة على توحد العمل الأدبي بين الأثر والتأثر أي مصادر التلقي ثم قدرة النص على إثارة فكر القراء واسترجاعهم العكسي، والتناص يدل على الشمول الثقافي أي تحقيق العمق والأصالة الفكرية أيضا، ونجد أن مصادر الأثر والتأثير متعددة منها القاموس اللغوي المستخدم والمستمد من البيئة المحلية عن الأطعمة والأشربة والمعاش جميعه، مثل: "عصيد جاف والغترة والفلينة وكيس الدوت والحنبل واللو واللبنية والهريسة والطحينية والمطبقيات التوتواء" ص 16.

وهذا القاموس الشعبي والذي ينبئ عن خصوصية عن البيئة الشعبية مثل "أصبحنا وأصبح الملك لله، يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم" ص25، والأمثلة الشعبية والعربية مثل "بيتهم لا تزوره الفئران" ص 16، والقاموس الشعبي منه أيضا "المخاوي"، وكذلك أمثال شعبية وحكم من التراث الشعبي "زمن غدار يحط العالي ويرفع الواطي"، "المال يمحو أخطاء الماضي" ص 42، "فسرت الماء بالماء" ص 43.

ونجد خصائص تلك البيئة تشبه خصائص البيئة الريفية في مصر مثل العفاريت والنداهة، بل استخدمت الروائية في مزج بين التراث الشعبي والمعاصرة ألفاظ حداثية مثل لفظة "المتشظي" 7، بالإضافة إلى شواهد القرآن الكريم، فهناك تناص كبير مع نصوص القرآن الكريم "اشتدت الريح في يوم عاصف" ص 9، تناص مع رحلة الخروج في قصة سيدنا يوسف عليه السلام .. وهكذا.

• مستويات الحوار في النص الروائي:

تعمد الروائية إلى مستويين من الحوار، فهناك تقاطع بين لغة السارد الفصحى، واللهجة السعودية المحلية، وتثير بذلك قضية أدبية طال فيها الجدل، فمستوى اللغة العامية المحلية يعود إلى تأكيد الخصوصية وتأكيد الخلفية الثقافية، والدليل أن الجزء الوحيد من الحوارات الدائرة باللغة الفصحى حوار مهندس زاهد مع رفاقه من قادة التنظيم باللغة الفصحى، وذلك لقناعتهم بوجوب الحديث باللغة العربية.

من ناحية أخرى نجد أن الحوار باللهجة السعودية لم يستغرق سوى قسم بسيط من مساحة الرواية، وتلك علامة إيجابية إذ أن الإكثار من الحوار يدل على رغبة الكاتب في التخلص من موقف صعب في التحليل والوصف والكشف.

• المناقشة الفكرية أو الموضوعية لطرح الرواية: أزمة الفهم بين المقدمات الصحيحة والنتائج الخاطئة:

لا شك أن قسما من الرواية يدور في إطار فكري منسوج بأنامل الفن الساحر، فنبض السرد تزايدت سرعته بدرجة كبيرة في خاتمة الرواية في تقرير سردي أخير معبأ بالدلالات التاريخية والاجتماعية والآراء الفكرية، فكان لا بد لنا من تقديم رؤية وإضافة تلك العناصر لوضعها تحت المجهر، ويمكن تلخيصها في عبارة "أزمة الفهم بين المقدمات الصحيحة والنتائج الخاطئة"، وبالطبع يحتاج الأمر لتناول مفهوم الإرهاب وموقف الشرع الإسلامي منه، لكن ذلك يحول الدراسة إلي بحث فكري واستقصاء اجتماعي يخرج عن دائرة القراءة القائمة، لكن نكتفي بتقديم العناصر الأولية لرؤية نرى أنها تفسير للأحداث الجسام.

فهناك شواهد عن أسرار التحول وانحراف الأفهام والإغراق في التشدد والعنف في مجتمعاتنا العربية (النتائج أو قمة الجبل العائم)، تلك نتائج كان السبب فيها القهر السياسي، والقهر الاجتماعي (الجذور أو باقى الجبل المختفى تحت الماء)، ونبدأ بجانب القهر الاجتماعي بتقديم جذور النشأة والبيئة الاجتماعية، من خلال تقديم الثالوث الشهير الفقر والجهل والمرض "الأعداء الثلاثة"، فالبيئة المحلية مغرقة في الفقر والجهل والمرض (ص 11)، فقد بدأت الرواية مباشرة بتقديم هذا الواقع الذي أثمر العنت والثأر والأساطير والخرافات ... إلخ.

الروائية قدمت شرحها وألمحت في عبارتها (الشباب التائه في غفلة من الجميع) ص 30، بأن الشباب الإرهابي هم نتاج طبيعي لهذا القهر، أما القهر السياسي فنرصده من خلال الملمح التعبيرى بتوضيح الفارق بين رحمة السماء التي تلقي نتفا من الثلج، وقسوة المتجبرين من أعداء الأمة الإسلامية، والروائية نفسها رصدت المشهد الأخير لانتهازية أعدائنا "تدثرت السماء بأغطية كثيفة من السحب السوداء بلون الضغينة المتراكمة في صدور الأعداء، والتي ألقت علي دولة بأكملها مختلف صنوف القنابل والمتفجرات" ص 8، رصد هذا يعد فعلا مقدمة صحيحة لمن يقوم بالتغيير أو المقاومة، لكن الوسائل غير سليمة بالمرة في استخدام العنف.

الفهم الخاطئ يعد أمرا متحققًا في مجتمعاتنا فعلا، وأسباب تشكل وجوب التغيير بالعمل والإنتاج والتبشير بالأمل، ولكن ليس بهذا الأسلوب العنيف الذي أثمرته الظروف والقهر بشتى أنواعه وعبر عن خطأ الفهم زاهد بقوله الذي عبر عن الابتعاد عن الهدف الأساسي وهو القضاء علي الاستعمار الغربي لبلاد المسلمين بكل صوره الفكرية والثقافية والاقتصادية "ألا يقتلون الفلسطينيين كل لحظة، ألم تشاهد تدمير البيوت في حيفا ويافا وجنين علي رؤوس النساء والأطفال والمرضي؟" ص 34، ومما يؤيد وجهة نظرنا، ويدعمها هذه الكلمات للروائية والمنشورة في مقال صحافي: "ما يحدث في الوطن العربي لا يسّر، ما يحدث في العراق وشلاّلات الدم المتدفقة على كل بقعة من أرض الرافدين، فلسطين؛ وإسرائيل العفن الساكن في الجرح المفتوح في قلب الوطن العربي، وجراح الاقتتال بين فتح وحماس، السودان وقضية دارفور والسلام المفقود، الصومال، ولبنان، وأوطان أخرى تعاني من فقر وإرهاب وبطالة وفساد!".

الفهم الخاطئ يعطي ذرائع قوية لأعداء الإسلام مثل قتل الأبرياء، فالوسائل خاطئة تماما وهي ثمرة الطغيان الآثم "أري أنها مغامرة ربما تأتي بنتائج عكسية" ص 34، فهم مغلوط آخر قدمته الروائية بشأن الزواج فالزواج ليس لاجتناء المتع بل لاستقرار الأسرة والمجتمع وليس فقط للولوغ في المتع، ص 36.

• اللمسة الشاعرية:

وعلى مستوى اللغة أيضا نجد تلك اللمسة الشاعرية، مثلا تعبير "الليالي المخمورة بالظلمة" ص15، مشهد الوداع مشهد شاعري جميل وهو مشهد صعب أن ينسي "سقطت دمعة كبيرة علي وجهه فألتقمها بلسانه وتعرف لطعم الدموع لأول مرة". ص 20

• خاتمة:

تجمع هذه الرواية بين عدد من السمات منها: المزاوجة بين الحدث الخارجي والمنولوج الداخلي لشخصية الحدث القصصي، وسرد التفاصيل بما يعطي حيوية لاستبطان الشخصية، فيشعر القارئ أنه في قلب الأحداث، الانتقال السلس بين الحوار والمنولوج الداخلي، التصوير الحي المتفاعل للمشاعر المتنامية، تصوير الصراع الداخلي وانتقاء عبارات موحية وشاعرية، المزاوحة بين العقلانية والعاطفية في صراع درامي، من خلال موجات سردية ذات فواصل تقف وراءها خريطة فكرية ترصد جذور المشكلات وتفسرها طبقا لتصفية وقائع المجتمع والتاريخ فنيا، مع مراعاة ثقافة المتلقي وتراثه ونسق المجتمع القيمي والأخلاقي.