4 سينمات قومية تواكب الحداثة السينمائية

السينما الحداثية تتسم بشكل من أشكال الشفافية الارتداية

يعتبر مؤلف كتاب "السينما والحداثة" أن الحداثيين الجدد هم كل المبتكرين ومحطمي التقاليد الراسخة الذين حققوا مكانة خاصة في القرن العشرين عن طريق دمج السرور بالتدمير، والقلق بالسحر في ميزان متعادل، وحيث نجح هؤلاء، وفقا لمؤلف الكتاب جون أور، في إنتاج سينما تجمع بين الفنون الغنائية والغموض والإثارة والتحدي والدهشة، فالحداثة الجديدة نشأت في الأصل ارتباطا ببدايات السينما القومية لأوروبا الغربية والولايات المتحدة الأميركية، وحيث ارتبطت الحداثة الغربية بالرأسمالية في العالم العربي، وفي هذه البيئة العملية التي يغلب عليها التفكير العقلاني، نشأت بدايات الحداثة في السينما، وذلك من خلال محاولات سينمائية كسرت التقاليد التي كانت راسخة في الماضي.

• سينما القوميات

وعلى الرغم من أن المؤلف يؤكد على وجود ما يعتبرها أربع سينمات قومية، ويقصد بها السينما الروسية والسينما الإيطالية والسينما الألمانية، بالإضافة إلى السينما الأميركية، فإنه يذهب إلى اعتبار أن السينما الأميركية صارت تمتلك الحركة الدائمة التي لا تتوقف عن الابتكار والإبداع في قوالب حداثية مستمرة.

كما أن السينما الأميركية الحداثية ازدهرت أسرع في البيئة الثقافية والفنية الخاصة بما يمكن تسميته ببوتقة صهر البشر على أراضي الولايات المتحدة الأميركية، ووفقا للأفكار الأميركية، وذلك لأن الولايات المتحدة تفتقد الإحساس العميق بالنفس، على اعتبار أن ما أطلق عليه فيما بعد اسم (الأمة الأميركية)، هي أمة نشأت حديثا من خليط من البشر ومن الثقافات، وهو خليط افتقد دائما إلى الإحساس بأن هناك جذورا تشده إلى الأرض التي يعيش عليها.

وانطلاقا من هذا فإن الكتاب يصف قلعة صناعة السينما في أميركيا، وهي هوليود، بأنها الطاقة المركزية التي يمكن وصفها بأنها قاطرة السينما الحداثية حول العالم، بينما ظلت صناعة السينما في بلدان مثل إيطاليا وألمانيا وروسيا، سينما ثورية وتقدمية حاولت أن تكسر التقاليد المتبعة في السينما التقليدية غير الحداثية، ولكن لا يمكن أن نطلق عليها وصف السينما الحداثية مثل السينما الأميركية.

وتأسيسا على ذلك فإن المؤلف يذهب إلى اعتبار أن الفيلم الهوليودي قد أصبح نقطة الانطلاق للتحول الخاص بالسينما الحداثية بشكل عام في العالم، وللسينما في الولايات المتحدة بشكل خاص، حيث فتحت هوليود الباب على مصراعيه لما وصف بعد ذلك في عدد من المصادر، بأنه انفجار جنسي كامل في صناعة السينما، وحيث كانت المفاجأة في البداية لا تزيد عن أن يبدأ المشهد الأول من فيلم سينمائي بقبلة بين رجل وامرأة، أو أن يتختتم الفيلم بنفس المشهد، لكن هذا فتح الباب على مصراعيه بعد ذلك لما يمكن وصفه بسينما الإغواء الأنثوي الكامل، أو سينما الفحولة الذكورية الملفتة، حيث حلت نماذج جديدة من الرجال والنساء محل الشخصيات التقليدية التي كانت تظهر على السينما فيما قبل الحداثة كشخصيات نسائية يعشن على الهامش، أو رجال ضعفاء ومهمشون.

• تجارب يومية للحياة

وفي محاولة من جانب المؤلف لتقريب معنى السينما الحداثية للأذهان، فإنه يشير إلى أن السينما الحداثية تصوغ القصص الخيالية من التجارب اليومية للحياة، حيث يعبر مخرج الفيلم الحداثي عن رؤيته السينمائية من خلال كل ما يمكن أن تلتقطه كاميرات السينما من تفاصيل للحياة اليومية، بالإضافة إلى ما يضيفه الخيال من إضافات للواقع تجعل من هذا الواقع قابلا للظهور على شاشات السينما بشكل يجعل المشاهدين يشعرون بالمتعة التي يبحث عنها مشاهدو السينما، وفي نفس الوقت تحقيق ما يمكن وصفه بالرسالة الحداثية من وراء إنتاج الفيلم وعرضه علىى جمهور المشاهدين.

ويؤكد المؤلف في نفس الوقت على أن السينما الحداثية تتسم بشكل من أشكال الشفافية الارتداية، وهي ثقافة جديدة اتسمت بها السينما الحداثية لم تكن معروفة بالنسبة للسينما التقليدية، أو حتى السينما التي حاولت كسر قواعد السينما التقليدية، ولكن لا يمكن وصفها بأنها سينما حداثية.

وفي هذا الإطار فإن المؤلف يشير إلى صفة مميزة لما يمكن وصفه بالسينما الحداثية، وهي أن هذه السينما تبرع في توظيف علاقات الزمان والمكان أو ما يوصف في أدبيات النقد الأدبي بـ " الزمكان"، حيث لا يجد المخرج الحداثي أدنى حرج في أن يكسر قواعد السرد الزماني أو التواجد المكاني وهو يتنقل بأبطاله بين كادرات المشاهد، كما تتسم بقدرتها على كسر المسافة التقليدية بين الإدارك والتعبير، وخلق أشكال جديدة من الاستجابة بين الجمهور وبين ما يشاهده على الشاشة الفضية .

وعلى الرغم من أن الحداثيين كسروا كل التقاليد القديمة في صناعة السينما وووضعوا آفاقا جديدة للإبداع السينمائي، إلا أن المؤلف يشير في نفس الوقت إلى أن الحداثيين ورثوا عن البدايات الأولى لفترة ظهور الحداثة أربعة موروثات تشمل الحس التراجيدي والعمارة الحديثة للمدنية الأوروبية بالإضافة إلى موت التراجيديا في الدراما الحديثة، ومبدأ التحول للداخل في القص الروائي.

لكن في مقابل موت التراجيديا التقليدية، فقد ظهرت أشكال للسينما التي تقوم على الميلودراما، وهى سينما تعتمد بشكل كبير على المبالغة الأسلوبية التي تفرط بشكل ملحوظ في التعبير عن مشاعر الأشخاص الذين يظهرون في الفيلم السينمائي الحداثي.

لكن مع ذلك فإن الكتاب يشير إلى أن سينما الإغواء الأنثوي قد تراجعت في مكانتها بعد مرور فترة من التجارب الحداثية السينمائية، ووفقا لما قدمه رواد حداثيون بعد ذلك، فقد ظهر تجارب أطلق عليها اسم غريب نوعا ما، وهو "البارانويا السياسية"، وهي شكل من أشكال السينما الحداثية التي تقدم أبطالها في صورة مناضلين سياسيين أو ناشطين يحاولون كشف الفساد، وتدور أحداث الفيلم بالكامل حول المعركة التي يمكن أن يخوضها أحد أفراد المجتمع، وذلك نيابة عن المجتمع بأسره، ليحارب الفساد ويقلم نفوذ المفسدين في المجتمع.

وفي نفس الوقت أيضا فإن السينما الحداثية لم تهمل جانب الصنعة وتوظيف المواهب والفروق الفردية بين صناعها، بالرغم من اعتماد السينما الحداثية على الواقع بشكل يكاد يكون كاملا، مع اللجوء قدر الإمكان إلى ما يطلق عليه وصف الحبكة الدرامية البسيطة، والتي لا تجهد ذهن المشاهد بقضايا وصور مركبة أو مشاهد مقعدة.

يذكر أن كتاب "السينما والحداثة" لمؤلفه جون أور، صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ويقع في 252 صفحة من القطع الكبير .(خدمة وكالة الصحافة العربية)