فايز الداية يدرس دلالات السيرة والأسلوب عند عمر أبو ريشة

يجعل كلماته وأبياته تستجيب إلى الحالة التي يعيشها

دمشق ـ صدر حديثاً (فبراير/شباط 2018) عن الهيئة العامة السورية للكتاب، وزارة الثقافة في دمشق، كتاب بعنوان \"دلالات السيرة والأسلوب عند عمر أبو ريشة\"، تأليف الدكتور فايز الداية.

يتكون الكتاب من مقدمة وقسمين؛ واحد للسيرة والآخر للأساليب، مع ملحقين لعدد من الرسائل والصور النادرة، في 239 صفحة، وفق العناوين التالية: عمر أبو ريشة السيرة ودلالاتها: 1. المعرفة ومدارج الإبداع، 2. الدروب والتوهج، 3. رحلة الأمكنة وامتداد الرؤى، 4. إنشاد وأصداء؛ وعي العالم في دلالات عمر أبو ريشة؛ دائرة الخصب والولادة في شعر عمر أبو ريشة؛ الموسيقى في شعر عمر أبو ريشة؛ الصورة والدوائر الأسلوبية في شعر عمر أبو ريشة؛ دلالات رسائل عمر أبو ريشة؛ دلالات صور عمر أبو ريشة.

إن المؤلف أراد تقديم إحاطة بمحاور السيرة، وقد وقف وقفة نقدية تحليلية أمام عدد من القضايا الإشكالية في سيرة عمر أبو ريشة وفي أساليبه الفنية، وتعدّ رؤية جديدة مغايرة لما كان يتداول حوله في الكتب والصحافة. ومما جاء في مقدمة الكتاب: \"إن كتابة منهجية لسيرة \"عمر أبو ريشة\" مطلوبة لرسم خطوط واضحة لشخصيته الإبداعية ضمن الشروط التاريخية في سوريا مطلع القرن العشرين، وفي تجوال عبر قارات العالم حتى أواخر القرن، وغير خافٍ أن هذا العمل يتضمن تقديم ملامح لمثقف في مرحلة تاريخية وموقعية في الوطن العربي، ويعدُّ ضرورة لمتابعة تاريخية تطورية لمسار الأعمال الشعرية لهذا الشاعر في الدواوين وأوراق الصحافة\".

وانتهج مؤلف الكتاب الدكتور فايز الداية البحث التوثيقي في سيرة الشاعر عمر أبو ريشة، من خلال العودة إلى المصادر الشفهية والكتابية لدى كل من كنانة الشهابي ابن أخت الشاعر، والباحثة عائشة الدباغ، وشهادات أدباء معاصرين له، وكتابات في الصحافة الحلبية القديمة.

وفي فصل: عمر أبو ريشة السيرة ودلالاتها، نطالع كيف \"تميّزت حياة عمر بفواصل زمنية واضحة شكّلت منعطفات تغيّرت بعدها سمات كثيرة في العلاقات والخطوط، تحت العناوين التالية: أولاً: المعرفة ومدارج الإبداع (1908 ـ 1932): إنّ حياة عمر بن شافع بن مصطفى أبو ريشة في هذه المرحلة تنتشر في مسافات بين عكّا ومنبج وجرابلس ومعرّة النعمان وحلب وبيروت، ثمّ مانشِستر ولندن وباريس وتختتم في حلب.

ثانياً: الدروب والتوهّج (1932 ـ 1949): تتوزّع الأمكنة في هذه المرحلة بين حلب ودمشق وحمص وحماة وبيروت وطرابلس وبغداد وعمّان... إنّ هذه المرحلة التي امتدّت 17 سبعة عشر عاماً تشكّل بؤرة النشاط الإبداعي الشعري عند عمر، وقد تكاملت له ـ وفق رؤيته ـ الأدوات الأسلوبيّة مع المحاور التي انداح فيها الفعل الشعري وهي كما صنّفت في الأعمال الكاملة (التي صدرت العام الماضي 2017 عن وزارة الثقافة السورية في دمشق، تحقيق: الدكتور فايز الداية، الدكتور سعد الدين كليب، الأستاذ محمد قجة): الوطن: وهنا يتسع للأرض والتاريخ والأسرة والناس والمستقبل في الشام وأرجاء العروبة.

المرأة: في كلّ قسماتها ووجوهها، ومواقعها قريبة محبّة أو كارهة ناقمة، أو هي نبض تلمحه عين الشاعر في خضم المجتمع القريب وذاك البعيد. شجون: هي مواقف يغوص فيها الشاعر في ذاته يرقب تردّد أصداء الحياة وعلاقات وتأمّلات فيها. الإنسان: رؤية أبعاد إنسانيّة تتجاوز اللون والأرض والصراع والسياسة؛ مواكب الفنّ والفكر: قصائد تدور حول عدد من الشعراء والفنّانين والمفكّرين في نسيج أمّتهم العربيّة، وآفاق سحر الفنّ والأدب؛ الرسالة والسماء: وهي دفق النفحات الإيمانيّة في عودة إلى السيرة النبويّة وتأمّلات الروح، وما تنعكس عليه في مواقف.

ثالثاً: رحلة الأمكنة وامتداد الرؤى (1949 ـ 1970): هي زمن السفارة ـ أثناء عمله سفيراً ـ الذي امتدّ من أواخر 1949 حتّى 1970، وانتشر في أربع قارات هي أميركا الجنوبيّة (البرازيل والأرجنتين) وأوربا (النمسا) وأميركا الشماليّة (الولايات المتحدة الأميركية) وآسيا (الهند) التي عمل فيها مرّتين. رابعاً: إنشاد وأصداء (1970 ـ 1990): في بيروت والرياض حيث كانت وفاته.

ويحتفي فصل: وعي العالم في دلالات عمر أبو ريشة، بالدوائر الدلالية لديه، وهي: المكان، القوة والكبرياء، أعداء الحرية والحياة، المعركة والصراع، الطيور، وكذلك هي التجليات الدرامية في شعر عمر أبو ريشة، تظهر في القصائد: البطولة وهنانو 1936، عاصفة 1937، كانت 1941، المرأة 1961، شاعر وشاعر (وهي قصيدة في ذكرى المتنبي) 1935.

ويسعى فصل: الموسيقى في شعر عمر أبو ريشة، إلى أن \"نبدأ استطلاعنا لرحلة إبداع عمر منذ التبلور الأول ويتمثّل في مسرحيته الشعرية \"ذي قار\" 1931 وقصائد ملحقة داخلها وأخرى نشرها في 1931 ـ 1933 في الصحافة، اثنتان في رثاء أحمد شوقي وحافظ إبراهيم، وأخرى في رثاء مصطفى رجا، وقصيدة في تكريم أحمد الصافي النجفي، وقصيدة خاتمة الحبّ وأخرى عنوانها: المرأة، فنراه يكتسب حيوية توظيف الأوزان في الأداء الدرامي، وهذا ينتقل إلى المنحى الغنائي قدرةً على التعبير بمرونة تطوّع الجمل فتتلاحم أطرافها وتغيب حدّة تتقطّع بها النغمات في الشطر والبيت، وفي جهة أخرى نتابع اتجاهاً إلى لون من ألوان الموشّح بأقفال وغصون وتنويع القوافي مع بقاء البحر الواحد، ونلمح بدءاً لأعمال مجزوءة البحور.

وقد برزت شخصيّة عمر في اختياره ساحةً موسيقية لشعره، فهو استخدم عدداً من بحور الشعر العربي (الخفيف، والكامل، والسريع، ثمّ الرمل، والمتقارب، والبسيط، والوافر، وتتوزع بحور الرجز والمتدارك والمجتثّ والطويل والهزج القصائدَ الأخرى)، وجعلها تغنَى تعبيرياً من خلال تجلّيها في صور من البنى التشكيليّة التي تعدّ تنوّعاً في إيقاع تلك البحور... وبتلاقي الحركة والصوت ضمن السياق تشعّ بؤر على نحو قادر على الوصول إلى المتلقّين.

والمفتاح الذي يفسح المدى للرؤية هنا هو أنّ \"عمر أبو ريشة\" كان ـ بتكوينه واتجاه رسالته ـ يجعل كلماته وأبياته تستجيب إلى الحالة التي يعيشها فلا تقف دون استمرار الدفق المعبّر، وعندما تكتمل تقفل الدائرة لا تزيد عليها. هكذا يبدو لنا عمر بعيداً عن حالات نراها في النتاج الشعري العربي على طول القرن العشرين عندما كان بعض الشعراء ينساق وراء الشكل القديم، وتتطاول القصائد بسبب الانزلاق في قوالب شعراء التراث، وهي صيغ مركّبة للجمل والعبارة وأوزان البحور، وهؤلاء الذين ينضوون في هذه الحالات إنّما يفقدون ارتباطهم بزمنهم ومتطلّباته التعبيريّة، فيتحوّلون إلى مقلّدين، وسرعان ما يدرك المتلقّي تداخل النسيج وهيمنة القديم ممّا يترك النصّ في عتمة تضيّع ملامحه. إنّ الألوان الموسيقيّة الأساسيّة في أعمال عمر الشعريّة الغنائيّة هي: قصائد البحور الكاملة، المقطوعات، النصوص المجزوءة، الموشّحات، النصوص المفتوحة\".

ويتّخذ فصل: الصورة والدوائر الأسلوبية في شعر عمر أبو ريشة، مسارين، إذ \"ندخل عوالم الصورة في تجربة \"عمر أبو ريشة\" الشعريّة من خلال مسارين له أولهما نرى فيه كيف يقيم بناءه التصويري ويحكم موقع القوالب البلاغية، فتغدو مكوّناً عضويّاً يلتحم بالنسيج، وثانيهما نكشف فيه عن دوائر أسلوبيّة للصور تتجلّى بزوايا متعدّدة وتأتلف مع الدوائر الدلاليّة، وهي تعبّر عن وعي الشاعر بالعالم وإيقاعه الدرامي... في بنية الصورة والنص.\"

• كلمة غلاف الكتاب:

\"يتناول هذا الكتاب الشاعر (عمر أبو ريشة) من جانبين يعرض في الأول سيرته بشيء من التفصيل وعلى نحو علمي منهجي لأول مرة، فيدقق عدداً من القضايا الفكرية والفنية التي تداخلت في كتب ودراسات عنه وتعريفات في شبكة المعلومات العالمية باللغة العربية والأجنبية، ويجد القارئ صورة مبدع شكّل معلماً بارزاً في الأدب العربي في القرن العشرين أضاء مسارات وأحداثاً في جنبات الوطن العربي عبر ما يزيد على ستة عقود، وتغلغلت تجاربه في نفوس رأت الحب نسغ الحياة، وعرفت الأهواء تعصف وتهدأ، وعاشت مع تدفق الفن يلون الأيام.

وفي الجانب الآخر تنتظم مجموعة من الدراسات التطبيقية تكشف الظواهر الأسلوبية في الأعمال الكاملة للشاعر، وهي تقترح برؤية نقدية جديدة مساراتٍ أمام المتلقين، فثمة القيم التعبيرية للدوائر الدلالية وإضاءاتها وعي الشاعر وتفاعلها مع الأبعاد الدرامية، والصورة الحديثة التي شكّلها أبو ريشة معبرة عن رؤية تلوّنت بثقافة زمن تجاوزت فيه طموحات الأمة وخفقات النفوس في عمقها الإنساني، وهناك طاقات التعبير الموسيقي المتعددة بحسب الآفاق التي تحركت فيها العيون وتجاوبت الأصداء، وهي تغني الحوار حول تجارب لا تزال تحاول تطوير الجانب الموسيقي في بناء القصيدة.\"