دروس الحرب.. على تنظيم داعش

الحرب على داعش ليست عسكرية فقط

بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من صعود نجم التنظيم في صيف 2015، هناك العديد من الدروس التي يمكن للولايات المتحدة وحلفائها أن تستقيها من ظهور هذه المجموعة الإرهابية وتمكنها من السيطرة على أجزاء كبيرة من العراق وسوريا إلى أن فقدت سيطرتها أواخر العام الماضي. من تلك الدروس:

1- تنظيم داعش يعاني من عدم وجود ملاذ آمن

منذ سقوط الموصل والرقة، تم تقليص عمليات داعش الخارجية بشكل حاد، وتقلصت اتصالاته بشكل كبير (حوالى ثلاثة أرباع وسائل الإعلام التابعة للجماعة صمتت منذ أواخر العام الماضي). في غياب سيطرته على الأراضي في العراق وسوريا، يركز التنظيم في المقام الأول على محاولة تنمية فروعه الثمانية في الخارج. على هذا النحو، فإن القضاء على سيطرة التنظيم على أي مكان في العالم يجب أن يكون الوظيفة رقم واحد لأولئك الذين يريدون رؤية هذه المجموعة تُهزم بشكل حاسم.

2- ما يزال التنظيم ينجذب نحو احداث الفوضى

تنظيم داعش يفضل دائماً وجود فراغ أمني، فبعد ظهوره في أعقاب الحرب الأهلية السورية والاضطراب السياسي الذي عاشه العراق تحت حكم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، يحقق حالياً أكبر نجاحاته في المناطق المضطربة الممتدة من سيناء وليبيا إلى اليمن وأجزاء من جنوب شرق آسيا. وقد أثبت التنظيم مهارة في استغلال تآكل أو انهيار سلطة الحكومة المحلية وشرعيتها.

3- يصعب طرد التنظيم من المدن

خلال معظم العامين الماضيين، تركزت معظم الجهود العسكرية للقوات الأميركية وقوات التحالف ضد داعش على طرد التنظيم من المدن الخاضعة لسيطرته. وقد تطلب ذلك بشكل متكرر اقتتالاً من شارع الى شارع من قبل حلفاء التحالف الأميركي بدعم من القوة الجوية الأميركية في مشاهد تذكّرنا بالقتال في الحرب العالمية الثانية.

في هذه المدن، تبنّى تنظيم داعش قواعد لعب تكتيكية شائعة، تضمّنت اصطياد واستخدام المدنيين كدروع بشرية، واستخدام الدخان بذكاء لإخفاء الحركات وإخفاء قوات التحالف، وتدمير شرايين النقل الرئيسة في المدن، واستخدام الأنفاق لنقل المعدّات الشخصية، ونشر السيارات المفخخة، وتركيز قواتها في المباني المفخخة بشدة، وساهمت هذه التكتيكات مجتمعةً في المعارك التي دمّرت البنية التحتية المحلية وسبّبت في نزوح الكثير من المدنيين - العديد منهم لم يعودوا إلى ديارهم. من الواضح أن تنظيم داعش يعترف بفائدة العمل في المدن، لذا على صانعي السياسة في الولايات المتحدة وحلفائهم في التحالف أن يتوقعوا المزيد من ذلك في المستقبل.

4- تنظيم داعش يتكّيف مع تكتيكات ساحة المعركة

في ضوء الانتكاسات الأخيرة، يركز مقاتلو التنظيم بشكل متزايد، على الهجمات الانتحارية وعمليات الكر والفر، ويتجنبون المعارك الواسعة النطاق مع قوات التحالف. في 19 شباط، نصب مقاتلو التنظيم كميناً لقوة من الحشد الشعبي بالقرب من الحويجة، بالعراق، وهو أخطر هجوم من هذا القبيل يحدث منذ أن تم انتزاع الحويجة من سيطرة داعش في تشرين الأول الماضي. في الأشهر الأخيرة، استخدم داعش طائرات بدون طيّار لاستهداف القوات الأميركية وقوات التحالف التي تعمل بالقرب من الرقة والموصل، مما يعكس عزم التنظيم على إلحاق أكبر قدر ممكن من الأضرار بأعدائه، وفي الوقت نفسه التقليل من خسائره. وفي كانون الثاني، أعلن القسم الإعلامي للتنظيم، أنه قام العام الماضي، بتنفيذ ما يقرب من 800 هجوم انتحاري في العراق وسوريا، مما يشير بقوة إلى أن قادته ينظرون إلى هذا التكتيك باعتباره أفضل خيار لهم في ساحة المعركة في المستقبل المنظور.

5- التنظيم لديه أيضاً نقاط ضعف عميقة الجذور

بسبب سمعته التي انتشرت سابقاً، فإن من السهل التركيز فقط على نقاط قوة المجموعة. لكن في الواقع، ما يزال التنظيم يعاني من العديد من أوجه القصور نفسها التي ابتلي بها تنظيم القاعدة عند إنشائه في العراق منذ أكثر من عقد من الزمان. ففي ساحة المعركة، لم يتمكن التنظيم أبداً من ايجاد طريقة فعّالة لمواجهة القوة الجوية الأميركية وقوات التحالف، يستمر اعتماد التنظيم على العنف المتطرف، بما في ذلك بث أشرطة الفيديو الدعائية التي تعرض لقطات دموية من الهجمات التي يقوم بها، مما يؤدي الى نفور المجتمع المسلم بالكامل عنه. كما أن نهج القيادة الذي تتبعه، في تكليف المقاتلين الأجانب فقط في إشغال مناصب قيادية رئيسة (نمط مارسه أبو مصعب الزرقاوي في العراق قبل أكثر من عقد من الزمان) ما يزال ينفّر المجتمعات المحلية. من بين الشكاوى الشائعة التي أعرب عنها عناصر التنظيم الذين أصيبوا بخيبة الأمل، أن التنظيم يبذل قصارى جهده لحماية قادته في الوقت الذي يجعل السكان المحليين والمتطوعين الأجانب ذوي التدريب المنخفض والمتدني يتحملون العبء الأكبر من القتال.

6- القتال لم ينته بعد

بالنظر إلى التقدم السريع الذي حققته أميركا وشركاؤها في القضاء على دولة الخلافة المزعومة للتنظيم، سيكون من السهل تصديق أن هذه المعركة بدأت تتلاشى. في الواقع، سيكون قرار تحويل التركيز العسكري الأميركي عن التنظيم أمراً مفهوماً في ظل الأزمة مع كوريا الشمالية والحالة المتدهورة في أفغانستان. لكن في حين أن تنظيم داعش قد هُزم بشكل واضح، فإنه يبقى عدواً شرساً ومصمَّماً وقادراً على إلحاق ضرر جسيم إذا ما أتيحت له الفرصة، وإعادة تشكيل نفسه إذا لم يتم التعامل مع الظروف الأساسية التي أدت إلى بروزه. ينبغي أن تكون السنوات الثلاث الماضية، قد علّمت صنّاع السياسة في الولايات المتحدة، أنه لا يوجد حل وحيد لهزيمة التنظيم، وأن ما هو مطلوب هو حملة متعددة الأوجه تستمر لعدة سنوات تتضمن العديد من العناصر الأساسية. أولاً، الحفاظ على الضغط العسكري المطرد على فلول داعش في كل من العراق وسوريا. ثانياً، إعطاء الأولوية لمحاربة أهم نقاط التنظيم، خاصة في سيناء وليبيا. ثالثاً، زيادة الاستثمارات المالية والقروض للمساعدة في إعادة بناء المجتمعات المحطمة (خاصة السنيّة الضعيفة) في العراق وسوريا. رابعاً، توسيع الجهود الدبلوماسية للمساعدة في الحد من التوترات بين إيران والسعودية، وبخاصة من خلال التوصل إلى اتفاق للمساعدة في حل النزاع في اليمن. وأخيراً، زيادة التعاون بين الحكومة الأميركية والقطاع الخاص لمواجهة التطرف عبر الإنترنت.

في النهاية، ربما يكون أهم درس في السنوات الثلاث الماضية من هذه المعركة، هو أنه في حين حققت أميركا وحلفاؤها التحالف تقدماً ملحوظاً ضد داعش، ما يزال هناك الكثير من العمل الذي يجب القيام به.

مايكل ديمبسي

القائم بأعمال مدير وكالة الاستخبارات القومية الأميركية السابق

ترجمة: أحمد الزبيدي