خمسون عاما على رحيل غامض ليوري غاغارين

موسكو - توفي يوري غاغارين، بحسب الرواية الرسمية، في حادث طائرة عندما كان يحاول تجنب منطاد للأرصاد الجوية.. لكن بعد مرور خمسين عاما على وفاة أول إنسان يسافر إلى الفضاء الخارجي لا يزال رحيله سرا من أسرار الدولة محاطا بالالغاز.
في صباح السابع والعشرين من مارس/آذار 1968، كان يوري غاغارين يستعد لرحلة تدريبية روتينية في طائرة "ميغ 15" في مطار تشكالوفسكي قرب موسكو، بحسب ما يروي زميله آنذاك فلاديمير أكسيونوف.
ويقول لوكالة فرانس برس "راجعنا الأطباء واستمعنا لنشرة الأحوال الجوية، وكانت رحلتي مبرمجة بعد رحلته بساعة".
لكن رحلة أكسيونوف، الذي كان حينها في الرابعة والثلاثين، ألغيت.. بعدما فقد الإتصال بغاغارين ومساعده فلاديمير سيروغين البالغ 45 عاما.
انطلقت إثر ذلك مروحيات للبحث عنهما، وسرعان ما عثرت على حطام الطائرة على بعد 65 كيلومترا عن المطار. وفي اليوم التالي عثر على جثّة غاغارين.
مات غاغارين
ما زال سيرغي كرافتينسكي البالغ اليوم 74 عاما، والذي كان يعمل في صناعة المركبات الفضائية، يذكر كيف تلقّى في ذاك اليوم من العام 1968 نبأ مقتل غاغارين.
ويقول "سمعنا صراخا في الممر: يا شباب! مات يوري غاغارين".
ويضيف "كان ذلك صدمة... وكانت النساء يبكين". وللمرة الأولى في تاريخ الاتحاد السوفيتي، أعلن يوم حداد وطني على شخص ليس في موقع الرئاسة.
يعرف مصممو الطائرات أن غاغارين سبق أن واجهته مشكلات أثناء الهبوط بطائرات ميغ، وحين أصدرت لجنة التحقيق تقريرها شعروا بحيرة.
فبحسب الرواية الرسمية، لم يفلح طاقم الطائرة في تنفيذ مناورة سريعة لتعديل مسار الطائرة بعد "تغيّر في حال الهواء"، فتحطّمت.
ويقول ألكسندر غلوشكو المتخصص في تاريخ قطاع الفضاء السوفيتي لوكالة فرانس برس "لم ينشر التقرير الرسمي الواقع في 29 صفحة قط، وهذا ما دفع زملاءه وبعض الخبراء لإطلاق أبحاثهم الخاصة".
في ذلك الوقت، كانت شائعات تقول إن رائد الفضاء قتل بأمر من الكرملين بعدما شعر كبار القادة بأن شعبيته صارت كبيرة جدا. لكن شائعات أخرى تحدثت عن أنه كان ثملا، فيما ذهب آخرون إلى شيء من الخيال العلمي وقالوا إن كائنات فضائية خطفته.
في العام 2011، ولدى الاحتفال بالذكرى الخمسين لرحلته إلى الفضاء في 12 ابريل/نيسان 1961، أعلنت دوائر الكرملين أنها كشفت النقاب عما جرى مع غاغارين يوم الحادث المميت.
وبحسب ما قيل يومها، يُرجّح أن يكون غاغارين ومساعده فوجئا بمنطاد لقياس الأحوال الجوية، ولمّا حاولا تجنّب الاصطدام به فقدا السيطرة على الطائرة فتحطّمت.
لكن ذلك لم يغيّر كثيرا من حالة الغموض السائدة على هذه القضية، كما أن التقرير ذي الصفحات التسع والعشرين لم يُنشر قط.
ويرى المؤرخ ألكسندر غلوشكو إن الغموض الذي لفّ هذه القضية سببه محاولة التكتّم على الأخطاء والخلل في القطاع الفضائي الذي كان من أعمدة النظام السوفيتي.
وبما أن الحقيقة لم تُعلن، فتح ذلك الباب أمام انفلات الشائعات، كما يقول.
رواية الطيّار
يقول ألكسندر فولودكو الشرطي في نوفوكوزنيتسك في سيبيريا "لطالما أكد لي والداي أن غاغارين مات لأنه كان ثملا".
ولد هذا الشرطي بعد عام على مقتل غاغارين، وأثناء زيارة إلى متحف غزو الفضاء في موسكو، يعرب عن أمله في أن تنكشف خفايا هذه القضية.
وخلافا لوالديه، يتبنّى الشرطي رواية رائد الفضاء أليكسي ليونوف التي أدلى بها بعد سقوط الاتحاد السوفياتي في العام 1991.
ويقول ليونوف، الذي كان عضوا في لجنة التحقيق في العام 1968، إن طائرة من طراز سوخوي كانت على بعد عشرين مترا فقط عن طائرة غاغارين حين خرقت جدار الصوت، فحطّمتها.
ويضيف رائد الفضاء البالغ 83 عاما "لقد اطلعت على وثيقة رفعت عنها السرية تثبت ذلك".
وبحسب روايته، أرادت اللجنة إخفاء الأمر لحماية الطيار.
ولم يكشف ليونيقف اسم الطيار، واكتفى بالقول إنه رجل "معروف جدا" وهو اليوم "عجوز ومريض".
ويقول "الأمر ليس سرا، هناك إهمال وانتهاك لقواعد الطيران".
إزاء هذه الرواية، يقول المؤرخ غلوسكو "هذه التأكيدات تبقى مجرّد فرضيات" ما دامت الوثائق الرسمية لم تنشر.