آذان صاغية لصرخات الخادمات المنزليات في المغرب

'القانون يشكل قيمة مضافة'

الرباط - تتعرض خادمات منازل قاصرات للاستغلال وسوء المعاملة من مخدوميهم في المغرب رغم وجود قانون فعال وصارم للحد من هذه التجاوزات.

ويسعى القانون في المغرب الى حماية الخادمات المنزليات كما تتعاون منظمات وجمعيات حقوقية ومدنية للدفاع عنهن وحمايتهن.

وسن المغرب مرسومين يقننان لأول مرة شروط العمالة المنزلية لكن نشطاء يتخوفون من عدم تطبيقهما.

وأقرت الحكومة المغربية المرسومين، اللذين يحددان حقوق الخادمات من أجور وعطلات، فضلا عن حظر مهن محددة على من تتراوح أعمارهن بين 16 – 18 عاما لخطورتها عليهن.

ونص المرسوم الأول على \"الحقوق الدنيا، التي لا يمكن للأطراف الاتفاق على مخالفتها، إلا إذا اتفقوا على بنود أكثر تفضيلية من الحد الأدنى\".

وارتكز المرسومان على قانون يضبط هذه المهنة، صادق عليه البرلمان، في يوليو/تموز 2016.

ويحدد القانون أجر العامل المنزلي، بما لا يقل عن 60 بالمائة من الحد الأدنى للأجور، المحدد بـ13.46 درهما، أي أقل من 1.5 دولارا، عن كل ساعة عمل.

وأعرب ناشطان مغربيان عن مخاوفهما إزاء تطبيق المرسومين، لا سيما مع صعوبة رصد السلطات للانتهاكات التي يتعرض لها العمال المنزليين.

وقال رئيس \"المركز المغربي لحقوق الإنسان\"، عبدالإله الخضري، إن القانون جاء بعد \"صرخات عاملات المنازل المُعنفات، وظهور العديد من الانتهاكات لحقوقهن\".

ويتساءل مدير المركز، غير الحكومي، \"كيف ستراقب الدولة المنازل، للتأكد من تطبيق لائحة الأشغال المحظورة؟ وكيف ستتعامل مع خادمات يشتغلن منذ سنوات، ولم يبلغن 16 عامًا؟\".

ومع ذلك، يعتقد الخضري أن \"القانون يشكل قيمة مضافة، هي الحد من تشغيل الأطفال دون الـ16 عامًا، إلى جانب تحديد لائحة الأشغال التي يُحظر القيام بها على من تتراوح أعمارهم بين 16 - 18 عامًا\".

واقترح الحقوقي المغربي \"توفير البدائل، وإعداد بنيات تحتية، لمساعدة العاملات في التعليم والصحة للحفاظ على كرامتهن\".

وتقول فاطمة البالغة 17 عاما التي اتت تبحث عن مساعدة في مركز \"النجدة\" في الرباط، باكية \"جل ما اردت هو مساعدة اهلي فكنت تعيسة جدا للبؤس الذي كانت تعاني منه عائلتي\".

المتطوعون الذين يصغون الى قصتها يعرفون الحكاية جيدا. ففي سن الخامسة عشرة غادرت فاطمة بلدتها في جنوب المغرب للعمل في الخدمة المنزلية في العاصمة الرباط بموافقة عائلتها ومساعدة سمسار محلي.

وتروي الشابة بصوت يرتجف معتمرة وشاحا في البداية كنت اعامل بشكل جيد. لكن رويدا رويدا اصبح العنف خبزي اليومي. كانت ربة المنزل تضربني وتشتمني وتنتقد عملي على الدوام\".

وتؤكد مديرة مركز \"النجدة\" فاطمة المغناوي \"هذا شكل من اشكال العبودية انه انتهاك لالتزامات المغرب الدولية\" مشددة على ان فاطمة ينبغي ان تكون في المدرسة.

- حروق وكسور -

وتفيد جمعية \"إنصاف\" المدافعة عن حقوق المرأة ان هؤلاء القاصرات غالبا ما يأتين من الارياف وهن اميات \"ويتعرضن لظروف عمل وحياة مهينة\".

قبل اسابيع قليلة، اثرت حالة لطيفة بالرأي العام فهذه الشابة البالغة 22 عاما والعاملة في الخدمة المنزلية منذ سن المراهقة ادخلت الى المستشفى في الدار البيضاء لاصابتها بحروق من الدرجة الثالثة وكسور تؤكد انها ناجمة عن سوء معاملة مخدومها الذي كان \"يعنفها\". وبمساعدة جمعية \"إنصاف\" باتت تقيم في مركز ايواء.

فعمل فاطمة كان يبدأ عند الساعة السابعة صباحا ليستمر حتى ساعة متأخرة من الليل \"احيانا حتى الساعة الثالثة صباحا\". وتروي الشابة \"كنت انام على الشرفة في البرد مثل حيوان منزلي. كنت اتناول مخلفات الاكل واشعر بالم دائم في قدمي بسبب الوقوف المتواصل\".

وتوضح انها لم تكن تتقاضى اي اجر \"كنا اتفقنا على اجر 800 درهم في الشهر (حوالى 86 دولارا اي اقل من ثلث الحد الادنى للاجور) لكني لم اتلق اي مال\".

وعندما طالبت بأجرها بعد انقطاع دام سنة، قامت ربة المنزل \"بمصادرة بطاقة هويتي ومنعتني من الاتصال بعائلتي\". فقررت الفرار.

وتضيف قائلة \"لم اكن اعرف احدا ولم اكن املك المال ولا اعرف حتى عنوان المكان الذي اعمل فيه\".

وقد ساعدها شاب في الحي في نهاية المطاف على الاتصال بقريبة لها في ضاحية الرباط \"فوضعت حدا لمعاناتها\".

- تضحية بالطفولة -

ويوضح عمر سعدون مسؤول برنامج مكافحة عمالة الاطفال في جمعية \"إنصاف\" ان الامر ينتهي بشابات مثل فاطمة في الخدمة المنزلية بسبب \"التسرب المدرسي في الارياف والفقر وجهل الاهل\" في غالب الاحيان.

ويضيف ان في بعض المناطق الريفية \"تعتبر الاناث اقل اهمية من الذكور ويضحى بهن لايجاد مصادر دخل اضافية من خلال تزويجهن او ارسالهن للعمل في الخدمة المنزلية\".

ويقول عمر سعدون \"نحتاج الى استراتيجية شاملة (..) القانون وحده لا يقدم ضمانات ولا آلية مرافقة واعادة دمج وتحديد العائلات. والكثير من العاملات القاصرات في الخدمة المنزلية لا يعرفن عنوان مخدومهن\".

ورغم اقرار القانون الجديد، تؤكد جمعيات مثل \"إنصاف\" ان فتيات في سن الثامنة او التاسعة لا يزلن يعملن في الخدمة المنزلية.

وبعد سنوات من سوء المعاملة والاستغلال تصاب الكثيرات باثار دائمة كما الحال مع حياة (38 عاما) التي بدأت العمل في الخدمة المنزلية في سن التاسعة.

وتقول في اتصال هاتفي \"لا زلت احزن كلما تذكرت الامر بعد ثلاثين عاما. لقد تمت التضحية بطفولتي\".

وتوضح \"مخدومي الاول كان يسيء معاملتي (..) كان يهينني باستمرار. كان الوضع منهكا. لم اكن اتمتع بالقوة الجسدية المطلوبة للقيام بالاعمال المنزلية\".

والان وقد باتت ربة عائلة، تقول إنها تهتم باطفالها بعناية كبيرة \"كي لا يعيشوا الامر ذاته\".