ترشيح بوتلفيقة لولاية خامسة يُثير مخاوف الجزائريين

ترشيح بوتفليقة لولاية خامسة

يقول دبلوماسيون إن دعوة جبهة التحرير الجزائرية للرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى الترشح لولاية خامسة رغم مرضه من جهة ورفض القوى المعارضة للدعوة من جهة ثانية في ظل حالة الاحتقان يعد مؤشرا على أن البلاد مرشحة لمرحلة من غياب التوازن والاستقرار السياسي والاجتماعي.

ويضيف الدبلوماسيون أن استمرار بوتفليقة في الرئاسة لن يقود سوى إلى تعميق الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية واتساع الهوة بين مؤسسات الدولة والقوى السياسية والمدنية التي تطالب بترشيح شخصية سياسية قادرة على حكم البلاد.

وفي 8 ابريل الحالي دعت جبهة التحرير الحزب الحاكم بوتفليقة إلى "الاستمرار في مهامه "رئيسا للجمهورية التي بدأها العام 1999 مما أثار انقساما سياسيا في المجتمع وغضب المعارضة التي ترى في الرئيس المريض عاجز على توفير التوازن السياسي.

وفي أعقاب الدعوة بث التلفزيون الجزائري صورة لبوتفليقة وهو جالس على كرسي متحرك في محاولة للترويج على أن صحته مازالت تسمح بقيادة البلاد، غير أن تلك الصورة عمقت لدى الجزائريين أن الرئيس بات عاجزا على تسيير مؤسسات الدولة.

وتعاني الجزائر أزمة سياسية حادة تتغذى من أزمات اقتصادية واحتقان اجتماعي وهشاشة أمنية وأيضا من تطلع القوى السياسية والمدنية إلى انخراط البلاد في تجربة ديمقراطية تعكس إرادة الجزائريين وتنهي سطوة جبهة التحرير التي تستأثر بالحكم.

والجزائر هي البلد المغاربي الوحيد الذي لم يخض تجربة ديمقراطية على غرار المغرب وتونس ليركز مواقع القرار السياسي والإداري بين أجنحة جبهة التحرير.

ووفق المراقبين يعد المشهد السياسي الجزائري أحد أهم المشاهد السياسية المغاربية المتعددة فكريا وسياسيا ومدنيا غير أن السياسات المتبعة ضيقت عليه الخناق وحالت دون فسح المجال أمامه للمشاركة في إدارة الشأن العام وتسيير دواليب الدولة.

ويرى مراقبون أن الطبقة السياسية الجزائرية المعارضة بمختلف مكوناتها المدنية يغلب عليها البعد الديمقراطي والنشاط السياسي السلمي وهو ما يفسر صبرها على عملية تهميشها وإقصائها من قبل السلطات المتنفذة المصرة على استخدام بوتفليقة كواجهة.

ويواجه بوتفليقة والدائرة السياسية الضيقة المقربة منه انتقادات لاذعة من قبل القوى العلمانية الديمقراطية على خلفية إشراك الإسلاميين الذين كانوا زجوا بالجزائر في عمليات إرهابية دموية ومجازر ما زالت عالقة إلى اليوم في أذهان فئات المجتمع.

وخلافا لما تروج له السلطات من كون بوتفليقة يمثل عامل توازن واستقرار نتيجة غياب شخصية سياسية قادرة على الاضطلاع بمهام الرئاسة تشدد المعارضة على أن الخارطة السياسية الجزائرية تضج بقيادات قوية تحض باسناد سياسي ودعم الشعبي ما يؤهلها لإنقاذ البلاد من تداعيات الرئيس العاجز على ممارسة صلاحياته.

وفي 14 أبريل الحالي قال أحمد أويحيى إن عبد العزيز بوتفليقة المختفي عن الأنظار "ليس دمية مخفية" ملاحظا أنه "سيكون سعيدا لو استمر في ممارسة الحكم".

غير أن أوحي أقر بأن بوتفليقة لم تعد له القدرة الصحية التي كانت له في العام 2008 لما أقدم على تغيير الدستور ما مكنه من الترشح لولاية ثالثة ورابعة أثارتا استياء الجزائريين ورأت فيه القوى المعارضة ترشح غير دستوري.

ويقول الدبلوماسيون إنه في حال ترشح بوتفليقة إلى ولاية خامسة فإن ذلك سيقود بالجزائر إلى حالة من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي وحتى الأمني وقد يزج بالبلاد في فوضى ليس بإمكان الرئيس المريض لا الحد منها ولا إخمادها.

ويأتي تكتل النقابات في مقدمة القوى المدنية الرافضة لترشح بوتفليقة وهي ترى أن الجزائر اليوم في أمس الحاجة إلى رئيس قوي قادر على ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية ويتمتع بالشرعية السياسية والشعبية ليقود سياسات تنموية واجتماعية تنقذ الجزائر من أزمتها السياسية ومن أزمة هيكلية ما انفكت تتعمق رغم التكتم عليها.

وألقى تمسك جبهة التحرير بالرئيس بوتفليقة بتداعيات سلبية على الدولة التي فقددت الكثير من هيبتها وتراجع أداء مؤسساتها الأمر الذي جعلها غير قادرة على إدارة الشأن العام والتعاطي مع الأوضاع بالنجاعة الكافية اقتصاديا واجتماعيا.

وعلى الرغم من أن الجزائر تكاد تتصدر قائمة بلدان المغرب العربي من حيث وفرة الثروات الطبيعية وخاصة الغاز والبترول فقد غرقت خلال السنوات الأخيرة في أزمة اقتصادية حادة لا مبرر لها حتى أن نسبة النمو خلال العام 2018 لم تتجاوز 3 بالمئة.

وكانت البلاد ذات الثروات الطائلة خططت خلال العام 2017 إلى تحقيق نسبة نمو تقدر بـ 4 بالمئة غير مخططها باء بالفشل في ظل غياب سياسات تنموية واستثمارية.

وألقت الأزمة الاقتصادية بتداعياتها على الأوضاع الاجتماعية الجزائرية حيث بلغت نسبة التضخم 6 بالمئة وهي نسبة تعادل مما عليه في تونس التي تشكو من ندرة الثروات.

ووفق الخبراء تدهورت المقدرة الشرائية خلال السنوات الأخيرة بنسبة لا تقل عن 43 بالمئة وتآكلت الشرائح السفلى من الطبقة الوسطى ليعصف الفقر بربع الجزائريين.

ومما عمق ازمة الجزائر التي تتململ على كرسي متحرك الإجراءات التي ما انفكت تتخذها السلطات في مسعى للتضييق على الحريات العامة مما أثار غضب النشطاء في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان وحشد جهودهم في حركات احتجاجية متفرقة على عدة جهات من البلاد وخاصة في العاصمة حاضنة القوى المدنية.

والمتابعون للشأن الجزائري يلاحظون أن حركات الاحتجاج بأبعادها السياسية والاجتماعية أخذت خلال الأشهر الأخيرة نسقا تصاعديا غير أن السلطات تنتهج تجاهها سياسة التكتم في محاولة لإظهار أوضاع البلاد في صورة الأوضاع المستقرة.

غير أن مراقبين يرون أن سياسة التكتم لن تقود سوى إلى مزيد الضغط على المجتمع وتأجيج الاحتقان وهم يقولون إن البلاد مرشحة إلى عاصفة من الانتفاضة الشعبية.