الجزائر.. المخاوف من توظيف إيراني للتشيع

النفس البطيء للسياسة الإيرانية في نشر مذهبها فهي تتحرك وَفْق رؤى وخطط طويلة الأمد تمتد لسنوات طويلة حتى تبدأ نتائج تحركاتها تطفو على السطح.

تتنوع هذه الآليات بدءاً من حضور المؤتمرات الإسلامية المجمعة وانتهاءً بالمعارضات المسلحة والثورات والاضطرابات ومعاونة المحتل بشكل مباشر كما الحالة العراقية وإغراء الفقراء بالمال، وقيادة «الدراويش» بالاحتفالات الدينية التي لا تنقطع، وعلاج المرضى في المستشفيات وإقامة المدارس والجامعات في أفريقيا وآسيا الفقيرتين، وتشكيك المثقفين والجماهير بالصحابة ومن ثم العقيدة السنية برمتها، ومروراً بطرق تغيير التركيبة الديموغرافية للبلدان السنية عبر الهجرة إليها كما في الحالة العراقية التي تدفق عليها مئات الآلاف من الإيرانيين بعد الغزو (تشير بعض التقارير الصحفية إلى أن الرقم يتجاوز حدود المليون إيراني عبروا من خلال الحدود السائلة بين إيران وعراق الحكم الشيعي)، وكما في إيران ذاته التي حدث فيها طمس نقاء الانتماء السني في مناطق السنة الخالصة بالتوطين والهجرة التي أوعزت بها الدولة إلى أبناء طائفتها.

لعل ما يدفع إلى طرح المخاوف من انتشار التشيّع في الجزائر، هو النفس البطيء للسياسة الإيرانية في نشر مذهبها، فهي تتحرك وَفْق رؤى وخطط طويلة الأمد تمتد لسنوات طويلة، حتى تبدأ نتائج تحركاتها تطفو على السطح، ففي اليمن –مثلاً- بدأت منذ الثمانينيات في دعم حسين الحوثي مؤسس حركة الحوثي ووالده بدر الدين الحوثي، واستمرت في الدعم والمساندة لهم حتى عام 2014 عندما أسقطوا صنعاء تحت سيطرتهم، وأعلن مسؤول إيراني أن صنعاء هي العاصمة الرابعة التي وقعت تحت سيطرة طهران.

وقد انتشرت أخيراً، في بعض مساجد العاصمة الجزائر، كتيبات ومطويات شيعية، تحت عنوان «أدعية طواف وسعي»، تعلم المصلين كيفية الدعاء أثناء تأدية العمرة أو الحج، واللافت أن جزءاً من محتوى هذه المنشورات كتب باللغة الفارسية.

حجم التشيع

أمّا حجم التشيّع في الجزائر فهو ظاهرة حقيقية، باعتراف الكثير من فئات الشعب الجزائري، فقد بدأت تتوسع في ربوع الجزائر، بعد تشيّع المئات من الجزائريين، بينما يصرح بعض الأئمة والمطلعين على خفايا التشيّع بأن عدد المتشيّعين يصل إلى الآلاف.

أما أبرز الفئات التي تشيّعت فهي: الطبقة المثقفة، مثل: أساتذة الجامعات، وبعض الطلبة، مما يعني أن الذين يقفون وراء حركة التشيّع في الجزائر يريدون بناء نواة جزائرية؛ تكون قادرة على الأخذ بزمام المبادرة والتخطيط والتنفيذ.

أمّا من النّاحية الجغرافية، فقد عرفت الولايات الشرقية للجزائر مثل عنابة وباتنة وخنشلة، وبسكرة، والولايات الغربية مثل وهران وعين تموشنت وتلمسان، حركة تشيّع أسالت الكثير من الحبر في الصحافة الجزائرية، وعجّلت بظهور مواقع مختصة في دراسة وربما محاربة التشيّع بالجزائر، بعد أن صار للمتشيّعين مواقع إلكترونية يقودها شيعة الخارج، بسبب خبرتهم.

الموقف الرسمي

وعلى الرغم من أن وزارة الشؤون الدينية والأوقاف تحاول في كل مرة أن تقلل من مخاوف انتشار المذهب الشيعي في الجزائر، فإن عدداً كبيراً من المشاهد يضع الجزائر في قلق مستمر خشية نفوذ إيران فيها، والتي لن تكتفي بنشر التشيّع فقط؛ بل ستتطور الأمور إلى تشكيل كيانات مسلحة مشابهة لما حدث في اليمن ولبنان والعراق وسوريا.

وطلبت الحكومة الجزائرية منذ نصف شهر –تقريباً- من رجال دين وأئمة «الانتباه لخطر التشيّع» انسجاماً مع خطاب وزارة الشؤون الدينية، الذي تجدد على لسان الوزير محمد عيسى. وعُلم أن الطلب وجِّه شفهياً لمكتب الإفتاء في وزارة الشؤون الدينية والأوقاف.

ومن أبرز الشخصيات الشيعية في الجزائر، مواطن اسمه عبدالباقي، وهو أحد المرجعيات الشيعية، في مدينة قم، وكذلك محمد العامري وهو المشرف على شبكة الجزائر الشيعية. لا تتوافر أرقام رسمية حول عدد الشيعة في الجزائر، وبحسب مراقبين ما يزال الحضور الشيعي ضعيفًا في الجزائر مقارنة بذلك الحضور المسجل في بعض البلدان المغاربية.

لا يملك المشرف على شبكة «شيعة الجزائر»، أي إحصائيات أو أرقام على مدى انتشار التشيّع بين الجزائريين: «ليس هناك إحصاءات حديثة، وحتى إن كانت هناك إحصاءات فإنها تبقى سرا ولا تسلم لأي كان لأسباب يطول شرحها». غير أن بعض المراقبين يقدرون عدد الشيعة في الجزائر بالمئات، وهم منتشرون في أغلب مدن البلاد، كان عددهم لا يتجاوز العشرات في أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات، يمارسون شعائرهم وطقوسهم بحرية كإحياء الحسينيات وقيام المآتم مع بداية كل محرم إلى العاشر منه، دون أن يتعرضوا إلى أي نوع من المضايقات.

كما كان لوجود جاليات شيعية من العراق وسوريا ولبنان في الجزائر دور في انتشار المذهب بين أهل البلاد؛ حسب ما أشار إليه العامري: «إخوتنا العراقيون والسوريون واللبنانيون عندما كانوا في الجزائر كأساتذة ومدرسين، لعبوا دوراً في الدعوة وكانوا من الممهدين لقبول فكرة الولاء لمحمد وآله (صلوات الله عليهم)، وعندما اندلعت الثورة الإسلامية الإيرانية المباركة، وجد خط الإمام الخميني (قدس الله سره) أرضية خصبة لنشاطه في أرض الثورة والرفض»!

شيعة الجزائر
مظاهر التشيع في الجزائر آخذة في التصاعد