العراقيون يعاقبون الطبقة السياسية بأكبر عزوف عن التصويت
بغداد - أظهرت نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية العراقية السبت، إحجاما من الناخبين عن تجديد الثقة بالطبقة السياسية التي يتهمونها بالفساد وإنكار الوعود منذ 15 عاما، وتُرجم ذلك عزوفا عن التوجه إلى صناديق الاقتراع في أول تصويت تشريعي بعد دحر تنظيم الدولة الإسلامية.
ويفترض أن تحدد نتائج الانتخابات ما إذا كان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الذي وصل إلى منصبه في العام 2014 بتوافق ضمني أميركي إيراني، سيحتفظ بالسلطة، خصوصا أن الاقتراع تم وسط توتر إقليمي بين طهران وواشنطن على خلفية انسحاب الأخيرة من الاتفاق النووي مع الجمهورية الإسلامية.
وفي ختام العملية الانتخابية التي انتهت من دون تسجيل أي حادث يذكر، بدا أن نسبة المشاركة كانت ضعيفة، باستثناء إقليم كردستان ومدينة الموصل "عاصمة الخلافة" السابقة لتنظيم الدولة الإسلامية في شمال البلاد.
وأدلى 44.52 في المئة من أصل نحو 24.5 مليون ناخب بأصواتهم لاختيار 329 نائبا في مجلس النواب المقبل، بحسب ما أعلنت المفوضية العليا للانتخابات مساء السبت.
وتعد هذه النسبة الأدنى منذ سقوط نظام صدام حسن العام 2003 بعيد الغزو الأميركي للبلاد، إذ سجلت انتخابات العام 2005 مشاركة بنسبة 79%، و62.4% عام 2010، و60% عام 2014.
وأبدى الناخبون من كل الطوائف والمحافظات رغبتهم بالتصويت للنهوض مجددا بالبلاد وإقصاء "حيتان الفساد"، إذ تقع على عاتق البرلمان الجديد مهمة ضمان إعادة إعمار البلاد.
وإذا كان العراق قد حصل في مؤتمر المانحين في الكويت في شباط/فبراير الماضي على التزامات بقيمة 30 مليار دولار من حلفائه للنهوض مجددا بالبنية التحتية التي تعاني من الضعف الشديد، فإن تلك الأموال قد تذهب أدراج الرياح.
تأتي عملية التصويت أيضا في ظل توتر إقليمي، إذ ان العراق يعتبر نقطة تلاق بين عدوين تاريخيين، إيران والولايات المتحدة. فلطهران تأثير سياسي كبير على الأحزاب الشيعية في العراق وبعض المكونات التابعة لطوائف أخرى، فيما لعبت واشنطن دورا رئيسيا وحاسما في "الانتصار" على تنظيم الدولة الإسلامية.
وهنأت واشنطن العراق السبت على إجراء الانتخابات التشريعية، داعية إلى "تشكيل حكومة جامعة تلبي حاجات كل العراقيين، وضمن المهل الدستورية كي يتمكن العراق من مواصلة التقدم نحو مستقبل افضل يكون أكثر أمانا وازدهارا".
وتمت عملية التصويت بحسب قانون نسبي على أساس قوائم مغلقة ومفتوحة، وستُوزع الأصوات على المرشحين ضمن 87 لائحة في 18 محافظة وفقا لتسلسلهم داخل كل قائمة، لنيل 329 مقعدا برلمانيا.
وشهدت هذه الانتخابات سابقة، إذ انه للمرة الأولى لا تشارك الأحزاب الشيعية التي هيمنت على الحياة السياسية لـ15 عاما، في قائمة موحدة، بسبب صراع شرس على السلطة بين صقور الطائفة التي تشكل غالبية في العراق.
وينتظر أن تعلن النتائج الأولية للانتخابات خلال ثلاثة أيام من عملية التصويت. ورغم ذلك، فإن الانقسام الشيعي لن يغير في موازين القوى بين الطوائف في إطار نظام سياسي وضع بحيث لا يتمكن أي تشكيل سياسي من أن يكون في موقع المهيمن، لتجنب العودة إلى الدكتاتورية.
وتنافست خمس لوائح شيعية على الأقل، بينها تلك التي يتزعمها رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، وسلفه نوري المالكي الذي لم يتقبل فكرة إزاحته في العام 2014، إلى جانب هادي العامري أحد أبرز قادة فصائل الحشد الشعبي التي لعبت دورا حاسما في دعم القوات الأمنية خلال معاركها ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
وتبرز أيضا لائحتا رجلي الدين الشيعيين، عمار الحكيم الذي يتزعم لائحة تياره "الحكمة"، ومقتدى الصدر الذي أبرم تحالفا غير مسبوق مع الحزب الشيوعي العراقي في ائتلاف "سائرون".
حظر تجول في كركوك
أعلن محافظ كركوك العراقية حظر التجول السبت وأمر بإعادة فرز الأصوات يدويا في الانتخابات العامة قائلا إن النظام الإلكتروني لفرز الأصوات أصدر نتائج "غير منطقية".
وأعلن راكان الجبوري محافظ تلك المنطقة الشمالية الغنية بالنفط حظر التجول اعتبارا من منتصف الليل وحتى السادسة صباحا لمنع أي توترات عرقية أو طائفية بين الأكراد والعرب والتركمان.
ولم يدل الجبوري في بيانه بتفاصيل المشكلة المتعلقة بنظام فرز الأصوات.
وقال سكان ومسؤولون إن اشتباكات وقعت بين حزبين سياسيين كرديين في مدينة السليمانية الواقعة بشمال العراق وسط اتهامات بتزوير الأصوات في الانتخابات التي جرت يوم السبت.
وأضافوا إن إطلاق نار وقع بين الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يسيطر تاريخيا على المدينة وحركة التغيير الكردية المعروفة باسم غوران. ولم يشر السكان والمسؤولون إلى وقوع ضحايا.
وكانت حركة كوران وثلاثة أحزاب كردية أخرى قد اتهمت الاتحاد الوطني الكردستاني في وقت سابق يوم السبت بالتلاعب في الانتخابات.
وكان مسؤولون بالاتحاد الوطني الكردستاني قد قالوا إن حزبهم فاز بمعظم مقاعد الإقليم في الانتخابات البرلمانية العراقية حتى على الرغم من عدم إعلان النتائج رسميا.
ويواجه الأكراد خطر خسارة نحو عشرة من أصل 62 مقعدا حصلوا عليها في الانتخابات السابقة، بعد استفتاء على الاستقلال أجراه إقليم كردستان العراق في أيلول/سبتمبر الماضي، رغم معارضة الحكومة المركزية في بغداد.
وردا على ذلك، استعادت القوات العراقية السيطرة على محافظة كركوك الغنية بالنفط، وباقي المناطق المتنازع عليها والتي سيطر عليها الأكراد بحكم الأمر الواقع خارج الحدود الرسمية لمنطقتهم المتمتعة بالحكم الذاتي.
ودعا رئيس حكومة إقليم كردستان نيجرفان بارزاني بعد الإدلاء بصوته إلى الوحدة.
وقال بارزاني "إذا ذهبنا إلى بغداد منقسمين، ولم نتحد، فلن نصل إلى شيء".
أما بالنسبة إلى السُنَّة الذين ترشّحوا إلى الانتخابات من خلال أربع لوائح، فمن المفترض ان أن يلعبوا دورا مساندا في تشكيل الحكومة.