العقل الإسلامي.. بين الدين كمؤسسة والدين تعاليم الله
بقلم: سالم سالمين النعيمي
لا يُصلح البشر الدين، وإنما يُصلح الدين البشر، والدين هنا ليس المقصود به حصراً الدين الإسلامي في مخطوطات ووثائق ومراجع وعلماء ومشايخ وتفسيرات ومفاهيم مرتكزة على القول بوجود وحدة أصلية بين التراث المكتوب والنص السماوي المحفوظ، وبين القول إن الإنسان مفطور على أخلاق التوحيد ومعانيه، ولذلك لا بد من إخضاعه للدين الإسلامي، وكيف نقول إن الإسلام دين الفطرة وقد اختزل القرآن الكريم الفطرة وماهيتها للمسلم، ومن ثم نقول في مفارقة كبرى إن فطرة المسلم بحاجة لكهنوت يؤطر لها ولا تقوم ولا تصلح من دونه والخروج من إطار قدسية النص إلى هيمنة وسيطرة التأويل الذي احتل حيز الدين وحوله من البساطة للتعقيد وجعله مادة علمية، وتأسيس علوم تجعل التاريخ هو الحاضر الأكبر في الإحكام والتشريعات وعلاقة مفتوحة بين القرآن والتاريخ، وصولاً إلى إسلام يبحث عن مسلمين.
مما لا شك فيه وجود فجوة في صناعة الدين والدين كمؤسسة، وبين الدين في أكمل صوره والمتمثلة في تعاليم الله بين دفتي القرآن، وذلك يعود لتداخل الدين والسياسة وغياب الحوار بين من فهم وفسّر النص القرآني وجعل فهمه جزءاً أصيلاً من الدين ورحل عن الحياة منذ مئات السنين، وبين الشارع المسلم اليوم وعبر القرون، والجدار الذي شيد بين الُملقي والمتلقي من خلال وسطاء ليس لهم حصر جعلوا الدين وفهم النص من خلال مؤلفاتهم لشرح فهم مرجعهم الذي في الأساس بينه وبين المسلمين فراغ زمني وفكري شاسع، ونشر وهم أن فهماً مُعيناً هو أكثر إيماناً والأقرب للصفاء والنقاء الديني، ومن ثم نستغرب من أين جاء الإرهاب والتطرف، وكيف أن شيوخاً قد رحلوا من مئات السنين لا يزال فكرهم حاضراً كالشيخ ابن تيمية وأهميته الاستثنائية كون الرجل يقيم بقوة بين ظهرانينا اليوم، على رغم مضي ثمانية قرون على وفاته بالجسد، بينما تداعيات فهم وتفسير فكره قائمه بيننا تقود المنظومة الفكرية للتيارات المتعصبة اليوم.
في الغالب لا يشغل تفكير المسلم مدى صحة ما تم تدوينه وتداوله من كتب التراث الإسلامي وهو يقر بصحته بالتبعية! ناهيك عن الاعتقاد الأعمى بأن الرموز الدينية التراثية فوق النقد والقراءات للنص القرآني تعادل تشريعات، والاختلاف في التأويل رحمة، والقول بحديث «إن اختلاف أمتي رحمة» وهو حديث متداول جداً، بين الناس وهو ضعيف. وقد بنيت عليه منظومة ثقافة دينية كاملة نعاني من ويلاتها في وقتنا الحاضر، وبالمقابل فإن قبول التجديد في فهم الدين يبدأ من داخل الإنسان كضرورة للانسلاخ التدريجي من الأفق الأنطولوجي الضيق الذي يدعونا إلى العودة عبر الذاكرة وتطبيق فهم حصري للنص الذي له سبب نزول واضح ومحيط معلوم.
فهل نستطيع أن نقرأ التراث الإسلامي ومنتج المدارس الإسلامية والرموز التاريخية بعيداً عن زمن إنتاج النص؟ أم ربطه بزمن المسلم اليوم ومعضلة وصفه بالرجعية، وكأن القِدم متلازم مع التخلف، وكل ما هو حديث هو الأنسب والأصلح بعيداً عما ينفع البشرية اليوم وفي المستقبل. فعندما نضع قواعد محددة لفهم الدين، ونقول إن فئة مختارة لها الحق أن تفهم النص القرآني فنحن نعطيها قوة خارقة، والحكمة يأتيها الله من يشاء وليست مسألة شروط وأحكام. وقد حدد الله في كتابه ما معنى أن يكون الإنسان مؤمناً، ولا يوجد نص واحد يدعو المسلم أن يتبع مذهباً أو شيخاً، وهو ليس الأصل في الإسلام؟
هل أراد الله للقرآن أن يكون نصاً فوقياً لا تفهمه غير قلة قليلة من الناس، وكمسلمين لا بد من إعادة برمجتنا وأن نتساءل هل القرآن الكريم المحكمة آياته والمفصلة من لدن خبير عليم، لم تفصل فيه وتبين فيه، حسب ما ذكره رب العزة، الآيات التي فيها خير البشرية، ويدخل الإنسان الجنة بصورة واضحه لا لبس ولا اشتباه فيها؟
فالانقسام الذي حدث بين المسلمين عبر العصور، وما يزال قائماً وسيستمر، حدث بسبب تراث كُتب خلال الأزمات التي مر بها المسلمون منذ البداية ومن ينتصر لهذا أو ذاك من موت الرسول ليومنا هذا. والشرخ الذي حصل شكّل الوعاء العام الذي أنتج من خلاله المسلمون معظم علومهم، وهي حقيقة اتصال الموروث الإسلامي بانقسام المسلمين، وكلاً ينفي الآخر، وكل فئة لا تعترف بأن الآخر إسلامه كامل وصحيح.