سمير أمين و"ما بعد الرأسمالية المتهالكة" 

المفكر المصري الراحل: النظام الإشتراكي هو الذي سيسود العالم بعد انهيار الرأسمالية، وستتم عملية الانتقال انطلاقاً من العالم الثالث.
فك ارتباط الثقافة العربية المشرقية المرتبطة بالدين الإسلامي والتي تعتبر بنظر الناس مقدسة
يجب أن يصبح الهدف الرئيسي هو النضال من أجل تأسيس جبهة أممية من العمال والشعوب لمواجهة زحف الرأسمالية الأمبريالية

بقلم: عبدالجبار نوري

سمير أمين مفكك الرأسمالية وصاحب نظرية "التطور اللامتكافيء" التي صاغها في سبعينيات القرن الماضي محاولاً تفسير تخلف المنطقة العربية، ومنها مصر، ويهدف للخروج من مأزق الجمود والتخلف بتطبيق وبناء الإشتراكية، ويستنتج المفكر الفذ: أن النظام الإشتراكي هو الذي سيسود العالم بعد انهيار الرأسمالية، وستتم عملية الانتقال انطلاقاً من العالم الثالث أي أطراف المركز الرأسمالي العالمي. 
هكذا كان الإعلام المصري والعربي والدولي يحاكي هذا المفكر العبقري اللامع، من مواليد 1931 الإسكندرية، وحاصل على شهادة الدكتوراه عام 1956 من جامعة السوربون وهو أحد المفكرين الكبار الذي أثرى مجاله بإنجازاتهِ التي تزيد على 30 منجزا، ستظل علامات مضيئة في ذاكرة التاريخ.
ترك سمير أمين العديد من الدراسات والكتب العلمية والفكرية التي تعد مراجعَ إقتصادية وعلمية للباحثين في الشؤون الإقتصادية والعربية منها على سبيل المثال لا الحصر: ما بعد الرأسمالية المتهالكة، الإقتصاد السياسي للتنمية، في نقد الخطاب العربي الراهن، ثورة مصر، مذكراتي القومية وصراع الطبقات، أزمة الإمبريالية أزمة بنيوية، المادية والتحريفية، حول الدين والدولة، ويمكن استخلاص جهودهُ وعطاءاتهُ في منجز تحريك جمود النظريات الإقتصادية التقليدية ووضع حلول في تفكيكها وترويضها لخدمة الفقراء والكادحين في مصر والعالم.

أولى ظواهر التهالك: هي تلك الآثار البعيدة المدى للثورة العلمية والتقنية الجارية، وثاني ظواهر التهالك: أنهُ لم تعد الإمبريالية الجماعية الفاعلة على مجمل النظام العالمي تسمح بمتابعة التطور الرأسمالي والتابع لعدة أطراف

هو مفكر يستحق بجدارة لقب الماركسي النقدي المجدد والتجديدي، لأنهُ يدعو في كتابهِ هذا إلى التخلص من تعريف الرأسمالية بأنّها نيولبرالية معولمة، وأن القطاعات المسيطرة على رأس المال ليست تمثل اقتصاد السوق بل تمثل رأسمالية تجمعات احتكارات مالية، وكان أميناً ووفياً للمادية الجدلية بيد أنّهُ (تحامل) على التجربة السوفيتية وبشكل عرضٍ فلسفي بأنّها مجرد (رأسمالية دولة) أي أداةٍ دولتيةٍ للمجتمع وقد اختلفت شخصياً معهُ والكثيرين من الماركسيين معي ولكن لا مجال في تفنيد هذا المعتقد لأن كل مرحلة تأاريخية لها خصوصيتها، وتفرز تناقضاتها وصراعاتها وتحوّلْ قواها. 
سمير أمين تنبأ بفشل ما يسمى بالربيع العربي مباشرة بعد بداية أحداثهِ مستنداً إلى قراءاته العميقة للحركات الأسلامية ودورها السلبي في المنطقة، فهو إشتراكيٌ يرى استحالة تحقيق النمو الأقتصادي في بلدان العرب بأتباع النموذج الرأسمالي الغربي الآن، أي اندماج في هذا النظام الرأسمالي يؤدي إلى تعميق تخلف المنطقة.
والذي دفعني أن أكتب عن هذه القامة الشامخة هو خبر رحيله المفاجيء، اندهشتُ وأنا أقرأ مقالتهُ المنشورة على صفحات موقع "الحوار المتمدن" والموسومة بـ: "مرور مئة عام على رحيل ماركس" فأخذتُ كتابهُ المشهور "ما بعد الرأسمالية المتهالكة" لأقرأهُ للمرّة الثانية، ولكن هذه المرّة بحماس واهتمام شديدين ربما لشعوري بالأسى على فقدان أحد أساطين الاقتصاد السياسي.

كتاب "ما بعد الرأسمالية المتهالكة" تأليف الدكتور سمير أمين هو من أهم مؤلفات الكاتب وأكثرها رواجاً، وضح فيه نظريته وقانونهِ في موضوع (اللامتكافيء) هو أن النظام الاشتراكي هو الذي سيسود العالم بعد انهيار الرأسمالية. وللتوضيح أكثر يقول: ستتم عملية الانتقال انطلاقاً من العالم الثالث بصفتهِ يشكل أطراف النظام الرأسمالي العالمي الذي يزداد فيه الفقر والبطالة والبؤس ستقع فيها حتماً ثورة إشتراكية لأن بلدانها غير صناعية، وهنا يناقض ماركس الذي يؤكد: كلما توسعت فيها الرأسمالية أكثر فأكثر يكون حتما متطور صناعياً، ووظف سمير في كتابه هذا استثمار آرائه في المجال الأقتصادي إلى المجال الثقافي حين يجعل ثقافتنا مرنة غير منغلقة يمكنها أن تخرجنا من عنق الزجاجة التي نعيشها اليوم في صراعات ترقى للحروب الأهلية الهوياتية الطائفية. 
هو يثير في الكتاب موضوعا حساسا قابلاً للجدل والتصادم الذي هو: {فك ارتباط الثقافة العربية المشرقية المرتبطة بالدين الإسلامي والتي تعتبر بنظر الناس مقدسة التي ترفض كل جديد وتنظر إلى الثقافات الأخرى باستهجان ربما أحيانا تتهم أصحاب هذا الرأي بالكفر والإلحاد اعتقادي أنها ثورة أصلاحية للأمين تذكرني بآراء المصلح الديني السوداني (محمود محمد طه) الذي أتهم بالكفر وأعدم على يد النميري بتأييد من الأزهر الشريف، وهذه هي ظواهر التأكل:
-انهيار السلام العالمي بعد حرب الخليج 1993 وأحداث سبتمبر/أيلول 2001 .
- احتكار الثروة في يد فئة قليلة مقابل انتشار الفقر على المستوى العالمي أن 20% من سكان العالم يحتكرون 80 % من ثرواتهِ، وأن العالم الأسلامي كان يسودهُ رأسمالية تجارية مزدهرة لكن هذه الرأسمالية لم تستطع الانتقال إلى رأسمالية صناعية.
- تراجع الديمقراطية في معظم الدول، والكتاب يكذب وعود الليبرالية ومزاعمها وذلك لأن منظري الرأسمالية يدعون بأنها ظواهر عابرة، والصحيح أن القطاعات المسيطرة على رأس المال هي الأمبريالية الرأسمالية.
- وتعرض العالم لأزمات مالية متكررة تعكس أزمة حقيقية في الإقتصاد العالمي وهو فعلا انحراف مالي أدى إلى شلل النمو والبنية الإنتاجية وركود نسبي في الإنتاج. 

بعض الحلول الموضوعية للوضع الراهن
انتقال طويل 

- تراجع مداخيل العمال وارتفاع نسبة البطالة والمزيد من الهشاشة الاجتماعية وتعميق الفقر في دول جنوب الكرة الأرضية، واضمحلال ثروات الكوكب بشكلٍ تدريجي واضح فالدول الغنية يسكنها 15% من سكان العالم تستحوذ على 85% منن ثروات الأرض. 
- ويشير المؤلف إلى أن خلال العقدين من القرن العشرين بدأ الخطاب النيولبرالي بالتعثر، فخلال بضع سنوات تآكلت أكثريات التجمعات الرأسمالية وتضخمت بانهيار الأسطورة السوفيتية.
-  ويقول المؤلف في الفصل السادس من الكتاب: {ما نشهدهُ اليوم من علامات مؤشرة على تهالك الرأسمالية وضرورة انتهاج الإشتراكية كضرورة موضوعية للإنسانية برمتها أن انتهاج الطريق هو انتقال طويل لا مجرد بناء منجز للإشتراكية هنا وهناك، وأولى ظواهر التهالك: هي تلك الآثار البعيدة المدى للثورة العلمية والتقنية الجارية، وثاني ظواهر التهالك: أنهُ لم تعد الإمبريالية الجماعية الفاعلة على مجمل النظام العالمي تسمح بمتابعة التطور الرأسمالي والتابع لعدة أطراف} .
ويضع المؤلف بعض الحلول الموضوعية للوضع الراهن:
إعادة إيجاد تنظيمات مناسبة وكافية من العمال، ممارسة ديمقراطية لها علاقة وطيدة ومؤثرة بالتقدم الأجتماعي وسيادة الشعوب، التحرر من فيروس أسطورة  تمجيد الفرد بل المطلوب البديل الجماعي المشارك الفعلي في العملية السياسية، رفض أنماط الحياة المرتبطة بالرأسمالية البطريركية الذكورية والنزعة الأستهلاكية المتجهة نحو تدمير الكرة الأرضية، التحرر من ملف شمال الأطلسي ذات النزعة العسكرية الملازمة لهُ التي ترغم الشعوب بقبول (الأبرتهايد) للتمييز العنصري على الصعيد العالمي، السيادة الوطنية على الأسواق المالية والنقدية والإشراف المباشر على التكنولوجيا الحديثة، تغيير مسار احتكار (منظمة التجارة العالمية) التي هي تحت السيطرة العسكرية للولايات المتحدة الأميركية، أممية العمال والشعوب تمثل الضمانات الوحيدة لإعادة بناء عالم آخر أفضل متعدد الأقطاب ديمقراطي الذي يقدم بديلا وحيدا لبربرية الرأسمالية المتهالكة من أجل أشتراكية القرن الواحد والعشرين هو المطلب الرئيسي الضروري للشعوب في هذه الظروف المعقدة والآيلة إلى التهالك وحسب رأي المؤلف: يجب أن يصبح الهدف الرئيسي هو النضال من أجل تأسيس جبهة أممية من العمال والشعوب لمواجهة زحف الرأسمالية الأمبريالية.
كاتب وباحث عراقي مقيم في السويد