الحشد يلوح بالنزول لشوارع البصرة بعد حرق القنصلية الإيرانية

قيادة الحشد الشعبي الذي يضم فصائل شيعية موالية لإيران تحذّر من أنه سيتعامل مع "المخربين" كما تعاملت مع تنظيم الدولة الإسلامية.

هدأت الاحتجاجات في البصرة ولم يهدأ الغضب
وعود الحكومة لم تفلح في احتواء التوتر
أهالي البصرة فقدوا الثقة في الأحزاب السياسية والنخبة الحاكمة منذ 15 عاما

البصرة (العراق) - لوّحت قيادة هيئة الحشد الشعبي في محافظة البصرة اليوم السبت بالنزول إلى  الشارع لحفظ الأمن في المحافظة النفطية التي تشهد موجة احتجاجات متنامية أحرق خلالها المتظاهرون مقار حكومية وأخرى لأحزاب شيعية موالية لإيران.

وقالت الهيئة في بيان نشرته على صفحتها بفايسبوك وفي تغريدة على تويتر "سنتعامل مع من يريد أن يسيء للبصرة وشعبها ومقرّات الحشد كما نتعامل مع داعش (تنظيم الدولة الإسلامية)".

وأضافت أن "الوضع الأمني في البصرة يحتم علينا النزول إلى الشارع لحفظ الأمن في المحافظة".

وجاء في بيان الهيئة أيضا "بعد إعلان أهالي البصرة براءتهم من هؤلاء المندسين وإعلان شيوخ العشائر الشرفاء بأنهم لا يمثلون العشائر الشريفة الوطنية ورغم انشغالنا في جبهات القتال بتطهير ذيول وجيوب الدواعش في المناطق الساخنة إلا أننا نرى أن وقف انفلات الوضع الأمني والحفاظ على أرواح المواطنين واجب شرعي وإنساني ووطني مقدس وهو يحتم علينا النزول إلى الشارع لحفظ البصرة".

وأكد البيان أن "هؤلاء المندسين الذين يحرقون ويخربون ويدمرون المؤسسات والبنى التحتية في محافظة البصرة ويحاولون إشاعة الفوضى وإيقاف عجلة الحياة هم خارجون عن القانون تحرّكهم أطراف خارجية خبيثة".

وحذرت قيادة الحشد الشعبي الذي يضم فصائل شيعية موالية لإيران "كل من صنع الفتنة من خارج العراق باستهداف قنصلياتهم ومخابراتهم وأنّ يد الحشد تطال الجميع".

وكانت هيئة الحشد تشير إلى حرق القنصلية الإيرانية في البصرة بالكامل وأيضا إلى إحراق العلم الإيراني ودوس صور الرموز الدينية والسياسية الإيرانية ومنها صور للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية اية الله علي خامنئي.

وفرضت قيادة العمليات في محافظة البصرة اليوم حظرا للتجوال هو الرابع من نوعه منذ السادس من سبتمبر/ايلول بعد تفاقم الأوضاع الأمنية في المحافظة على خلفية انطلاق مظاهرات شعبية تطورت أحداثها إلى إحراق المباني الحكومية ومقار الأحزاب الشيعية الكبرى ومقر القنصلية الإيرانية ومنازل المسؤولين.

وأصدرت قيادة العمليات المشتركة العراقية أوامر عسكرية بتخويل القوات الأمنية بالتعامل بحزم مع أعمال الشغب التي رافقت التظاهرات وحماية المؤسسات العامة والخاصة واتخاذ الإجراءات المناسبة لفرض القانون.

وألزمت الأوامر "القوات الأمنية باتخاذ الإجراءات القانونية الشديدة وأهابت قيادة العمليات بالمواطنين التعاون مع القوات الأمنية التي تحرص على أن توفر الأمن وحماية الخدمات وتأمين بيئة ناجحة للمشاريع الخدمية والاستثمارية والابتعاد عن أي تجمع يستهدف التقرب من المؤسسات وعدم التجمع والتنقل بمجموعات من منطقة إلى أخرى والالتزام بالتوصيات الأمنية الاستثنائية".

وفشلت الحكومة العراقية في نزع فتيل الأزمة رغم جلسات استثنائية وبيانات طارئة ووعود بالحل في بغداد.

ولا يرى المتظاهرون في المحافظة الجنوبية الغنية بالنفط في تلك المحاولات إلا "تكرارا مضحكا" للوعود التي لا تسمن ولا تغني عن جوع.

ولم تشهد المدينة السبت تظاهرات. وبدت الحركة طبيعية في الشوارع، لكن الغضب لم يهدأ وبدا واضحا أن الناس لا يعلقون أي آمال على جلسة مجلس النواب.

وقال منسق تجمع شباب البصرة منتظر الكركوشي الذي يشارك في التظاهرات منذ انطلاقها قبل شهرين إن "مثل هذه البيانات والجلسات لا يمكن أن تهدئ الشارع البصري".

وأضاف الناشط البالغ من العمر 30 عاما أن "الشارع ينتظر إجراءات فعلية على أرض الواقع. مخرجات جلسة مجلس الوزراء مضحكة ومكررة. البصرة لم تستلم الأموال ولم تنفذ فيها مشاريع ولا يزال الماء مالحا، ولا تزال من دون خدمات. هي تنزف".

ومنذ بداية يوليو/تموز، خرج الآلاف في البصرة في البداية، ثم في كامل الجنوب العراقي، في تظاهرات ضد الفساد وانعدام الخدمات العامة والبطالة التي زاد من سوئها العام الحالي الجفاف الذي قلص الإنتاج الزراعي بشكل كبير.

لكن الأمور اتخذت منحى تصعيديا اعتبارا من الثلاثاء على خلفية أزمة صحية غير مسبوقة في البصرة، حيث نقل 30 ألف شخص إلى المستشفى تسمموا بالمياه الملوثة.

ودعا العبادي حكومته إلى جلسة طارئة أصدر على اثرها بيانا من سبع نقاط وعد فيه بتأمين ما يلزم لحل الأزمة في المحافظة.

وعقد البرلمان العراقي في بغداد السبت جلسة استثنائية بحضور رئيس الوزراء حيدر العبادي وبعض من وزرائه مخصصة لمناقشة الوضع في البصرة بعد أن أسفرت الاحتجاجات عن مقتل 12 متظاهرا من دون أن تعرف ملابسات قتلهم.

وانصرف سكان البصرة اليوم السبت إلى أعمالهم ولم يتسمروا أمام محطات التلفزة لمتابعة الجلسة التي شهدت نقاشا عقيما وتصعيدا سياسيا.

ومع افتتاح الجلسة، قال العبادي أمام 172 نائبا حضروا من أصل 329، إن "البصرة عامرة وتبقى عامرة بأهلها والخراب فيها هو خراب سياسي"، في محاولة منه للإشارة إلى أن المشكلة ليست وليدة اللحظة، بل نتيجة سيطرة عدة أحزاب على مفاصل الحياة اليومية في المحافظة ذات الغالبية الشيعية.

واعتبر رئيس الوزراء أن "مطالب أهل البصرة هي توفير الخدمات ويجب أن نعزل الجانب السياسي عن الجانب الخدمي".

لكن سرعان ما أتته الإجابة من محافظ البصرة الذي رد بالقول إن "الحديث الذي سمعته وكأنه لا يوجد شيء في البصرة. إذا لماذا نجلس؟".

وأضاف العيداني الذي استلم منصبه قبل عام أن "البصرة تحترق. بيوتنا احترقت ومنشآتنا احترقت. المحافظة مديونة بـ160 مليار دينار وحتى اليوم لم نسدد الديون".

فعاد العبادي ورمى الكرة في ملعب العيداني قائلا إن "فشل المحافظ ومجلس المحافظة ذريع".

وقال مسؤول رابطة حقوق ذوي الشهداء في البصرة وليد الأنصاري (36 عاما) "الجلسة لم تقدم ولم تؤخر. البصرة ليست قضية ماء وكهرباء فقط".

وأضاف "الشعب مصدر السلطات. الناس اليوم أصبحوا واعين ويرون أن الأحزاب هي سبب خراب البلاد. لو أرادوا إثبات حسن النوايا، فليستقيلوا. عرفناهم 15 عاما لم يوفروا شيئا للمواطن، فما الذي سيفعلونه خلال عام أو عامين؟".

وكان المتظاهرون أقدموا على إحراق كل ما يعتبرونه رمزا للسلطة التي يرونها فاسدة وفوق القانون، بدءا من مبنى المحافظة في وسط المدينة، مرورا بمقار الأحزاب السياسية والجماعات المسلحة المسيطرة في هذا المعقل الشيعي، وصولا إلى القنصلية الإيرانية المحصنة.

لكن الكركوشي يعتبر أن المسؤولية في ما حصل "تقع كاملة على عاتق رئيس الوزراء".

وقال "عليه إحالة القادة العسكريين إلى المحاكم العسكرية فورا، وإعلان من أمر بإطلاق النار على المدنيين وإشعال الشارع وتحويل المسار إلى تصفية حسابات سياسية. هم من أشعلوا الشارع".

ويتهم المدافعون عن حقوق الإنسان الشرطة بإطلاق النار على المتظاهرين، في حين تشير السلطات إلى "مخربين" تسلّلوا بين المحتجين، مؤكدة أنها أمرت الجنود بعدم إطلاق النار.

ورغم أن المتظاهرين قرروا تعليق التظاهر السبت، لإثبات أن لا علاقة لهم بعمليات التخريب، فذلك لا يعني التنازل عن الحقوق، بحسب قولهم.

وقد أكد الأنصاري أن "مطالبنا واضحة. نريد تغييرا جذريا، لا نريد من ينظر إلى البصرة فقط على أنها برميل نفط".