إيران.. اليسار والليبراليون مكنوا الخميني من الحكم

اليسار والجناح اليسارى لليبراليين عموما شكلوا التيار الرئيسى الذى صنع الثورة على الشاه ومن رموز هذا التيار شاه بختيارى آخر رئيس وزراء عينه الشاه قبل إسقاطه والمهندس مهدي بازركان  رئيس حزب الجبهة االوطنية الذى أسسه محمد مصدق وأول رئيس وزراء في حكومة الثورة.

بقلم: رياض حسن محرم

قامت الثورة الإيرانية فى العام 1979، ليس هناك خلاف على أن القيادة كانت بيد آية الله الخومينى وبجانبه بقية العمائم السود والبيض لأئمة الله سدنة المذهب الشيعى، ولكن كانت القيادات الوسطى والأصغر المحرّضة للجماهير هى من تنظيمات اليسار المختلفة ومن أهمها حزب تودة الشيوعى وتنظيمى مجاهدى خلق وفدائيي خلق اليساريتان.

يحكى السيد على هاشمى رفسنجانى أحد القيادات الشيعية البارزة فى مذكراته قائلا (حينما دخلت الى الزنزانة "بعد حفلة تعذيب"، قام أحد رفاق السجن بإحضار كوب ماء بارد لى، وبعد أن عرّفنى بنفسه علمت أنه "على خاورى" سكرتير حزب توده الشيوعى آنذاك، ثم يحكي رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية الأسبق، علي هاشمي رفسنجاني، عن ذكرياته مع الشيوعي علي خاوري، رفيقه في التعذيب والسجن تحت حكم الشاه.

 في ذلك الوقت، وبشهادة رفسنجاني، كان أغلبُ المعتقلين من الشيوعيين، وكانت العلاقات بين الإسلاميين والشيوعيين في سجون الشاه تلفّها السكينة والمودة، وتبادل النكات والحكايات، واقتسام فرص الحياة والموت، والاستفادة من الخبرات المتبادلة في دهاليزالمعتقل. حين ينامُ الجلاد، تجلجل في السجن أصوات الضحكات والحكايات"، كانت ذلك هو ديدن العلاقة بين الطرفيين فى سجون الشاه وفى البازار والشارع والمصانع ومختلف مناحى االحياة قبل الثورة، لذا فليس مستغربا أن تجمع تلك العلاقات الحميمية بين الخومينى ذلك القائد الإسلامى الذي يتبنى الجانب الثورى المقاتل فى الفكر الشيعى وبين الحركة الثورية بمختلف تلاوينها فى إيران وأثناء وجوده الطويل بالعراق جمعته علاقات قوية بقادة الحزب الشيوعى العراقى ودارت بينهم حوارات معمقة وكثيرا ما قال لهم مداعبا "أريد أن أصالحكم مع الله".

لن ينسى العديدَ من النّاس مشهد قدوم الخميني إلى طهران، حيث هبط من الطائرة رِفقة أبي الحسن بني صدر، ا(لقومي الإيراني، المتأثر بتجربة الرئيس اليساري الديمقراطي محمد مصدّق، الذي دبّرت الولايات المتحدة الأمريكية انقلاباً ضدّه بسبب سياساته الاقتصادية المستقلة)، وبحسب شهادة الصحافي الفرنسي إيريك رولو، فقد كانتْ تجمع الرّجلين، الخميني وبني صدر علاقةٌ متناغمةٌ للغاية حينها، قبل أن يهرب بنى صدر من جحيم الخومينى فى زى إمرأة، لقد شكّل الشيوعيون " واليسار والجناح اليسارى لليبراليين عموما" التيار الرئيسى الذى صنع الثورة على الشاه ودفع دماؤه رخيصة من أجل انتصارها، ومن رموز هذا التيار شاه بختيارى، الذي كان آخر رئيس وزراء عينه الشاه قبل إسقاطه، والمهندس مهدي بازركان ( رئيس حزب "الجبهة االوطنية" الذى أسسه الزعيم الوطنى محمد مصدق) الذي أصبح أول رئيس وزراء في حكومة الثورة؛ وتيار يساري ضمّ فصائل اليسار بشتى مشاربها، التي وصل عددها إلى 24 فصيلاً من بينها ماركسيين، واشتراكيين، ويساريين إسلاميين وليبراليين اجتماعيين، وقد كانت دوافعهم تتمثل في الثورة الاشتراكية لصالح الطبقات المحرومة، ومن رموزه نور الدين كيانوري، رئيس حزب تودة الشيوعي ومسعود رجوي، رئيس منظمة مجاهدي خلق. وجدير بالذكر هنا أنّ الشيوعيين كانت لديهم الرؤى الأكثر راديكالية بين كل هؤلاء، من قبيل تشكيل جماعات فدائية لمهاجمة رجال السافاك الإيراني "جهاز الاستخبارات الإيراني الذي كان الأسوأ سمعة بين أجهزة الدولة".

لقد كان“فقراء المدن” هم أول الشرائح الاجتماعية التي أشعلت فتيل الثورة. ففي يونيو 1977، وعندما حاولت الشرطة إزالة الأكواخ السكنية الفقيرة حول طهران (عاصمة إيران) التي رأى الشاه أنها لا تتناسب مع عظمة عاصمته “الإمبراطورية الهمايونية"، اندلعت انتفاضة عارمة، واستمرت المواجهات الدامية بين الشرطة والفقراء ساكنى تلك العشش لأكثر من شهرين، ولم تهدأ إلا مع تراجع النظام عن خططه، و في نوفمبر، بدأ الكتاب والمحامون والأكاديميون ينظمون ندوات شعرية شعبية سرعان ما أصبحت محورًا للمعارضة الليبرالية.

أما الملالي، فقد ظهرت مشاركتهم النشطة في الحركة المعادية للشاه في ديسمبر 1977 حيث راحوا – تحت قيادة آية الله الخميني من منفاه في العراق وقتذاك من خلال الشرائط المسجلة – يحرضون على التظاهر والتمرد ويطالبون بسقوط الشاه، وكانت شبكة رجال الدين المنظمة جيدًا من خلال المساجد على صلة وثيقة بـ”البازار” (المؤسسة التقليدية التي يندرج في ظلها الحرفيون والتجار والممولين الصغار والمتوسطون في إيران( وقد حاول الشاه أن يتخذ من هذه الفئات كبش فداء للأزمة الاقتصادية الطاحنة التي عصفت بإيران منذ منتصف السبعينات حيث اتخذ ضدهم العديد من الإجراءات الاقتصادية وكذلك البوليسية، ومن هنا استطاعت القيادة الدينية أن تلعب دورًا بارزًا في قيادة وتوجيه المعارضة المتزايدة لهذه الفئات البرجوازية الصغيرة طوال النصف الأول من عام 1978، وذلك من خلال الدعوات المتواصلة للتظاهر والمطالبة بسقوط الشاه وعودة دستور 1905 شبه الليبرالي.

وفي نوفمبر 1979 قام “حزب الجمهورية الإسلامية” بدفع الطلاب الموالين له (وكانوا في ذلك الوقت أقلية صغيرة بالمقارنة بالطلاب المؤيدين لليسار) لعملية احتلال السفارة الأمريكية واحتجاز الرهائن داخلها، مسببين بذلك مواجهة كبرى مع القوة الإمبريالية الأعظم في العالم، واقترن بهذا التحول نمو موقف جذري معادي للإمبريالية وتجذير لسياسات حزب الجمهورية الإسلامية داخل أماكن العمل.

 فبعد أن كان الحزب يدافع عن أغلب المديرين القائمين ضد المجالس المصنعية التي كونها العمال، أصبح يحرض على التخلص منهم – ليس بالطبع لكي تنتزع المجالس المصنعية سلطتهم، وإنما لكي يتم استبدالهم بمديرين إسلاميين متشددين مستعدين للتعاون مع “المجالس الإسلامية” التي تأسست لتفويض المجالس المصنعية المنتخبة ديمقراطيًا من جانب العمال، وصار ينظر للطلاب الإسلاميين المتشددين الموالين للخومينى الذين اقتحموا أبواب السفارة الأمريكية كأبطال يقودون العمل الثوري، بعد أن كانوا يعتبرون رجعيين على هامش الحركة الطلابية اليسارية الميول.

ملخص مقال
عن الإمام الخوميني واليسار الإيراني