الإلحاد.. في الإسلام السياسي

انتشار ما يوصف بالإلحاد كتعبير عن موقف رافض لسياسية الأحزاب الدينية وبهذا فلا دليل على انتشار ظاهرة الالحاد بل هناك انتشار لإشاعة يراد منها ترهيب الرافضين للواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي خصوصا في الدول التي تقودها أحزاب دينية.

بقلم: نوري حمدان

يدور الحديث في الايام الاخيرة بين بعض السياسيين وناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي عن انتشار ظاهرة الالحاد بين الشباب في العراق والدول العربية، منهم من يحذر ومنهم من يبرر، ما اضطر وسائل الاعلام لفتح هذا الملف الحساس في برامج مختلفة، يخضع نوعها بحسب توجه المؤسسة الاعلامية.

المبررون يقولون، إن انتشار الإلحاد خاصة بين الشباب، بسبب الفساد الحكومي، وانتشار التكنولوجيا في كل مظاهر الحياة. في حين اعتبره آخرون أنه ليس "إلحادا حقيقياً" بل ردة فعل على الاحزاب السياسية الدينية.

أما المحذرون يستشهدون بتغريدة عزت الشابندر القيادي في ائتلاف دولة القانون الذي تزعمه حزب الدعوة الاسلامي، نشرها على حسابه الشخصي في (تويتر)، قال فيها "اضافة إلى مشاكل الخدمات وفقدان الأمن واتساع رقعة الفقر وشيوع السرقة وتزوير الانتخابات وغياب مؤسسات الدولة واستغلال السلطة و قيمومة الفاسدين إلى اخره من بركات عِجاف السنين، ظهور ما هو اخطر كانتشار موجة الالحاد وتعاطي المخدرات والشذوذ والابتعاد عن منظومة جميع القيم".

وهناك رأي ثالث يعتبر الأمر مجرد رفض لسياسة الاحزاب الدينية في ادارة الدولة (سياسيا واقتصاديا واجتماعيا)، وليس إلحادا حقيقيا وأيديولوجيا.

هذا كله يقودني لطرح عدد من الأسئلة: هل انتشر الإلحاد فعلا؟ وهل هناك من يدعي الالحاد ويدعو اليه؟ ومن هو المستفيد من إشاعة انتشار الالحاد في العراق والدول العربية؟ وحتى نجيب على ما سلف من الأسئلة علينا أن نتعرف على ماهية الإلحاد، وشكل النظم السياسية التي تقود العراق والدول العربية؟

الإلحاد: هو مصطلح عام يستعمل لوصف تيار فكري وفلسفي يتمركز حول فكرة إنكار وجود خالق أعظم، أو أية قوة إلهية بمفهوم الديانات السائدة، وببساطة شديدة فإن الإلحاد يعني إنكار وجود الله بحجة عدم توافر الأدلة العلمية على وجوده.

النظام السياسي: ان الدول العربية تعرف بأنها إسلامية، ولا تسن قوانين تعارض الشريعة، مع مراعاة التنوع في بعض البلدان، أما الاحزاب او العوائل الحاكمة بحسب نوع الدولة (جمهورية ام ملكية) فتسعى الى استغلال عواطف الشعوب الدينية في تمكين سلطتهم بنسب متباينة، فالأحزاب الدينية لا تدخر جهدا في استغلالها، والأحزاب غير الدينية التي تدعي العلمانية تقتنص الفرص في استغلالها، وكلاهما يقربان رجال دين يشرعنون أعمالها.

إذن بعد تعريف الالحاد تبين لنا أنه لا يستهدف دينا معينا وان التبرير في الرأي الاول لا ينسجم مع ما ورد في تعريفه، فهم يزعمون ان الحادهم جاء بسبب الفساد، حتى الذين يقولون ان انتشار التكنولوجيا في كل مظاهر الحياة هو سبب كافٍ، ومن خلال اطلاعي على عدد من الشهادات التي وردت في تقارير صحافية وبرامج تلفزيونية لن تشير الى البحث العلمي، وان اغلب الحالات لا تملك معرفة علمية بأسباب الحياة.

ويبدو ان الرأي الثالث اقرب للواقع حيث فسر انتشار ما يوصف بالالحاد كتعبير عن موقف رافض لسياسية الاحزاب الدينية، وبهذا فلا دليل على انتشار ظاهرة الالحاد، بل (من وجهة نظري) انما هناك انتشار لاشاعة يراد منها ترهيب الرافضين للواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، خصوصا في الدول التي تقودها أحزاب دينية، واذا ما ارادت ان تتخلص من هذه الاشاعات، فما عليها سوى التحلي بالشجاعة لمراجعة مواقفها وإخفاقاتها وتجاربها السياسية، وتصحيح مسارها بالتخلي عن الفاسدين وعدم توفير المناخ الملائم للصوص والفاشلين.