علي الفقعسي: مصالح القاعدة وقطر تتقاطع وإيران منفذ الهروب
في يوم من 2003، وبعد إعلان اسمه في قائمة الـ19 في مايو من العام نفسه، هرب متنكراً من المدينة المنورة في زي نسائي، وضاقت عليه حلقة الهروب أكثر، في ذلك اليوم كانت قصة هروب علي الفقعسي على وشك الانتهاء.
الشاب الذي تمت تعبئته بفكر الصحوة، وتأثّر بخطب سفر الحوالي وسلمان العودة وسعد البريك وعايض القرني، وقادته خطاه إلى أفغانستان، وشهد التخطيط الأول لأحداث سبتمبر، وحاول إنشاء خلية في المملكة، وقاد وأنشأ مجلس القاعدة العسكري في المملكة، وأصبح بعد ذلك وسيطا لتمويل الإرهاب، كان في تلك اللحظات من هروبه يبحث عن مخرج من المأزق الذي أحكم خيوطه حوله، أدرك أنه كما بدأ، ومن حيث انطلق، عليه أن ينهي الأمر، توجّه إلى سفر الحوالي، الذي أخذه في سيارته إلى سمو وزير الداخلية، ومنذ ذلك اليوم وهو يقضي حكماً بـ 45 سنة، ومنذ تلك اللحظة أيضا، مرّ الفقعسي بتقلبات كثيرة، ومراجعات، وإعادة بناء لذاته وفكره، وتأمل طويل فيما ألحقه من ضرر بنفسه وأهله ومجتمعه.
علي الفقعسي كان ضيف الإعلامي عبد الله المديفر، في برنامج "الليوان" في حلقة قدّمت تفصيلا آخر، لشهادات إرهابيين، يقضون أياما من الحسرة والتذكّر من خلال الذكريات.
نقدٌ، حماسٌ، فتجنيد!
يذكر علي أن التركيز على السلبيات وتضخيم الملاحظات على الدولة والمجتمع، هي الأسس التي بنى عليها الصحويون فكرهم لتجنيده وجيله، كما كانت إثارة الحماس والحمية مدخلا مهما إلى عقول الشباب، التي أسلموها أخيرا إلى مجندي القاعدة، بسبب حرب الشيشان، انطلق علي الفقعسي في رحلة قادته إلى تركيا، حيث تم توجيهه إلى أفغانستان للتدريب، وهناك وعلي يد معلمي القاعدة مثل "أبي حفص الموريتاني" وغيره، تلقى هو ورفاقه الجرعة الأخيرة من التجنيد العقلي والروحي، فكانت مباشرة، صريحة وعديمة الرحمة تجاه المخالفين، كما كانت قصيرة بالإجمال، فهي لم تحفل بتفاصيل كثيرة.
هناك في أفغانستان أتيحت لعلي الفقعسي أن يطلع على رؤية بن لادن في إنشاء دولة إسلامية، تنطلق من اليمن وتشمل السعودية والخليج، لتحرّر القدس ولا تتوقف فهي تتمدد باستمرار، وهي نفس دعاية تنظيم داعش الإرهابي حول تمدّد دولته، التي سلب بها عقول أتباعه، حين سيطر على الموصل، وتردّدت في مواده الإعلامية عبارة: "باقية وتتمدد".
وتعتمد رؤية بن لادن، أيضا، على الاستفادة من كل ظرف استثنائي كالقلاقل السياسية والثورات، كما يعتمد تكتيكه لتجاوز ممانعة التيارات الأخرى ولفتح باب التجنيد واسعاً، على مهاجمة أميركا، كي يظهر كطرف يواجه قوة عظمى، وهذا أيضا من صلب فكر بن لادن لاحقاً، حين تحدث عن "انقسام العالم إلى فسطاطين".
التقى بن لادن في مأدبة بمناسبة تخرّج المجندين، وسرعان ما برزت بعض الملاحظات البسيطة لديه، قادته إلى العودة إلى السعودية، مؤكّدا لعبد الله المديفر أنه كان على علم بالتحضير لعمل كبير ستقوم به القاعدة ضد أميركا.
تسهيلات إيرانية وتعليمات ملتبسة!
بعد سقوط طالبان، تحرّكت في نفس علي الحمية القاعدية، ليسافر إلى أفغانستان بمساعدة إيرانية، ويشارك بن لادن هروبه الكبير، من قندهار إلى تورا بورا وباكستان، وعاد إلى السعودية بتعلميات من خالد شيخ محمد، تعليمات ملتبسة وتوقيع علي بياض، بتأسيس خلية والقيام بأي عمل إرهابي كبير وعمليات اختطاف، ولم يحدد له طبيعة العمل ولا الأهداف، التي وضعها تحت مسمى واسع هو "الإثخان" في إشارة إلى الآية الكريمة "فإذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق".
وهذا المنطوق الواسع أوقع الفقعسي ومجموعته في حيرة، فدخلوا في حوار طويل لتفسير هذا التكليف، مؤكدا أنه هو ويوسف العييري كانا يفضلان عدم القيام بأعمال في المملكة، وكتب إلى بن لادن برأيه، فغضب بن لادن وأمر باستمرار التخطيط للعمليات، لكن الفقعسي استمرّ في مسار آخر لا يقلّ خطورة، هو التمويل، فكان يحول حسب تقديره حوالي مليون ريال شهريا إلى بن لادن عبر معتمرين باكستانيين، مؤكّدا أن الإرهابي خالد علي حاج كان يشرف على خط تمويل عبر قطر.
قطر مرة أخرى في كل عمل سري!
وفتح الفقعسي الباب واسعا، لمعلومات تظهر عمق علاقة قطر بالإرهاب والقاعدة بشكل خاص، بدءا بخط التمويل القادم من قطر عن طريق خالد علي حاج، ومرورا بتهريب الأسلحة من قطر عن طريق تركي دندني، مؤكدا أن مصالح قطر تتقاطع مع مصالح القاعدة، في زعزعة أمن الدول العربية والسعودية تحديدا، كما أن التعاون الإعلامي بين قطر ممثلة في ذراعها الإعلامي "قناة الجزيرة"، وتنظيم القاعدة هو تعاون مهم يخدم الطرفين، وقد كان علي الفقعسي حاضرا، في مقابلة تيسير علوني مراسل الجزيرة في أفغانستان (حكمت عليه المحكمة الإسبانية بالسجن لمدة 7 سنوات بتهمة التعاون مع خلايا إرهابية) ورأى مدى تعاون القاعدة مع الجزيرة، واستعدادهم لتلبية كافة طلباتها، من مقابلات على وجه السرعة، إلى تبادل معلومات وتنسيق إعلامي، وكان ذلك تعليقاً على مقطع بثه برنامج "الليوان" ظهر فيه فيصل القاسم مذيع قناة الجزيرة، وهو يصف بن لادن بالبطل الأكبر.
كما أن خط التمويل القطري للقاعدة على يد خالد علي حاج، وخط تهريب السلاح من قطر أيضا على يد تركي دندني، كلها مؤشرات يوحي بأن التعاون والتفاهم بين قطر وتنظيم القاعدة الإرهابي تام ومتقن، فهو يشمل الدعم الإعلامي، والتسهيلات المالية، والإمداد بالأسلحة والمتفجرات.
ندم وتأمل في أصل الإرهاب
أكمل الفقعسي حديثه، بالحسرة على من كانوا يحرضونه في مراهقته، وهم الآن يثلبون وينددون به وبأمثاله، وأولئك هم مشايخ الصحوة، وزعماء الإخوان، الذين خرجوا هم وزعماء القاعدة وداعش من رحم واحد، هو رحم فكر الإخوان حسب قوله، ذلك الفكر الذي يضخم المآخذ البسيطة ضد الدولة، ويقول: "فالإخوان والقاعدة هدفهم إقامة دولة، متحالفين استراتيجيًا مختلفين تكتيكيًا، كل الجماعات المتطرفة جاءت من رحم الإخوان، أو أن فكر هذه الجماعات تأثر بهم، وأنا أخطأت وحُكم علي 45 عاما، وسأخرج وعمري 75، وندمت كثيرًا على أني لم استخدم عقلي، وعندما استخدمت عقلي أصبح الحكم علي سهل ولا يهمني غير ولدي".
الآن بعد سنوات من السجن، علي الفقعسي يقف على أطلال تلك الأيام، يتحسّر على كل ثانية قضاها في معسكر الإرهاب، لكنه يحمد الله أن ابنه سينشأ في عصر آخر، عصر أخذت فيه الدولة زمام المبادرة للخروج من مخلفات الصحوة، في ظل رؤية تعالج الأسس التي دعت إلى ذلك الاختلال، الاختلال الكبير الذي مازال علي الفقعسي يدفع من عمره ثمنه الطويل.
نُشر في العربية نت