
إيران تؤجج حراكا سياسيا عراقيا لعزل عبدالمهدي
بغداد - اتسع نطاق الحراك السياسي في العراق سرّا وعلانية لدفع رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي لإجراء تغييرات جذرية على حكومته وقد يذهب هذا الحراك إلى أبعد من ذلك كأن يدفع لسحب الثقة من عبدالمهدي ذاته الذي واجه في الفترة الماضية انتقادات حادة واتهامات بالفشل بعد نحو 13 شهرا من توليه منصبه.
ومع أن فترة حكمه تعتبر قصيرة قياسا بحجم تركة المشاكل وتراكمات مرحلة ما بعد الحرب على داعش، فإن الخناق بدأ يضيق على عبدالمهدي باتساع دائرة منتقديه.
ونقلت قناة روسيا اليوم الثلاثاء عن مصدر سياسي عراقي قوله، إن التحرك ضد عبدالمهدي يقوده الرئيس برهم صالح ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي ورئيس الوزراء السابق حيدر العبادي وأيضا زعيم تيار الحكمة المعارض عمار الحكيم.
وكان الحكيم الذي كثّف في الآونة الأخيرة من انتقاداته لعبدالمهدي بما في ذلك زيارته للصين التي وصفها بأنها مضيعة للوقت وأنها بلا فائدة اقتصادية، قد أعلن صراحة منذ البداية أنه في معسكر المعارضة.
واللافت في هذا المشهد الذي يزداد تعقيدا، انضمام الرئيس برهم صالح وأيضا حيدر العبادي للحراك السياسي الذي ينادي بتغييرات شاملة.

ويبدو الحراك السياسي مدفوعا بحسابات وطموحات سياسية أكثر منه رغبة في التغيير أو استياء من الأداء الحكومي، فالعبادي لا يخفي طموحاته السياسية وسط رغبة في العودة للحكم تحت أكثر من مسمى وأكثر من عنوان ولبرهم صالح والحلبوسي حسابات أخرى قائمة أساسا على المصالح الحزبية ومواقع النفوذ.
وبحسب المصدر السياسي العراقي فإن "التحرك يهدف إلى تغيير في الكابينة الحكومية لحكومة عبدالمهدي أو ربما يذهب إلى أبعد من ذلك من خلال سحب الثقة عن عبدالمهدي".
واتساع الحراك السياسي في هذا التوقيت بالذات لا يمكن أن يُنظر إليه بمعزل عن التغييرات الهيكلية التي يجريها عبدالمهدي على قيادة الحشد الشعبي باستبعاد القيادات المتشددة والتي يدين أغلبها بالولاء لإيران لاحتواء الغضب الدولي والإقليمي بعد استهداف الحرس الثوري الإيراني منشأتي نفط سعوديتين في 14 سبتمبر/أيلول.
وتشير وثيقة مسربة كانت صحيفة العرب اللندنية قد نشرت فحواها إلى إقرار هيكلية جديدة للحشد الشعبي تتيح لفالح الفياض (رئيس هيئة الحشد الشعبي)، لعب دور كبير على حساب أبومهدي المهندس المقرب من الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني.
والجنرال سليماني هو قائد المهمات الخارجية في الحرس الثوري وأصبح يتمتع بنفوذ واسع في إيران وهو مهندس العمليات الخارجية والمشرف الفعلي على الميليشيات الشيعية في العراق وسوريا واليمن.
ولا تستبعد مصادر عراقية أن يكون لإيران دور في تأجيج الحراك السياسي الحالي ضدّ عبدالمهدي الذي وجد نفسه أمام اختبار صعب لإحداث توازن في علاقات بلاده مع حليفيه الخصمين إيران والولايات المتحدة.
وسبق أن حذّر سياسيون عراقيون من تحول العراق إلى ساحة حرب بالوكالة على ضوء النفوذ الواسع للميليشيات الموالية لإيران والتي قد تندفع مع تنامي التوتر بين واشنطن وطهران إلى مواجهة مع القوات الأميركية المنتشرة على الأراضي العراقية وأيضا السورية.

وحاول عبدالمهدي تحصين الحشد الشعبي من أي استهداف داخلي بأن أدمج فصائله في القوات المسلحة لتصبح جزء من القوات العراقية النظامية مع ما يحمل ذلك من مخاطر التغلغل الإيراني في مفاصل المؤسستين العسكرية والأمنية.
لكن إدماج الحشد في القوات المسلحة العراقية لم يحل دون تعرض مقاره في العراق ومواقعه على الحدود مع سوريا لهجمات متواترة بطائرات مسيرة.
واتهم أبومهدي المهندس في السابق الولايات المتحدة وإسرائيل بتنفيذ تلك الغارات، إلا أن رئيس هيئة الحشد فالح الفياض نفى حينها في تصريح يناقض تصريح المهندس، أي دور محتمل لواشنطن في استهدف مقار ومواقع الحشد.
وعلى ضوء ما سبق ينفتح المشهد السياسي في العراق على المزيد من التعقيد فيما يشكل اختبارا جديا لمدى صمود عبدالمهدي وبقائه في السلطة.
وتواجه حكومة عبدالمهدي بين حين وآخر انتقادات حادة فسّرها متابعون للشأن العراقي بأنها مقدمة لتصعيد سياسي أكبر يشمل عزل عبدالمهدي وإعادة تشكيل الخارطة السياسية من جديد.
وسعى عبدالمهدي أيضا للنأي بالعراق عن الصراعات الإقليمية لكن التداخلات والتقاطعات الجيوسياسية والارتباطات الكثيرة مع إيران، تجعل من تحقيق هذا الهدف أمرا صعبا. وحتى بعد استصداره قرارا يمنع تحليق الطيران في أجواء العراق إلا بإذن حكومي لم يجنب مقار الحشد قصفا لمقاره ومواقعه.
التحالف الدولي بقيادة واشنطن يحذّر في بيان شديد اللهجة على غير عادته من أنه لن يتسامح إزاء أي هجوم على أفراده في العراق
وفي تطور ميداني يسلط الضوء على حجم التحديات الأمنية، قالت الأجهزة العراقية إن صاروخين أطلقا أمس الاثنين على المنطقة الخضراء شديدة التحصين بوسط العاصمة العراقية بغداد والتي تضم سفارات أجنبية ومباني حكومية، لكن دون وقوع إصابات أو أضرار مادية.
ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم، إلا أن مصادر محلية لم تستبعد دورا لميليشيات الحشد الشعبي التي تعرض أحد مقارها مؤخرا لغارة بطائرة مسيرة في سياق حملة على أذرع إيران في المنطقة.
وقالت أجهزة الأمن العراقية في بيان إن أحد الصاروخين انفجر داخل المنطقة الخضراء في حين سقط الآخر في نهر دجلة.
وقال التحالف بقيادة الولايات المتحدة الذي يدعم مهام قتال تنظيم الدولة الإسلامية في العراق ويوجد له مقر قرب المنطقة التي استهدفت، إنه لن يتسامح إزاء أي هجوم على أفراده، في بيان قوي على غير المعتاد تجاه الحوادث الأمنية في العراق.
وأوضح التحالف أنه لم يتم قصف "أي منشأة مستخدمة من قبل الولايات المتحدة"، لكن التحالف سيدافع عن نفسه في حالة حدوث مثل ذلك. ولم يتهم أي جماعة بالمسؤولية عن الهجوم.
وفي مايو/أيار سقط صاروخ أطلق من شرق بغداد على المنطقة القريبة من السفارة الأميركية ولم تعلن أي جهة أيضا المسؤولية عنه.
والحوادث من هذا النوع نادرة، لكنها باتت تقع على نحو متقطع في العاصمة العراقية في السنوات الأخيرة.
والحليفان الرئيسيان للعراق هما واشنطن وطهران. ويخشى العراق أن يتم الزج به في أي حرب في المنطقة بين إيران والولايات المتحدة. ويوجد بالعراق قوات أميركية وجماعات شبه عسكرية موالية لطهران.
وتتهم الولايات المتحدة إيران بالمسؤولية عن الهجمات التي وقعت على منشأتي نفط سعوديتين هذا الشهر وهو ما تنفيه طهران.
وتنحي واشنطن باللائمة أيضا على الجماعات شبه العسكرية المدعومة من إيران في الهجمات التي تعرضت لها قواعد عسكرية تستضيف قوات أميركية في مايو/أيار.