صراع ثلاثي لسد فراغ الانسحاب الأميركي من سوريا
أربيل (العراق) - دخلت قوات أميركية قادمة من شمال وشرق سوريا صباح اليوم الاثنين العراق عبر الحدود مع إقليم كردستان العراق الشمالي، في إطار الانسحاب الذي أمر به الرئيس دونالد ترامب والذي فتح الباب أمام هجوم القوات التركية على المقاتلين الأكراد في المنطقة.
وذكر شهود عيان أن مركبات عسكرية أميركية تقل جنودا عبرت جسر معبر فيشخابور الحدودي المتاخم للمثلث الحدودي العراقي السوري التركي، باتجاه إقليم كردستان العراق.
وكان وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر قد قال يوم السبت إن من المتوقع أن تنتقل كل القوات الأميركية المنسحبة من شمال سوريا، وعددها قرابة الألف، إلى غرب العراق لمواصلة الحملة على تنظيم الدولة الإسلامية و"للمساعدة في الدفاع عن العراق".
لكن صحيفة نيويورك تايمز ذكرت في وقت متأخر الليلة الماضية أن ترامب يميل الآن لخطة عسكرية جديدة تقضي بإبقاء نحو مئتي جندي أميركي في شرق سوريا قرب الحدود مع العراق.
وتأتي الخطة الجديدة التي وصفها مراقبون بـ"اانسحاب المصالح الجيو استراتيجية"، في وقت يتصارع فيه الثلاثي الروسي والإيراني والتركي على بسط نفوذهم في تلك المناطق.
وكانت قوات النظام السوري دخلت مساء الأربعاء مدينة كوباني (عين العرب) بموجب اتفاق مع الإدارة الذاتية الكردية التي طلبت دعما من النظام في مواجهة الهجوم التركي. وقد انتشرت قوات النظام خلال الأيام الماضية في مناطق حدودية عدة كانت بأيدي الأكراد.
وأعلنت الولايات المتحدة الأحد الماضي سحب ألف جندي أميركي منتشرين في شمال وشرق سوريا، بعد خمسة أيام من الهجوم التركي على المقاتلين الأكراد، من قاعدة على أطراف المنطقة العازلة التي تعمل أنقرة على إنشائها.
وأمس الأحد، عبرت أكثر من 70 مدرعة وسيارة عسكرية ترفع العلم الأميركي مدينة تل تمر السورية بينما كانت مروحيات تواكبها في الأجواء.
وقال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن إن القافلة أخلت مطار صرين، القاعدة الأكبر للقوات الأميركية في شمال سوريا، وهي القاعدة الرابعة التي تنسحب منها خلال نحو أسبوعين.
وأعلنت واشنطن في 14 تشرين الأول/أكتوبر، بعد خمسة أيام من بدء تركيا هجومها أن نحو ألف جندي أميركي موجودون في المنطقة تلقوا الأوامر بالانسحاب. ولا يزال الأميركيون يحتفظون بقواعد في محافظتي دير الزور (شرق) والحسكة (شمال شرق)، بالإضافة إلى قاعدة التنف جنوباً.

والخميس، وافقت أنقرة بموجب اتفاق مع واشنطن على وقف الهجوم لخمسة أيام. وتنتهي الهدنة مساء يوم الثلاثاء.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم السبت إن بلاده ستستأنف عمليتها العسكرية في سوريا عندما تنتهي المهلة إذا لم تنسحب قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد من "المنطقة الآمنة" التي تسعى أنقرة لإنشائها على الحدود.
وتسعى تركيا لإقامة "منطقة آمنة" تكون حائلا أمام وحدات حماية الشعب الكردية، الفصيل الرئيسي في قوات سوريا الديمقراطية، التي تعتبرها أنقرة جماعة إرهابية بسبب صلات بمتمردين أكراد في جنوب شرق البلاد. وكانت الوحدات حليفا وثيقا للولايات المتحدة في محاربة الدولة الإسلامية.
وقال أردوغان أيضا إن تركيا ستقيم 12 موقعا للمراقبة في "المنطقة الآمنة". وقال شاهد في المنطقة إن القوات التركية بدأت بالفعل في إقامة موقعين منها أمس الأحد، وهو ما أثار انتقادات من إيران اليوم.
لكن إيران التي ساعدت بشار الأسد على البقاء في السلطة وقدمت له دعما طيلة سنوات الحرب في السنوات الماضية، سرعان ما أعلنت عن رفضها للتواجد التركي في سوريا حيث يمثل ذلك تهديدا لنفوذها المتزايد في البلاد.
وعرضت طهران مباشرة بعد التوغل التركي في شمال سوريا إشراك الأكراد السوريين والحكومة السورية وتركيا في محادثات لفرض الأمن على الحدود التركية السورية.
وقال عباس موسوي المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية اليوم الاثنين، في مؤتمر صحفي أسبوعي بثه التلفزيون الرسمي على الهواء مباشرة "نحن نعارض إقامة أنقرة مواقع عسكرية في سوريا".
وأضاف "يجب حل القضايا بالسبل الدبلوماسية... ويجب احترام وحدة أراضي سوريا".
وقالت قوات سوريا الديمقراطية الأحد إنها انسحبت من مدينة رأس العين الحدودية بموجب اتفاق لوقف إطلاق النار توسطت فيه الولايات المتحدة، غير أن متحدثا باسم مقاتلين من المعارضة السورية تدعمهم تركيا قال إن الانسحاب لم يكتمل بعد.
وبالإضافة إلى إيران التي تبحث عن تموقع أفضل في سوريا بعد الانسحاب الأميركي، فإن روسيا، أقوى داعم للأسد، تسعى هي الأخرى لملئ ذلك الفراغ لتعزيز وجودها واستعادة السيطرة على تلك المناطق بواجهة الجيش السوري.

ودعم أردوغان مقاتلين من "المعارضة السورية" يقاتلون للإطاحة بالأسد خلال الحرب الدائرة منذ ثماني سنوات، لكنه قال إن بلاده لا تجد مشكلة في انتشار القوات الحكومية السورية بالقرب من الحدود إذا تم إبعاد وحدات حماية الشعب الكردية.
وهو ما فسره مراقبون بأنه اتفاق حصل بين أنقرة ودمشق برعاية موسكو يقتضي انسحاب المقاتلين السوريين الذين تدعمهم تركيا من بعض المدن التي لا يزال جزء منها تحت سيطرتهم مثل إدلب وريف حماة، وذلك مقابل ترك ملف الأكراد على الحدود بيد أردوغان.
وقال وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو أمس الأحد إن أردوغان سيبحث مع نظيره الروسي فلاديمير مسألة انسحاب وحدات حماية الشعب الكردية من منبج وكوباني خلال اجتماع من المقرر أن يعقد في مدينة سوتشي الروسية غدا الثلاثاء.
وعلى الرغم من العلاقات الوثيقة بين أردوغان وبوتين في مجالي الدفاع والطاقة، وصفت موسكو الهجوم التركي في سوريا بأنه "غير مقبول" وقالت إنه ينبغي أن يكون محدودا، وهي تبدو إشارة لورقة موسكو القوية لمواصلة الضغط على أنقرة.
ويرى مراقبون للشأن السوري أن استراتيجية البيت الأبيض حاليا في الشرق الأوسط في ظل إدارة ترامب أصبحت منفتحة على جميع السيناريوهات ويصعب حتى على أطراف النزاع في المنطقة تقييم الوضع نظرا لتداخل المصالح.