لولا العراق ولبنان...

من حسن الحظ، انّه لا يزال في البلدين من لا يزال يقاوم.

لا امل بأي مستقبل افضل لأي بلد تحكمه ميليشيا او ميليشيات مذهبية. هذا ينطبق على لبنان وعلى العراق وعلى قسم من اليمن... والى حدّ كبير على سوريا. عاجلا ام آجلا، سيعود العراقيون الى الشارع بعد قمع التحرّك الشعبي الأخير على يد ميليشيات "الحشد الشعبي" التي ليست سوى الأداة الفاعلة لإيران في العراق. ليس ما يشير الى ان الحكومة العراقية برئاسة عادل عبدالمهدي ستكون قادرة على الإفلات من المحاسبة على ما اقترفته الميليشيات المذهبية من جرائم في اثناء التحرّك الشعبي الأخير الذي سقط فيه عشرات القتلى ومئات الجرحى. لا يذكّر قمع هذا التحرّك سوى بقمع "الثورة الخضراء" في ايران في العام 2009 في ظل تواطؤ أميركي معيب في عهد باراك أوباما.

في لبنان حدّد الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله، الذي يقف على رأس ميليشيا تابعة لإيران، الخطوط الحمر التي لا يمكن للثورة الشعبية المستمرة منذ اسبوع تجاوزها. من بين هذه الخطوط عدم سقوط عهد ميشال عون الذي كان مرشّح الحزب لموقع رئيس الجمهورية. من الواضح ان "حزب الله" متمسك أيضا بالحكومة الحالية حيث لديه ثلاثة وزراء غير آبه بان مجرد وجوده في هذه الحكومة يعرّض لبنان لعقوبات. لا يدري انّ الخدمة الأكبر، وربّما الوحيدة، التي يستطيع تقديمها للبنان واللبنانيين ولابناء الطائفة الشيعية على وجه الخصوص، هو إيجاد طريقة تجعل منه حزبا لبنانيا مثله مثل سائر الأحزاب وليس ميليشيا مذهبية مسلّحة تشكل لواء في "الحرس الثوري" الايراني. هل "حزب الله" قادر على ان يكون لبنانيا؟ الجواب بكلّ بساطة ان هذا امر مستحيل في ضوء الاستثمار الايراني في هذا الحزب، وهو استثمار ظهر واضحا انّه مرتبط في المدى الطويل باستمرار تدفّق الاموال الايرانية التي لا هدف لها سوى تغيير طبيعة المجتمع الشيعي في بلد يعشق أبناؤه ثقافة الحياة.

في سوريا، لعبت ميليشيات ايران، في مقدّمها "حزب الله"، دورا محوريا في الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري منذ العام 2011 لدى انتفاضه على نظام اقلّوي ربط نفسه عضويا بـ"الجمهورية الإسلامية". ليس ما نشهده اليوم في سوريا سوى احدى نتائج التدخل الايراني عبر الميليشيات المذهبية. انّه تدخّل جرّ الى جعل سوريا تحت خمسة احتلالات. الاحتلال الروسي، الاحتلال التركي، الاحتلال الايراني، الاحتلال الإسرائيلي. لا يزال الاميركيون في سوريا الى اليوم على الرغم من كلّ الكلام الصادر عن الرئيس دونالد ترامب عن انسحاب عسكري من هذا البلد.

لعبت الميليشيات الايرانية الموجودة في سوريا دورها في انتشار "داعش". انّها و"داعش" وجهان لعملة واحدة. وجود هذه الميليشيات افضل تبرير كي يمارس تنظيم مثل "داعش" وحشيته من جهة وكيّ يدّعي النظام ومن يقف خلفه انّه يخوض حربا مع الإرهاب.

في اليمن، لا وجود لايّ امل بأي انفراج سياسي ما دام الحوثيون يسيطرون على صنعاء والمناطق المحيطة بها وعلى ميناء الحديدة الاستراتيجي. لا يريد الحوثيون، وهم ميليشيا مذهبية أخرى تابعة لإيران، سوى اقتطاع جزء من الأرض اليمنية وتحويلها قاعدة تابعة لـ"الجمهورية الإسلامية". حاولوا في البداية وضع اليد على كلّ اليمن. لكنّه وجد من يخرجهم من عدن ثم من ميناء المخا الاستراتيجي.

تكشّفت أخيرا طبيعة العلاقة العميقة التي تربط بين الحوثيين (انصار الله) وجماعة الاخوان المسلمين الذين باتوا يسيطرون كلّيا على حزب التجمّع اليمني للإصلاح الذي هو جزء من "الشرعية" في اليمن. حصل تبادل للأسرى والسجناء بين الجانبين. شملت العملية المعتقلين المتهمين بجريمة مسجد دار الرئاسة في الثالث من حزيران – يونيو 2011، وهي جريمة "إرهابية" حسب قرار لمجلس الامن، استهدفت قتل علي عبدالله صالح والمحيطين به دفعة واحدة. اذا دلت عملية تبادل السجناء والأسرى هذه بين الجانبين على شيء، فهي تدلّ على ان لا شيء يقف في وجه الميليشيات التابعة لإيران من اجل المحافظة على مواقعها وذلك بغض النظر عن هويّة الطرف الآخر الذي تتعامل معه او تجد نفسها مضطرة لعقد صفقات معه.

هذا عصر الميليشيات الايرانية التي تتقدّم في كلّ مكان ولا تجد من يردعها باستثناء الشعبين العراقي واللبناني. هل هذه الميليشيات قدر لا حول ولا قوّة امامه؟

هناك استسلام امام هذه الميليشيات في سوريا وذلك بعدما اخذ الروس والاتراك ما يريدون وبعدما نجحت ايران في السيطرة على مناطق معيّنة وتمددت في اتجاه مناطق أخرى، بما في ذلك محيط حلب. امّا إسرائيل، فهي راضية عما يجري بعد حصولها على ضمانات روسية وبعد تكريس احتلالها لهضبة الجولان المحتلة منذ العام 1967.

كذلك، هناك استسلام امام الإرادة الايرانية في اليمن. لم يطرأ أي تغيير على خطوط القتال منذ فترة طويلة في اليمن. اللهمّ الّا اذا حصل تطوّر مهمّ في المدى المنظور على الوضع في الحديدة. وهذا الامر وارد في حال توافرت قناعة عربية ودولية بانّ شيئا لن يتغيّر في حال بقاء وضع الحديدة على ما هو عليه، أي ان يبقى الميناء والمدينة تحت سيطرة "انصار الله" وايران.

يبقى لبنان والعراق. ليس سرّا ان الجميع في مأزق في لبنان. لكنّ اهمّية الثورة الشعبية التي يشهدها الوطن الصغير تكمن في وجود وعي لدى كلّ الطوائف اللبنانية لواقع يتمثّل في رفض هيمنة "حزب الله" على الحكومة ومجلس النوّاب. وهذه هيمنة تمارس عن طريق غطاء مسيحي للحزب. مثل هذا الغطاء لم يكن ليحصل عليه في يوم من الايّام لولا العهد الحالي... ولولا وجود شخص مثل جبران باسيل في الحكومة، وهو شخص يبدو مستعدّا للذهاب الى دمشق إرضاء لما يريده "حزب الله"، علما ان الطفل يعرف ان النظام السوري لا يريد إعادة أي سوري من الذين لجأوا الى لبنان هربا من بطشه. لا يريد ذلك خصوصا ان معظم هؤلاء من اهل السنّة ومن مناطق غير بعيدة عن دمشق وعن الحدود مع لبنان لدى ايران مطامع فيها.

امّا العراق، فيبدو ان مستقبل المنطقة سيرسم من خلاله. منه بدأ الزلزال في العام 2003 ومنه تبيّن ان الشيعة العرب من أبناء البلد ليسوا على استعداد للرضوخ نهائيا للاحتلال الايراني وذلك بغض النظر عن السياسة الاميركية المتقلّبة والمتذبذبة لشخص مثل دونالد ترامب.

هل قالت الميليشيات الايرانية كلمتها الأخيرة في المنطقة؟ كان يمكن الإجابة بنعم عن هذا السؤال لولا العراق ولبنان. من حسن الحظ، انّه لا يزال في البلدين من لا يزال يقاوم. المقاومة تضمّ على وجه الخصوص شيعة العراق وشيعة لبنان.