رسائل طمأنة لا تحجب اضطراب البنوك اللبنانية
بيروت - ندد اليوم السبت المئات من اللبنانيين في مسيرة احتجاجية بسياسة البنك المركزي، فيما أكد كل من رئيس جمعية بنوك لبنان سليم صفير وحاكم بنك لبنان المركزي رياض سلامة على أن البنوك اللبنانية لم تشهد تحويلات للأموال غير عادية للأموال.
فيما نقلت مصادر أخرى عملاء قولهم أنهم اصطدموا بقيود جديدة على التحويلات المالية.
وقال صفير "إن البنوك اللبنانية لم تشهد أي تحركات غير عادية للأموال يومي الجمعة والسبت بعد أن ظلت مغلقة لمدة أسبوعين بسبب الاحتجاجات في مختلف أنحاء البلاد".
وأضاف "كان رد الفعل هو تقريبا ما توقعناه وترقبناه. وعلى الرغم من ذلك، كان الناس يطرحون الكثير من الأسئلة وقدمنا أكبر قدر ممكن من التطمينات".
وتابع "هذا مهم بالنظر إلى طول فترة الإغلاق والأحداث التي شهدتها بلادنا".
واستطرد "نحاول مواجهة الشائعات وتفادي حدوث ذعر لمنع أي عمليات سحب غير ضرورية وغير مبررة".
بدوره قال سلامة إن "إعادة فتح البنوك لم تسبب أي مشاكل في أي بنك"، مضيفا "لا يجري بحث فرض أي قيود رسمية على رؤوس الأموال".
وأشار محللون ومصرفيون إلى مخاوف واسعة النطاق بشأن احتمال مسارعة المودعين بسحب مدخراتهم وتحويلها إلى الخارج عندما تعيد البنوك فتح أبوابها.
واندلعت الاحتجاجات في أنحاء البلاد في 17 أكتوبر/تشرين الأول ووضعت لبنان في أزمة سياسية بينما يكابد لمواجهة أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب الأهلية. وأدت الاحتجاجات إلى استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري في الأسبوع الماضي.
وقال مصرفيون وعملاء أمس الجمعة إنه "لم تُفرض قيود رسمية على حركة رؤوس الأموال عندما فتحت البنوك أبوابها مجددا أمس الجمعة، لكن عملاء واجهوا قيودا جديدة على التحويلات للخارج والسحب من حسابات بالدولار.
وقال سلامة "لا ندرس فرض قيود رسمية على رؤوس الأموال"، مؤكدا على أن مثل هذا الإجراء يتطلب تصويتا في البرلمان.
وأضاف "البنوك تتعامل مع الوضع بأسلوب احترافي والبنك المركزي يدعمها".
وقال مصدر مصرفي "إن عمليات الفروع تمضي على نحو أفضل من المتوقع".
وذكرت الوكالة اللبنانية للأنباء أن مظاهرة انطلقت من ساحة رياض الصلح وسط بيروت، ووصلت إلى مقر بنك لبنان.
وأضافت أن المشاركين في المظاهرة، الذين لم توضح حجمها، يرددون هتافات تندد بسياسة المصرف، وتطالب أيضا بـ"رفض الضريبة على العمال والمواطنين، وإسقاط سلطة رأس المال".
وفتحت البنوك اللبنانية اليوم الجمعة للمرة الأولى منذ أسبوعين بعدما عادت الحياة إلى طبيعتها نسبياً، عقب احتجاجات شعبية عمّت كل المناطق اللبنانية للمطالبة برحيل الطبقة السياسية.
وتسببت حركة الاحتجاج غير المسبوقة منذ سنوات، بشلل كامل في البلاد شمل إغلاق المصارف والمدارس والجامعات وقطع طرق رئيسية في جميع المناطق.
وعادت الحياة إلى طبيعتها نسبياً في البلاد الجمعة مع خروج المعتصمين من الطرقات وتسجيل حركة سير ناشطة صباحاً. وشهد وسط بيروت ومدينتا طرابلس شمالاً وصيدا جنوباً بشكل أساسي تظاهرات محدودة في ساحات الاعتصام المعتادة.
ومنذ الصباح الباكر، غصّت المصارف بالمواطنين الذين أرادوا إجراء معاملاتهم المصرفية المعلّقة منذ أسبوعين أو سحب رواتبهم مع بداية الشهر.
وشكل المواطنون طوابير هائلة تصل أحياناً إلى خارج المصارف في العاصمة بيروت، في حين وقف عدد من العناصر الأمنية أمام بعض المصارف.
ولم تتسع صالات الانتظار داخل المصارف لجلوس الجميع، فكان عدد كبير من المواطنين واقفين في انتظار دورهم في حين كان الموظفون يواجهون صعوبات في تقديم الخدمات لهم.
وقال رئيس قسم الأبحاث في مجموعة بنك بيبلوس نسيب غبريل إن "العديد من المعاملات كانت مكدسة من الأسبوعين الماضيين بسبب الإغلاق، لكن لم يحصل هلع"، مشيراً في الوقت ذاته "لا تزال المصارف حذرة بشأن سحب الدولار".
ويتخوّف المواطنون من انهيار الليرة اللبنانية أمام الدولار بمجرد أن فتحت المصارف أبوابها مع ازدياد الطلب، إلا أن سعر الصرف الرسمي لليرة مقابل الدولار لا يزال 1507.
أما في السوق الموازية فتخطى سعر الصرف 1700 ليرة مع استمرار المصارف في الحد من عمليات بيع الدولار، الذي يمكن استخدامه في لبنان بالتوازي مع الليرة في العمليات المصرفية والتجارية كافة.
وبالتوازي لا يزال المشهد السياسي ضبابياً بعد ثلاثة أيام من استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري على وقع الاحتجاجات التي شارك فيها مئات آلاف اللبنانيين، مطالبين بالإسراع في تشكيل حكومة جديدة يريدونها من التكنوقراط والمستقلين ومن خارج الطبقة السياسية الحالية.
واستقال الحريري مع استمرار التظاهرات رغم ورقة إصلاحات اقتصادية أعلنها في الأسبوع الأول من التحرك الشعبي.
ودعا الرئيس اللبناني ميشال عون حليف حزب الله الخميس الماضي إلى تشكيل حكومة جديدة من وزراء ذوي "كفاءة وخبرة" وليس "وفق الولاءات السياسية واسترضاء الزعامات".
ودعا أمس الجمعة الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، الذي عارض استقالة الحريري أبرز خصومه السياسيين، إلى الإسراع في تشكيل الحكومة ولكن من دون أن يحدد ماهيتها وما إذا كان الحزب يوافق على تشكيلها من التكنوقراط بمعزل عن السياسيين.
وقال نصرالله في خطاب متلفز "يجب (...) تقليل مرحلة تصريف الأعمال، لأنها اذا طالت، فهذا هو الفراغ"، كون حكومة تصريف الأعمال لن تتمكن من إقرار قوانين أو إصلاحات.
وأضاف "اليوم مسؤولية اللبنانيين جميعاً من قوى سياسية وكتل نيابية وأحزاب والشعب اللبناني بكل فئاته أن يدفع باتجاه ألا يكون هناك فراغ في السلطة وأن تشكل حكومة جديدة في أقرب وقت ممكن".
وكان نصرالله في خطاب سابق اعتبر أن حكومة تكنوقراط "لا تستطيع أن تصمد أسبوعين".
ويشدد المتظاهرون في لبنان على أن "ثورتهم" لا تهدف فقط إلى إسقاط الحكومة، وأنهم مستمرون فيها حتى تحقيق كل مطالبهم بتغيير الطبقة السياسية وإنقاذ الوضع الاقتصادي.
وتعدّ هذه التحركات غير مسبوقة على خلفية مطالب معيشية في بلد صغير تثقل المديونية والفساد والمحاصصة كاهله. ولم تستثن منطقة أو طائفة أو زعيما.
ويشهد لبنان تدهوراً في الوضع الاقتصادي، تجلى في نسبة نمو شبه معدومة العام الماضي وتراكم الديون إلى 86 مليار دولار، أي ما يعادل 150 في المئة من إجمالي الناتج المحلي وهو من أعلى المعدلات في العالم.