هروب جريء لغصن يليق بسيناريو فيلم هوليوودي

في اول ظهور علني منذ أوقفته السلطات اليابانية، نجم عالم صناعة السيارات يؤكد انه لم يكن أمامه من خيار إلا الهروب حيث كان 'يُعتبر مذنباً' قبل ثبوت التهم بحقه منددا بما وصفه بعملية 'تواطؤ' ضده بين نيسان والادعاء العام في طوكيو.
قطب صناعة السيارات تلقّى مساعدة من عميل سابق في القوات الخاصة الأميركية لهندسة هروبه
غصن غادر اليابان في صندوق!
قائمة المسافرين في الرحلة من تركيا الى بيروت تم تزويرها منعا لذكر اسم غصن
غصن يؤكد ان لبنان هو 'البلد الوحيد الذي وقف الى جانبه" في أزمته'

طوكيو - بين طائرات خاصة وقطارات سريعة وصناديق مجهّزة للتنفّس، تبدو عملية فرار كارلوس غصن من اليابان، حيث كان ينتظر محاكمته، أشبه بسيناريو فيلم من إنتاج هوليوود.

من غير المستغرب أن نجم عالم صناعة السيارات المليونير الذي كان دائما بين شخصيات الطبقة المخملية الحاضرة في قمة دافوس، لم يتحمّل القيود الصارمة التي فُرضت عليه كشروط الكفالة التي أُفرج عنه بموجبها قبيل محاكمة كان من المتوقع أن يطول أمدها في اليابان بتهم تتعلق بارتكاب مخالفات مالية.

ومع اقتراب نهاية العام 2019، هرب الرئيس السابق لتحالف رينو-نيسان-ميتسوبيشي من اليابان عائداً إلى بلده الأم لبنان.

وظهر الأربعاء علنًا للمرّة الأولى منذ أوقفته السلطات اليابانية، لكن رغم الكم الهائل من الأسئلة التي وجهها إليه الصحافيون خلال مؤتمر استمر أكثر من ساعتين في بيروت، رفض الإفصاح عن أي تفصيل متعلّقة بعملية هروبه.

واكتفى غصن بالقول إنه "لم يكن أمامه من خيار" إلا الهروب من اليابان حيث كان "يعتبر مذنباً" قبل ثبوت التهم بحقه، حيث قضى 130 يومًا في السجن.

وأفاد "كان من غير الممكن أن أُعامل بشكل منصف... ليست مسألة عدالة. شعرت بأنني رهينة في بلد خدمته على مدى 17 عامًا".

وندد قطب صناعة السيارات السابق بما وصفه بعملية "تواطؤ" ضده بين شركة نيسان والادعاء العام الياباني، مؤكداً أنه سينصرف في الفترة المقبلة إلى "تبرئة" ساحته من الاتهامات التي وُجّهت إليه.

وقال رجل الأعمال اللبناني البرازيلي الفرنسي أنه سيسعى الى تحصيل "حقوقه" من مجموعتي نيسان ورينو، وأنه لم يستقل من مهامه من شركة رينو الفرنسية بل "انسحب" منها وطلب "التقاعد" ليسمح للشركة "بمواصلة عملها بشكل طبيعي" بعد توقيفه في تشرين الثاني/نوفمبر 2018.

في ما يأتي ما نعرفه عن عملية هروبه "الدرامية":

"قطار سريع" 

بدأت عملية فرار غصن بخروجه بكل بساطه من منزله الفخم وسط طوكيو في 29 كانون الأول/ديسمبر، بحسب تسجيل مصوّر التقطته عدسة كاميرا للمراقبة.

وبحسب وسائل إعلام يابانية، التقى مواطنين أميركيين في فندق قريب واستقل الثلاثة أحد قطارات "شينكانسن" السريعة من حي شيناغاوا الشهير في طوكيو إلى أوساكا في غرب اليابان في رحلة استمرت نحو ثلاث ساعات.

وتوّجه الثلاثة إلى فندق قرب مطار كانساي الدولي حيث أظهر تسجيل كاميرات المراقبة الأميركيين يغادران وحدهما وهما حاملان "صندوقين كبيرين" يبدو أن غصن كان داخل أحدهما.

وغادر في طائرة خاصة قال محققون أتراك إنها من طراز "بومباردييه" تحمل علامة "تي سي-تي إس آر" هبطت في اسطنبول الساعة 05,15 صباحًا بالتوقيت المحلي في 30 كانون الأول/ديسمبر.

وتظهر صورة اصدرتها شرطة اسطنبول الصندوقين اللذين يعتقد أن غصن استخدمهما في عملية فراره.

صندوقان تم استخدامهما في عملية تهريب غصن
تم حفر ثقوب في الصندوق ليتمكّن غصن من التنفس

وقال مسؤول في وزارة النقل اليابانية إن عمليات التفتيش على الأمتعة غير ضرورية عادة بالنسبة لمشغلي الطائرات الخاصة وأن حجم الصندوقين كان على ما يبدو أكبر بكثير من امكان تمريرهما على أجهزة الأشعة في المطار.

وأفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" نقلاً عن مصادر مقرّبة من التحقيقات في تركيا أنه تم حفر ثقوب في الصندوق الذي حُمل فيه غصن ليتمكّن من التنفس.

ولدى سؤاله خلال المؤتمر الصحافي عن رأيه بالصناديق كوسيلة للسفر، رفض غصن الإجابة وانتقل إلى السؤال التالي.

تزوير لقائمة المسافرين 

أفادت وكالة الأنباء التركية "دي إتش ايه" إن غصن استقل في اسطنبول طائرة خاصة ثانية إلى بيروت هي "بومباردييه تشالنجر 300 تي سي-ار زي ايه"، غادرت بعد 45 دقيقة.

وأعلن وزير العدل التركي عبد الحميد غول أن سبعة أشخاص اعتقلوا على خلفية صلتهم بالطائرتين بينهم أربعة طيارين. وتم رسميًا توقيف خمسة أشخاص.

والجمعة، تقدّمت شركة "إم إن جي" التركية للطائرات الخاصة بشكوى جاء فيها أن إحدى طائراتها استُخدمت بشكل غير قانوني، وأشارت إلى أن أحد موظفيها أقر بأنه زوّر قائمة المسافرين في الرحلة منعًا لذكر اسم غصن.

بدوره، أصر المسؤول السابق في قطاع صناعة السيارات البالغ من العمر 65 عامًا على أنه تصرّف بمفرده بدون مساعدة من أفراد عائلته.

وذكرت "وول ستريت جورنال" أنه تلقّى مساعدة من عميل سابق في القوات الخاصة الأميركية يدعى مايكل تايلور ويعمل حاليًا كمتعاقد أمني خاص ووصف بأنه "خبير في فن عمليات الهروب السرّية".

دخل لبنان بجواز سفر فرنسي 

يصف غصن نفسه بأنه رمز للعولمة ويحمل ثلاث جنسيات فرنسية ولبنانية وبرازيلية.

وتنص شروط الإفراج عنه بكفالة على احتفاظ محاميه بجوازات سفره.

لكن مصدراً مطلعًا أفاد أن محكمة طوكيو سمحت لغصن بالاحتفاظ بجواز سفره الفرنسي على أن يوضع "داخل حقيبة مقفلة" يبقى مفتاحها مع محاميه.

وكان الهدف من ذلك تمكينه من إثبات وضعه كحامل لتأشيرة قصيرة الأمد في حال احتاج لذلك خلال تحرّكه في اليابان، وهو أمر تسمح به شروط الكفالة التي حصل عليها.

ويبدو أنه استخدمه لدخول لبنان، إذ تظهر وثائق المطار التي اطلعت عليها فرانس برس أنه دخل بجواز سفر فرنسي.

وقال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إنه لا يملك "معلومات محددة" في هذا الشأن.

وأكّدت السلطات اليابانية أن خروج غصن من البلاد لم يسجّل قط، وهو ما يعزز فرضية سفره داخل صندوق.

ماذا بعد؟ 

أصدرت الشرطة الدولية إنتربول "نشرة حمراء" لتوقيف غصن، لكن لا اتفاق بين بيروت وطوكيو لتسليم المطلوبين. ويؤكد المسؤولون اللبنانيون أنه دخل البلاد بشكل قانوني.

لكن مسؤولاً طلب عدم كشف هويته قال إن غصن سيتسلّم استدعاء من القضاء اللبناني "الملزم الاستماع إليه" لكن "بإمكانه اتّخاذ قرار بشأن توقيفه أو تركه طليقًا".

مع ذلك، قد يواجه قضايا أخرى في لبنان إذ قدّم ثلاثة محامين طلبًا إلى الادّعاء العام لملاحقته قضائيًا على خلفية زيارة أجراها لإسرائيل سنة 2008.

وقال مصدر مطلع على القضية في اليابان لفرانس برس إن المحاكمة المرتبطة بالمخالفات المالية التي يشتبه بأن غريغ كيلي، المقرّب من غصن، ونيسان ارتكباها، ستجري كما هو مقرر.

وينفي غصن جميع التهم الموجهة إليه وتحدّث الأربعاء عن "تواطؤ" بين المدعين اليابانيين ومسؤولين في نيسان لمنع الشركة من التقرّب كثيراً إلى رينو الفرنسية.

التزام "الصمت" 

ولم يذكر غصن أسماء من يعتبر بين المسؤولين اليابانيين أنهم متورطون في توقيفه، وقال "أفرض على نفسي الصمت في هذا الشق، لأنني لا أريد أن أقول أي شيء يمكن أن يضر بمصالح الشعب اللبناني أو الحكومة اللبنانية".

وقال إنه "مستعد للبقاء لفترة طويلة" في لبنان الذي وصله في 30 كانون الأول/ديسمبر، لافتاً إلى أن لبنان هو "البلد الوحيد الذي وقف الى جانبه" في أزمته.

وكان غصن قال في أول بيان له إثر وصوله الى بيروت "لم أهرب من العدالة، لقد حررت نفسي من الظلم والاضطهاد السياسي". وهو ما كرره خلال مؤتمره الصحافي، مبدياً استعداده للمحاكمة "في أي مكان شرط أن تكون عادلة".

ولم يتسن التحقق من مكان إقامة غصن في لبنان، إلا أن عشرات الصحافيين وبينهم يابانيون، انتظروه اليوم، كما كل يوم منذ وصوله الى لبنان، أمام فيلا في محلة الأشرفية في شرق بيروت اعتاد الإقامة فيها خلال زياراته السابقة إلى البلاد. وقبل نصف ساعة من موعد المؤتمر الصحافي، شاهد مراسل فرانس برس أربع سيارات، ثلاث منها رباعية الدفع، تخرج من المنزل. وزجاج السيارات الأربع داكن، ويصعب بالتالي تبين من بداخلها.

وأكد غصن قبل أيام أنه تدبّر بمفرده أمر خروجه من اليابان، من دون أي مساعدة من أفراد عائلته، بعد تقارير إعلامية أفادت عن دور لعبته زوجته كارول في تنظيم فراره.

وحضرت كارول غصن المؤتمر الصحافي، وجلست في الصف الأمامي لجهة الصحافيين.

وأصدر القضاء الياباني الثلاثاء مذكرة توقيف بحق كارول غصن بشبهة الإدلاء بشهادة زائفة خلال التحقيق معها.

 "تحريف فادح" 

ومنذ توقيفه، يقول غصن إنه ضحية "مؤامرة". وقال اليوم إن رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي غير متورط فيها.

في باريس، ندّد فريقه القانوني ليلاً بمضمون بيان لشركة نيسان نشر الثلاثاء وتحدث عن "تحقيق داخلي شامل" انتهى بأن هناك "العديد من الأفعال المنسوبة لغصن والمنطوية على سوء سلوك"، وتحدث عن "أدلّة دامغة على ارتكابه مخالفات مختلفة".

ووصف فريق غصن "ادعاءات" الشركة بأنها "تحريف فادح للحقيقة".