عين أردوغان تتجه نحو مليارات الاستثمار في ليبيا
أنقرة - ينتهج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سياسة المراحل للكشف عن أطماعه في ليبيا فبعد أن عبر أمس الثلاثاء عن عزمه تقاسم النفط السوري في دير الزور وعرض اقتسامه مع روسيا، بدأت وسائل الإعلام التركية الرسمية في الترويج على لسان المسؤولين في حكومة العدالة والتنمية لخطط استثمارية بالمليارات تحت غطاء إعادة البلد الذي ساهمت أنقرة في تأجيج الصراع فيه سواء بتسليح الإرهابيين أو التدخل العسكري الأخير.
وأوردت وكالة أنباء الأناضول التركية الرسمية، في تقرير نشرته اليوم الأربعاء أن "ليبيا تقدم لرجال الأعمال الأتراك فرص استثمار بـ 120 مليار دولار"، مشيرة إلى أن هذه الخطط للاستحواذ على جزء كبير من الاستثمارات في ليبيا ستكون تحت غطاء "إعادة الإعمار"، من خلال اتفاق حكومة فايز السراج وأردوغان .
وقال مرتضى قارانفيل "رئيس مجلس الأعمال التركي الليبي" التابع لمجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية للأناضول إنه "بفضل تلك الاتفاقيات والعلاقات الودية الموقعة بين البلدين، نرى أن 2020 واعد بشكل.. نتوقع أن يقترب حجم الصادرات إلى ليبيا هذا العام من 3 مليارات دولار بزيادة قدرها 50 بالمئة على أساس سنوي".
يذكر أن البرلمان الليبي ومقره طبرق والجيش الوطني الليبي رفضا الاتفاق الذي وقعه السراج مع أردوغان بإسطنبول في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، والذي يشمل مذكرتي تفاهم، الأولى حول التعاون الأمني والعسكري، والثانية بشأن تحديد مناطق النفوذ البحرية.
وسمحت تلك الخطوة التي أقدم عليها السراج لأردوغان بالتدخل العسكري في ليبيا في يناير الماضي تمهيدا لبدأ تنفيذ سياساته للاستحواذ على غاز شرقي البحر المتوسط.
كما اعتبرت دول عربية وغربية منها مصر وأثينا وإيطاليا وفرنسا عدم مشروعية الاتفاق لما تمثله من تجاوز وانتهاك لقواعد القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن في المنطقة.
وأضاف قارانفيل أن ليبيا بإمكانها أن تصبح بفضل موقعها، بوابة تركيا المفتوحة على قارة إفريقيا، في ظل الاتفاقيات الاقتصادية التي وقعتها تركيا مع الدول الإفريقية".
وتوقع المسؤول التركي في حديثه مع الأناضول "أن تساهم 'اتفاقية مناطق الصلاحية البحرية' بين تركيا وليبيا في تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين خلال المرحلة المقبلة.
ولفت إلى أن ليبيا ليس لديها منشآت صناعية وإنتاجية متطورة، "ولهذا فإنها تلبي جميع احتياجاتها الأساسية تقريبا من الخارج، وعليه فإنه بإمكان تركيا أن تقوم بتصدير كل شيء إلى هذا البلد".
وقالت الأناضول إن تقديرات جمعية رجال الأعمال والصناعيين المستقلين الأتراك (موصياد)، لشهر ديسمبر/ كانون أول الماضي، تشير إلى أن "تركيا بصدد رفع قيمة صادراتها إلى ليبيا إلى 10 مليار دولار خلال السنوات المقبلة".

وتمر تركيا حالياً بأزمة اقتصادية حادة بسبب سياسات أردوغان الخاطئة وتدخله في شؤون الدول ما وتر علاقات أنقرة بشركائها الاقتصاديين.
ولم تنتهج حكومة العدالة والتنمية إصلاحات التي يطالب بها خبراء اقتصاديون بل تجاهلتها وظلت لأشهر تروّج للاقتصاد التركي وتشّر بأنه سيخرج من أزمته الطويلة عبر إجراءات محفوفة بالمخاطر، مما جعل المستثمرين المحليين يشعرون بخيبة أمل كبيرة ويتكبدون خسائر مالية فادحة بسبب تناقض بين البيانات الحكومية المعلنة والحقائق التي يواجهونها.
وأمس الثلاثاء، أظهرت بيانات رسمية أن معدل البطالة في تركيا ارتفع إلى 13.7 بالمئة في الفترة من نوفمبر/تشرين الثاني إلى يناير/كانون الثاني من 13.3 بالمئة قبل شهر.
وأدت الأزمة الحادة التي تعرضت لها الليرة التركية في 2018 إلى قفزة لمعدل البطالة إلى أعلى مستوى في عشر سنوات عند 14.7 بالمئة في الربع الأول من العام الماضي. ومنذ ذلك الحين، تنخفض البطالة قليلا لكنها تظل عند مستوى مرتفع.
وفي الفترة من نوفمبر تشرين الثاني إلى يناير كانون الثاني انخفض معدل المشاركة في سوق العمل إلى 51.8 بالمئة من 52.5 بالمئة قبل شهر.
ولتنشيط الاقتصاد وانتشاله من أزمته الخانقة تتجه أنظار أردوغان حاليا للاستثمار في ليبيا خصوصا بعد أن ارتفعت استثمارات تركيا في أفريقيا بنسبة 11 بالمئة مسجلة 46 مليار دولار، حسب تقرير مؤشر الاستثمار الخارجي لعام 2019، بمجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركي.
وكان أردوغان قد صرح في أكتوبر/تشرين الأول الماضي إن "العلاقات مع أفريقيا تعيش عصرها الذهبي تقريبا"، مشيرا إلى أن حجم التبادل التجاري المشترك بلغ 24 مليار دولار.
لكن قارانفيل لم يخفي الصعوبات التي يواجهها المقاولون الأتراك في ليبيا، حيث أشار إلى أنهم "تولوا تنفيذ أولى مشاريع بقيمة 19 مليار دولار (..) لكنها لم تكتمل بسبب الصعوبات التي واجهتها ليبيا".
وأوضح أن "لهؤلاء المقاولين في الوقت الحالي ما مجموعه 4 مليارات دولار من المستحقات لأسباب متنوعة، من قبيل دفعات مالية، والضمانات، والآلات والمعدات وغيرها من الأضرار".

وتدخل أردوغان عسكريا في ليبيا في يناير الماضي وأرسل مرتزقة من الفصائل السورية المعارضة المدعومة من أنقرة إلى طرابلس للقتال في صفوف الميليشيات التابعة لحكومة الوفاق لمساعدتها في صد عملية عسكرية يقوم بها الجيش الوطني الليبي منذ أبريل الماضي لاستعادة العاصمة من الإرهابيين.
كما تدعم حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا حكومة السراج التي يسيطر عليها الإخوان في طرابلس عسكريا، حيث بدأت في إرسال السلاح لها منذ بداية الصراع رغم الحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا.
ويؤكد الليبيون على رفضهم للتدخل الأجنبي في بلادهم، حيث شن نشطاء ووسائل إعلام محلية هجوما لاذعا على أردوغان منذ إعلانه التدخل العسكري في ليبيا، متوعدين بأن تصبح ليبيا "مقبرة للجنود والمرتزقة" الذين أرسلتهم أنقرة.
ويخشى الليبيون أن يحول الرئيس التركي بلادهم إلى نسخة لفعله في سوريا الغارقة هي الأخرى في الحرب والصراعات منذ 2011، وذلك عبر إغراقها بالسلاح والإرهابيين ومن ثم الاستحواذ على مشاريع إصلاح ما دمرته تلك الفوضى.
وبدأت أنقرة منذ ديسمبر الماضي في نقل عدد كبير من مقاتلي الفصائل السورية التي يهيمن عليها مقاتلون متشددون استخدمتهم في تدخلها العسكري شمال سوريا، إلى ليبيا ضمن رحلات سرية من إسطنبول، وهي تسعى حاليا لإضفاء شرعية على ما تقوم به عبر استجلاب المزيد من الدعم لحكومة السراج تحت غطاء المشاريع الاقتصادية.
وأدرك أردوغان في الأسابيع القليلة الماضية مدى قرب الجيش الوطني الليبي من حسم المعركة العسكرية في طرابلس وجوارها بالإضافة إلى فشله في إقناع الكفة الدولية والأوروبية خاصة بـ"شرعية" حكومة الوفاق واستمالتها للحصول على دعمها.