
دولة أردوغان الأكثر عدائية وشراسة
اسطنبول – تعكس دبلوماسية تركيا إقليميا ودوليا وتحركاتها المثيرة للجدل خصوصا في منطقتي المتوسط والشرق الأوسط، مدى شراسة دولة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المتمسكة بانتهاج سلوك عدائي تجاه المجتمع الدولي، بالمضي قدما في تنفيذ انتهاكات صارخة للمواثيق والمعاهدات وإجراء تدخلات عسكرية واسعة النطاق، ما يرجح دخول أنقرة في عزلة محتملة ستسبب حتما أسوأ أزمة لبلد يعاني أصلا ركودا اقتصاديا آخذا في التفاقم.
ويرى محللون أن سياسة تركيا الخارجية ابتعدت تماما عن دبلوماسية "صفر مشاكل" التي كان أعلنها حزب العدالة والتنمية الحاكم قبل سنوات.
وفضلا عن عنجهية النظام التركي وتمسكه بتدخلاته العسكرية المدانة دوليا وانتهاكاته الصارخة في منطقة المتوسط ومساعيه لتوسيع نفوذه اللاقانوني في مناطق غنية بالمحروقات، قابل الردود الدولية والتحذيرات بتصريحات شرسة، مهاجما ما لا يقل عن 13 دولة وكيانين بطريقة سلبية في بيانات صحفية مباشرة في أول 12 يومًا من سبتمبر/أيلول الجاري.
ونقل موقع 'أحوال تركية' عن المحلل السياسي قوله في تغريدة على تويتر، إنّه "ما لا يقل عن 13 من أصل 25 تصريحًا حديثًا للخارجية التركية كانت مجرد إدانات ورفض وتحذير لمن يتصرفون بتوجيه من مجموعات معينة" وفقاً لما جاء في تلك البيانات، والتي تصدّر معظمها وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو.
وتعتبر فرنسا من أكثر الدول التي هاجمتها أنقرة مؤخرا بعد احتدام التوتر بين تركيا واليونان ودعم باريس لأثينا في الخلاف القائم على التنقيب في مياه شرق المتوسط.
ورمت فرنسا بثقلها خلف اليونان إذ أرسلت سفنا وطائرات حربية في إطار النزاع المتصاعد بشأن موارد الطاقة والنفوذ البحري في شرق المتوسط.
وأكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الخميس أنه على أوروبا أن تتحدث بصوت "أكثر وحدةً ووضوحاً" تجاه تركيا التي "لم تعد شريكةً" في شرق المتوسط، فيما تسعى باريس بكل ثقلها الدبلوماسي لتوحيد الموقف الأوروبي من أجل اتخاذ قرارات حازمة لكبح انتهاكات تركيا في المياه المتوسطية.
وقال ماكرون قبيل قمة لدول الجنوب في الاتحاد الأوروبي في كورسيكا "نحن كأوروبيين علينا أن نكون واضحين وحازمين مع حكومة الرئيس التركي التي تقوم اليوم بتصرفات غير مقبولة".
ودعا ماكرون أنقرة إلى أن "توضح نواياها" معبّراً في الوقت نفسه عن "رغبته العميقة في بدء حوار مثمر مجددا مع تركيا".
وأكد أن "ممارسات غير مقبولة حصلت على السواحل الليبية" تجاه فرقاطة فرنسية كانت تعمل تحت قيادة حلف شمال الأطلسي"، مضيفا أن "تركيا وقعت اتفاقات غير مقبولة مع حكومة الوفاق الوطني الليبية، منكرةً الحقوق الشرعية لليونان"، مشيرا أيضا إلى أن "تركيا تقوم بعمليات تنقيب في المنطقة القبرصية تُعد غير مقبولة".
وبينما يتمسك الرئيس التركي بنهجه العدائي تجاه دول أوروبية لطاما كانت حليفة، رأى ماكرون أن "تركيا لم تعد شريكةً في هذه المنطقة".
وأغضب ماكرون أنقرة بقوله إنّ الشعب التركي "العظيم" يستحق شيئا آخر عوضا عن الأسلوب الذي تتعامل به حكومة الرئيس اردوغان حيال الأزمة.
ووصفت تركيا الجمعة البيان الصادر عن قادة دول جنوب أوروبا الذين هددوا بفرض عقوبات على أنقرة جراء خلافها مع اليونان بشأن حقوق الطاقة وترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط، "المنحاز".
وأدى ذلك إلى خلاف تحول إلى عداء شخصي بين ماكرون واردوغان، إذا تبادل الرئيسان الإهانات وهددا بعضهما البعض بقوة جيوشهما.

وهاجمت تركيا الخميس الرئيس الفرنسي لانتقاده أنشطة أنقرة في شرق البحر المتوسط، ووصفته بـ "المتغطرس"، واتهمته بالعودة إلى "السلوكيات الاستعمارية القديمة".
وأشارت وزارة الخارجية التركية إلى أن الرئيس الفرنسي ليس في وضع يسمح له باتخاذ القرارات بشأن المناطق البحرية، مضيفة أنه يتعين على فرنسا العمل من أجل المصالحة والحوار.
وقالت الوزارة في بيان إن "موقف ماكرون الفردي والقومي يشجع التوتر ويعرض المصالح الرئيسية لأوروبا والاتحاد الأوروبي للخطر".
من جانب آخر هاجمت أنقرة موسكو على خلفية إدانة الأخيرة لانتهاكات تركيا بحق أكراد سوريا، فضلا عن إدانتها المشاركين في القمة الأوروبية الأخيرة التي بحثت اتخاذ إجراءات لكبح الانتهاكات التركية في المتوسط.
وقال المتحدث باسم الخارجية التركية حامد أقصوي الجمعة إن صياغة إعلان 'ميد 7' كانت "خالية من أي أساس قانوني ومنحازة وغير واقعية كما كان الحال العام الماضي".
وفي سياق الانتهاكات التركية بمياه شرق المتوسط واحتدام التوتر مع اثينا، انتقدت صحيفة دي فيلت الألمانية للاستفزازات التركية لليونان.
ولم تسلم جامعة الدول العربية التي أدانت التدخلات التركية في كل من سوريا والعراق ليبيا واليمن، من هجمات أنقرة على الرغم من أن الجامعة العربية طالبت بموجب القانون الدولي أن تتوقف تركيا عن تدخلها العسكري في المنطقة.
بدورها تلقت كوسوفو وصربيا "توبيخا" من تركيا بغد قرار فتح سفارات لها في القدس، فيما تضع أنقرة نفسها وصية على الأراضي الفلسطينية متناسية انتهاكاتها في كل من سوريا العراق وليبيا.
وبينما أدانت تركيا مزاعم التجسس في النمسا في إطار تدخلاتها في سياسة بلدان أخرى ونددت بما اعتبرته التطرف العنصري في الدنمارك، هاجمت اتفاق السلام التاريخي بين الإمارات وإسرائيل.
ويبدو أن الرئيس التركي ماض في إثارة حفيظة عشرات الدول من أوروبا إلى الخليج وصولا إلى أغلب الدول العربية، معززا احتمالية دخول بلاده في عزلة خانقة شبيهة بتلك التي تعيشها إيران حاليا، بعد تعنته في عداوة المعسكر الدول المناوئ للانتهاكات التركية في كل مكان.
فلم يترك أردوغان لتركيا دبلوماسية هادئة تكفل له مطالبه الهامة كحلم الانضمام للاتحاد الأوروبي الذي بات صعب المنال، بل أثار الفوضى في كل مكان واستجلب لبلاده عداءات مجانية أفقدته حلفاء تقليديين. وباتت تركيا اليوم مهددة بإقصائها من حلف الناتو وفرض عقوبات قاسية على اقتصاد الذي يعيش حالة من الركود المتعاظم.
ويطرح هذا تساؤلا حول مصير تركيا بعد رحيل اردوغان مخلفا لبلده إرثا فوضويا ثقيلا بالمناوشات التي لا تخدم مصلحة أنقرة والتي ستواجه مستقبلا مليئا بالصراعات مع عشرات الدول والنقمة من قبل شعوب مجاورة، فيما يظهر أن تراجع شعبية الرئيس التركي بين الأتراك قد تعجل برحيله عاجلا أم آجلا.