اجراءات فرنسية لتضييق الخناق على جماعات الإسلام السياسي
باريس - تتحرك فرنسا التي استفاقت مؤخرا على فاجعة ذبح مدرس بضواحي باريس في حادثة أكدت الأجهزة الأمنية طابعها الإرهابي، بقوة لمواجهة ما وصفته بالتطرف الإسلامي وجماعات الإسلام السياسي على أراضيها في حملة أثارت قلق ومخاوف الجالية المسلمة وتحديدا مسلمو سين-سان-دوني الذين اعتبروا قرار غلق مسجد بانتان الكبير بمنطقتهم، عقابا جماعيا عن جريمة ارتكبها فرد.
وتعهد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الثلاثاء بـ"تكثيف التحركات" ضد الإسلام المتطرف بعد قتل المدرس صامويل باتي بقطع رأسه، معلنا خصوصا حل جماعة الشيخ أحمد ياسين المحلية الموالية لحركة حماس و"الضالعة مباشرة" في الاعتداء.
وقال ماكرون في كلمة مقتضبة في بوبينيي شمال باريس إن "قرارات مماثلة بحق جمعيات ومجموعات تضم أفرادا ستصدر في الأيام والأسابيع المقبلة".
وأضاف الرئيس الفرنسي للصحفيين بعد اجتماع مع وحدة مكافحة الإسلام السياسي في ضاحية شمال شرق باريس "نعرف ما يتعين القيام به".
وأظهرت التحقيقات في جريمة قتل أستاذ التاريخ صامويل باتي بقطع الرأس في ضواحي باريس أن منفّذها تواصل مع والد تلميذة كان قد أطلق حملة ضد المدرّس عبر الإنترنت. وكان والد التلميذة وراء حملة على الإنترنت تحض على "التعبئة" ضد الأستاذ.
والوالد الموقوف كان قد نشر رقم هاتفه على فيسبوك وتبادل الرسائل مع القاتل الشيشاني عبدالله أنزوروف البالغ 18 عاما على تطبيق واتساب قبل أيام من الجريمة، وفق مصادر أمنية.
والثلاثاء قال رئيس الوزراء جان كاستيكس إن الحكومة تستهدف "كل الجمعيات التي يثبت تواطؤها مع التطرّف الإسلامي".
وتعهد وزير الداخلية جيرالد دارماناندارمانان أن تشدد الحكومة الخناق أيضا على الجمعيات الخيرية التي يشتبه بأنها مرتبطة بشبكات إسلامية.
وأعادت عملية قتل المدرس إلى الأذهان الهجوم على مجلة شارلي إيبدو الساخرة عام 2015 الذي أسفر عن مقتل 12 شخصا بينهم رسامون بسبب نشر رسوم كاريكاتورية للنبي محمد.
ولطالما عبر المعلمون في فرنسا عن مخاوفهم من انعكاس التوتر حول الهوية والدين على الصفوف. وتجمع الاثنين أمام مدرسة باتي عدد من رجال الدين المسلمين لتقديم التعازي.
وقال رجل الدين كيمادو غاساما وهو إمام مسجد في باريس "من المهم جدا أن نأتي إلى هنا ونعبر عن مواساتنا ونقول إن ما حصل هنا لا يعبر عن الإسلام. هذه الجريمة نفذها مجرمون لا علاقة لهم بالإسلام".
وارتفع منسوب التوتر على المستوى السياسي أيضا مع إعلان ماكرون عن "خطة عمل" ضد "الكيانات والجمعيات أو الأشخاص المقربين من الدوائر المتطرفة" والذين ينشرون الدعوات للكراهية.
ودعت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن التي قد تواجه ماكرون في انتخابات عام 2022 الرئاسية، إلى سن "قانون حرب" وتعليق الهجرة فورا.
ومقتل باتي هو الهجوم الثاني بسلاح أبيض خلال أقل من شهر على علاقة بشارلي ايبدو. وأصيب شخصان بجروح في سبتمبر/ايلول بهجوم أمام المقر القديم للمجلة.
منسوب التوتر السياسي في فرنسا يرتفع أيضا مع إعلان ماكرون عن خطة عمل ضد الكيانات والجمعيات أو الأشخاص المقربين من الدوائر المتطرفة والذين ينشرون الدعوات للكراهية
وقال مدعون عامون في باريس إنهم فتحوا تحقيقا بشأن موقع الكتروني فرنسي مؤيد للنازيين الجدد أعاد نشر صورة جثة باتي التي نشرها القاتل على تويتر.
ودعا دارمانان المدارس إلى زيادة اليقظة لدى عودة التلاميذ من عطلة فصل الخريف.
كما أدان شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب الثلاثاء قطع رأس المدرس الفرنسي معتبرا أنه "فعل إرهابي أثيم"، مشدّدا على أن الإساءة للأديان تحت شعار حرية التعبير هي "دعوة صريحة للكراهية".
وجاء كلام شيخ الأزهر في خطاب ألقاه من بعد في روما في ساحة الكابيتول الشهيرة أمام مجموعة من كبار رجال الدين المسيحيين واليهود والبوذيين بينهم البابا فرنسيس وبطريرك القسطنطينية المسكوني برثلماوس الأول وكبير حاخامات فرنسا حاييم كورسيا، الذين التقوا الثلاثاء لتوقيع دعوة مشتركة إلى السلام.
وقال شيخ الأزهر في خطاب ألقاه باللغة العربية "إنني كمسلم وكشيخ للأزهر الشريف، أبرأُ إلى الله تعالى وأبرّئ أحكام الدين الإسلامي الحنيف وتعاليم نبي الرحمة محمد - صلى الله عليه وسلّم - من هذا الفعل الإرهاب الأثيم".
وأضاف "في ذات الوقت، أؤكد أن الإساءة للأديان والنيل من رموزها المقدسة تحت شعار حرية التعبير هو ازدواجية فكرية ودعوة صريحة للكراهية".
وقال شيخ الأزهر في خطابه "ليس هذا الإرهابي وأمثاله يعبرون عن دين محمد - صلى الله عليه وسلّم".
وكان الأزهر الشريف ندّد في سبتمبر/أيلول بقرار مجلة "شارلي إيبدو" الفرنسية الساخرة إعادة نشر رسوم كاريكاتورية تمثل النبي محمد، مع بدء محاكمة شركاء الجهاديين الذين قتلوا أعضاء في هيئة تحريرها في يناير/كانون الثاني 2015.
وفي اكتوبر/تشرين الأول وصف مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر وهو بمثابة الهيئة العلمية الأعلى في المؤسسة السنية البارزة، تصريحات الرئيس الفرنسي عن الإسلام بأنها "عنصرية" و"تدعم خطاب الكراهية"، منددا بـ"اتهامات" تستهدف الإسلام.
وكان البابا فرنسيس وشيخ الأزهر وقعا في فبراير/شباط 2019 في أبوظبي في الإمارات "وثيقة الأخوة الإنسانية" التي نددا فيها بالتطرف الديني ودعم الإرهابيين.
وسلط قرار غلق مسجد بانتان الكبير الضوء على المسجد ومن يرتاده وعلى إمامه التي تقول السلطات الفرنسية إنه متطرف وان للمسجد صلات بسلفيين جهاديين.
وستغلق السلطات الفرنسية اعتبارا من مساء الأربعاء المسجد الذي اعتبرته ملتقى "لحركات إسلامية متطرفة" تروج لخطاب "قد يكون سهل" عملية ذبح مدرس بطريقة وحشية.
ويرتاد المسجد نحو 1300 مصل وسيغلق "لمدة ستة أشهر" وفق ما جاء في مرسوم صادر عن السلطات الإدارية لمنطقة سين-سان-دوني.
وقد علق ثلاثة عناصر من الشرطة على سياج مسجد بانتان الكبير الواقع وسط أبنية في هذه المدينة الشعبية بشمال شرق باريس، قبل ظهر الثلاثاء القرار الصادر عن السلطات بإغلاق المكان. وكان وزير الداخلية جيرالد دارمانان أعلن القرار مساء الاثنين.
وتأخذ السلطات على المسجد تشاركه عبر فيسبوك في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول شريط فيديو يظهر والد تلميذة في الصف الثالث تكميلي في مدرسة بوا-دون في منطقة إيفلين، يعرب عن غضبه إثر درس حول حرية التعبير أعطاه المدرس صامويل باتي في الخامس من أكتوبر/تشرين الأول.
وفي السادس عشر من الشهر الحالي، أقدم لاجئ شيشاني يبلغ من العمر الثامنة عشرة على قطع رأس مدرس التاريخ والجغرافيا المذكور في شارع بين المدرسة ومنزله.
وجاء في القرار "ينبغي النظر إلى مسجد بانتان الكبير على أنه أقدم على نشر تصريحات تحض على الحقد والعنف الذين من شأنهما المساهمة في ارتكاب أعمال إرهابية".

وأقر القيم على المسجد محمد حنيش الاثنين بارتكاب "هفوة"، موضحا "أنا لا أؤيد ما قيل في الجزء الأول (من الشريط) الذي تحدث عن الرسوم الكاريكاتورية إلا أن الجزء الثاني عندما أشير بالأصبع إلى المسلمين في الصف أثار خوف الكثير من المسلمين الذين يخشون بداية تمييز جديد".
وأثار قرار السلطات بإغلاق المسجد استغراب أشخاص يرتادون المكان الثلاثاء.
وقالت ناديا (46 عاما) التي تصلي في المسجد منذ سنة "أنا ضد ما حصل مع المدرس إلا أن قرار إغلاق المسجد مؤسف فالإسلام يناهض كل أشكال العنف".
وقال موسى وهو مدرس رياضة في الثلاثين من العمر "بسبب خطأ ارتكبه شخص (تشارك الشريط) يعاني كل المؤمنين. مع هذا الإغلاق تتم معاقبتنا" مشيرا إلى أنه سينتقل للصلاة في مساجد أخرى قريبة.
وقال برتران كيرن رئيس بلدية بانتان الاشتراكي إن حنيش "ارتكب حماقة كبيرة اشجبها" لكنه يخشى من أن "تشوه صورة كل المصلين الذين هم في غالبيتهم العظمى من المعتدلين".
ويندرج قرار إغلاق المسجد مؤقتا في إطار حملة مضادة تشنها وزارة الداخلية التي وعدت بشن "حرب على أعداء الجمهورية" وباشرت سلسلة من العمليات تستهدف التيار الإسلامي إثر قتل صامويل باتي الذي تقام له مراسم تكريم وطنية الأربعاء.
وجاء في مرسوم السلطات أن قرار الإغلاق يستند أيضا إلى "روابط مع السلفيين" يقيمها المسجد وتردد أشخاص إليه "ضالعين في الحركة الجهادية" وشخصية إمام المسجد إبراهيم دوكوريه التي تحوم حولها شبهات.
وأوضح المرسوم أن دوكوريه "ضالع في الحركة الإسلامية المتطرفة في منطقة إيل دو فرانس" وقد تدرب سنتين في "معهد متطرف" في اليمن وأدخل ثلاثة من أولاده إلى مدرسة غير قانونية.
وقد أغلقت سلطات منطقة سين-سان-دوني هذه المدرسة في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول، منددة بـ"ظروف لا توصف" وعمل "خارج عن القانون والمبادئ الجمهورية".
من جهته قال كيرن "لم يرد حتى الآن أن الإسلاميين يسيطرون على المسجد" مقرا بأن "إماما واحدا (دوكوريه) يطرح مشكلة".
وقال كثير من المؤمنين الشباب إن دوكوريه إمام "جيد جدا" و"هادئ" و"كل ما يتفوه به إيجابي".
إلا أن أشخاصا أكبر سنا يصفونه بطريقة مختلفة. وقال رجل همسا طالبا عدم الكشف عن اسمه "لا أحب المكان كثيرا فثمة إسلاميون هنا لكن لا يمكنني أن أقول شيئا، لا أريد مواجهة مشاكل".