كردستان العراق يواجه ضغوطا اقتصادية ومالية

أكراد العراق يعولون على عائدات النفط لدفع الرواتب في ظل تراجع عائدات الصناعة والزراعة نتيجة تدفق السلع التركية والإيرانية الرخيصة.
الديون الخارجية والداخلية تثقل كاهل اقتصاد كردستان العراق
موازنة الوزارات في كردستان العراق تُسرق لتحقيق مكاسب حزبية وشخصية

اربيل/بغداد - يواجه إقليم كردستان العراق الذي يتمتع بحكم ذاتي المزيد من المتاعب اقتصادية وسط أزمة مالية حادة تفاقمت مع تعثر حل مشكلات عالقة مع الحكومة المركزية في بغداد والتي تعاني بدورها من أزمات مالية واقتصادية واجتماعية بفعل تراجع أسعار وإنتاج النفط المورد الأساسي لموازنة الدولة. ومن ضمن تلك المشكلات موازنة الإقليم شبه المستقل.

وأصبح الوضع أكثر صعوبة في إقليم كردستان مع وتيرة مقلقة لتفشي فيروس كورونا.

ووفقا للبنك الدولي، يواجه العراق هذا العام تدهورا اقتصاديا بسبب اعتماد ميزانية البلاد على صادرات النفط، محذرا من أن "نقاط الضعف الموجودة أصلا في العراق قد تؤدي إلى انهيار اقتصادي وموجة جديدة من العنف" في البلاد.

ويرى الخبير الاقتصادي بلال سعيد أن كل ما يحدث من انهيار لاقتصاد كردستان اليوم، سببه عدم اعتماد سلطات الإقليم على نظام اقتصادي قابل للتطبيق من أجل ضمان الازدهار على المدى البعيد.

ويقول سعيد إن "موارد مالية كبيرة تحقّقت (لكردستان): ميزانية مخصصة من (حكومة) بغداد وعائدات المنافذ الحدودية مع تركيا وإيران".

ويضيف "لكن، بدلاً من استثمارها للبنى التحتية الزراعية والصناعية والصحية والسياحية، ركزت حكومة الإقليم على تطوير قطاع النفط فقط".

وكما هو الحال مع الحكومة المركزية، أدى توفير الوظائف في القطاع العام مع أن عددا كبيرا منها بدون جدوى، إلى حدوث تضخم.

ويوجد اليوم في إقليم كردستان حيث يسكن خمسة ملايين شخص، 1,2 مليون موظف حكومي، أربعون في المئة منهم عناصر في الجيش والشرطة. وتكلّف رواتبهم أكثر من 725 مليون دولار شهريا.

الاقليم يدعم مجالات الفلاحة والصناعة والتجارة لكن العقود تمنح وفق الولاءات السياسية
الاقليم يدعم مجالات الفلاحة والصناعة والتجارة لكن العقود تمنح وفق الولاءات السياسية

ولم تدفع حكومة الإقليم منذ كانون الثاني/يناير الماضي غير ستة رواتب شهرية لموظفي الدوائر المدنية، وقررت في حزيران/يونيو أن تخفّض بنسبة تصل إلى 21% الرواتب التي تتجاوز 250 دولاراً.

ويعني هذا انخفاض فاتورة الرواتب إلى 591 مليون دولار، لكن التراكمات ما زالت متواصلة رغم تسلم الإقليم مبلغ 260 مليون دولار من الحكومة المركزية في كل شهر. وأصبحت رواتب الموظفين الحكوميين مشكلة أمام الحكومة المركزية في ظل عدم إقرار الموازنة حتى الآن.

ويتسلم الموظفون المدنيون في حكومتي الإقليم وبغداد، الرواتب منذ سنوات في ظل أزمة اقتصادية متصاعدة، لكن الموارد التي يعتمد عليها البلد أصبحت مهددة بالنفاذ، وفقا لمعهد لندن للاقتصاد.

وأشار تقرير صادر عن المعهد إلى ان "الأحزاب السياسية المهيمنة (على البلاد) تكافىء الموالين لها بالرواتب، وتستخدم عقود المشاريع لإثراء رجال الأعمال المقربين منها. بالمحصلة، أصبحت موازنة الوزارات تُسرق لتحقيق مكاسب حزبية وشخصية".

اقتصاد غير صحي

ويقول رئيس لجنة الاستثمار في إقليم كردستان محمد شكري "نحن أغنياء عندما يكون سعر النفط مرتفعا وفقراء عندما ينخفض"، مضيفا "أنا لا أسمي هذا اقتصادا صحيا".

ويتابع "من أجل تصحيح ذلك، قامت اللجنة بمنح 60 رخصة لمستثمرين بقيمة 1,5 مليار دولار، غالبيتها في قطاعات الزراعة والصناعة".

في غضون ذلك، تطلق السلطات وعوداً بتحسين الأوضاع الاقتصادية وبناء مشاريع كبيرة كالسدود والطرق وسكك الحديد، ودعت المستثمرين الأجانب الى المشاركة في المشاريع.

في هذا الوقت، ينفذ صبر الصناعيين المحليين الذين يواجهون منافسة يومية حادة بوجه منتجات تغرق الأسواق تصل من تركيا وإيران، الجارتين اللتين تنخفض عملتهما بشكل متواصل فيما لا يزال الدينار العراقي محافظا على قيمته مقابل الدولار.

الاقليم يحاول دعم الصناعة والزراعة لكن ذلك يواجه باغراق السوق يالمنتجات الخارجية
الاقليم يحاول دعم الصناعة والزراعة لكن ذلك يواجه باغراق السوق يالمنتجات الخارجية

ويطالب بارز رسول، وهو صاحب شركة للحديد الصلب يصل إنتاجها إلى خمسين ألف طن شهرياً، بفرض "زيادة في الضرائب الجمركية ومراقبة الحدود" للحد من تدفق البضائع الى البلاد، مشيرا الى ضرورة دعم قطاع الزراعة.

ويقول رسول الذي قام قبل فترة قصيرة بتفكيك 50 بيت زراعة زجاجيا، "إنتاج الكيلوغرام من الخيار يكلفني 21 سنتاً، بينما يباع كيلو الخيار الإيراني أو التركي ب13 سنتاً في أسواق إربيل".

ولم يصوّت برلمان إقليم كردستان على موازنة منذ 2014. وبالتالي، من المستحيل معرفة عائدات المنافذ الحدودية أو النفط أو الضرائب، ولا حتى كلفة المصاريف.

وكمؤشر على تدهور الوضع الاقتصادي، خاطب رئيس وزراء الإقليم مسرور بارزاني مطلع تشرين الأول/أكتوبر البرلمان بهذا الخصوص، وذلك للمرة الأولى منذ تشكيل حكومته في تموز/يوليو 2019.

وأكد أن الدين وصل إلى 28,4 مليار دولار، بينها تسعة مليارات دولار هي قيمة رواتب غير مدفوعة منذ عام 2014.

وعند سفح تلة وعرة، وعلى بعد 55 كيلومتراً شمال شرق أربيل، كبرى مدن كردستان العراق حيث تمتد بلدة مير رستم على مساحة شاسعة، كروم من العنب الناضج باتت جاهزة للقطاف لتكون مصدر دخل للإقليم الشمالي الغارق في أزمة اقتصادية.

وقد عاد سكان الإقليم الذي يتمتع بحكم ذاتي إلى الاعتماد على الزراعة التي تراجع العمل فيها بعد سقوط نظام صدام حسين في العام 2003، عندما تشكلت حكومة، وخُصّص الإقليم بميزانية كبيرة، فتوجه غالبية السكان إلى وظائف الدولة لضمان رواتب شهرية.

ويؤكد عبد الله حسن، وهو مزارع في بلدة مير رستم، أنها "المرة الأولى" منذ سنوات التي يقطف فيها العنب من مزارع البلدة التي كانت موردا رئيسيا للعيش إبان فترة الحصار الذي فرض على العراق وانتهى بالغزو الأميركي للبلاد وإسقاط صدام حسين.