خلل ما جعل أوروبا فريسة للارهاب

مناطق في دول أوروبية تحولت إلى قواعد خلفية للتطرف والإرهاب، حيث ينشط أفراد وجماعات بعض من عناصرها اعتقل وخضع لمحاكمات وأفرج عنه ليعود لنفس الممارسات.
منفذ هجوم فيينا نجح في خداع برنامج إعادة تأهيل المتطرفين
القانون الضامن للحريات في أوروبا أتاح ممارسات ساعدت في نشر التطرف
حين تتحول مناطق في أوروبا إلى قواعد خلفية للتطرف والإرهاب

فيينا - كشف الهجوم الإرهابي في فيينا وقبله الهجمات التي تعرضت لها فرنسا ودول أوروبية أخرى عن ثغرات في المنظومتين الأمنية والقانونية في أوروبا عموما التي تقيم فيها جاليات مسلمة مسالمة، لكن بينها إسلاميون متشددون استفادوا إلى حدّ كبير من تلك الثغرات.

فالعنصر المتطرف الذي نفذ هجوم نيس الأخير قدم من ايطاليا التي وصلها بشكل غير قانوني (في رحلة هجرة سرية) ومنها إلى فرنسا ببطاقة هوية مزورة ونفذ الهجوم بعد ساعات قليلة من وصوله.

وأحد المهاجمين في اعتداء فيينا أمس الاثنين خضع في السابق لبرنامج إعادة تأهيل المتطرفين ومعروف لدى السلطات النمساوية ولكنه انضم لمجموعة مسلحة وشارك في الاعتداء الإرهابي.

وقال وزير الداخلية النمساوي كارل نيهامر إن منفذ الاعتداء الدامي في فيينا نجح في "خداع" برنامج إعادة تأهيل المتطرفين والمكلفين بمتابعته.

وفي ابريل/نيسان 2019 حُكم على منفذ الهجوم بالسجن 22 شهرا لمحاولته التوجه إلى سوريا للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية، لكن تم الإفراج عنه في شكل مبكر الأمر الذي انتقده الوزير نيهامر أمام الصحافيين، لافتا من جهة أخرى إلى اعتقال 14 شخصا وتنفيذ 18 عملية دهم في البلاد على صلة بالهجوم.

وثمة مناطق في دول أوروبية تحولت إلى قواعد خلفية للتطرف والإرهاب، حيث ينشط أفراد أو جماعات بعض منهم اعتقل وخضع لمحاكمات وافراج تحت المراقبة ليعود لنفس الممارسات. ومن بين تلك المناطق منطقة مولنبيك في بلجيكا التي تحولت بؤرة للتطرف ومنها انطلق بعض منفذي هجمات باريس الدموية في 2015.

وفي مؤشر على أن هجوم فيينا ليس معزولا عن الخلل الكامن في المنظومة الأمنية الأوروبية، قالت السلطات في مدينة زوريخ السويسرية إن الشرطة اعتقلت اليوم الثلاثاء رجلين ضمن تحقيق في صلات محتملة بالمشتبه به الرئيسي في هجوم بالرصاص في العاصمة النمساوية.

وفي ما يمكن وصفه بإرهاب عابر للحدود بين الدول الأوروبية، لم يكن اعتقال شخصين في سويسرا استثناء أو سابقة يمكن البناء عليها في المجادلة بفرضية الخلل الأمني والقانوني، فبعض من منفذي هجمات باريس تنقلوا بين فرنسا وبلجيكا وتحديدا بين باريس ومولنبيك (التي تعتبر بؤرة كبيرة للتطرف وقاعدة خلفية جرى التخطيط فيها لهجمات باريس الدموية في 2015) بكل سهولة.

وقالت الشرطة السويسرية في بيان إن الرجلين سويسريان عمر أحدهما 18 عاما والآخر 24 عاما واعتُقلا في مدينة فينترتور التي تبعد نحو عشرة كيلومترات عن زوريخ، مضيفة "الرجلان اعتُقلا بعد ظهر الثلاثاء بالتنسيق مع السلطات النمساوية".

فرنسا تعرضت لأكثر الهجمات الارهابية دموية
فرنسا تعرضت لأكثر الهجمات الارهابية دموية

وتابعت "الجهات المسؤولة تجري حاليا تحقيقات لمعرفة مدى الصلة التي كانت موجودة بين المعتقلين الاثنين والقاتل المزعوم".

وفي حال صحت فرضية ارتباط الرجلين في سويسرا بمنفذ هجوم فيينا، فإن ذلك يشير إلى شبكات ممتدة بين عدد من الدول الأوروبية وإلى وجود تواصل وتنسيق وربما تحضيرا للمزيد من الهجمات على طريقة الذئاب المنفردة.

واعتقل حتى الآن ما لا يقل عن 14 بالنمسا في مداهمات لثمانية عشر عقارا بعد أن شن مسلح، قالت السلطات إنه متشدد مُدان، الهجوم الدامي في وسط فيينا ليل الاثنين.

وشهدت فينترتور العديد من إجراءات إنفاذ القانون التي تركز على من يُشتبه بأنهم متطرفين.

وفي سبتمبر/أيلول، حُكم على رجل بالسجن 50 شهرا لدعمه تنظيم الدولة الإسلامية وتجنيده أفرادا من أجل الانضمام للتنظيم. وأطلقت وسائل الإعلام السويسرية على هذا الرجل لقب "أمير فينترتور" ووصفه المدعون بأنه شخصية بارزة بين الإسلاميين المتشددين في سويسرا.

وباستناد إلى هذه المعطيات وإلى تفاصيل لهجمات إرهابية أخرى كان بعض من منفذيها معروفون لدى السلطات في فرنسا و في بلجيكا وغيرهما ومع ذلك نجحوا في تنفيذ عدد من الهجمات الإرهابية، يبرز خلل ما.

فهل الجهاديون الذين نفذوا سلسلة اعتداءات في مختلف أنحاء أوروبا في السنوات الأخيرة أكثر قدرة وذكاء وإمكانات من أعتى الأجهزة الأمنية والاستخباراتية أم أن الأمر يتعلق بخلل ما في المنظومة القانونية والأمنية في أوروبا.

وتكتسب هذه الأسئلة مشروعيتها من كون الإرهاب بات فعلا متكررا يهدأ لفترة ويضرب في أخرى تبدو مدروسة بدقة.

بعض المحللين يذهبون إلى أن أوروبا تكتوي بقوانين الحريات التي أتاحت لجماعات الإسلام السياسي التمدد والاستقطاب والتجنيد ونشر التطرف وبعضهم الآخر يرى أن هناك قصورا وتقصيرا في المتابعة والمراقبة وأن القوانين الضامنة للحريات هي روح أوروبا لم تأخذ في اعتبارها أن هناك من يمكن أن يستثمرها لجهة ضرب السلم والاستقرار فيها.

ورغم الإجراءات الأمنية المشددة التي اتخذتها حكومات أوروبية تمكن متطرفون من تنفيذ مخططاتهم ما يؤكد حتمية وجود ثغرات بحاجة إلى معالجة سواء تعلق الأمر بما تسميها دول غربية بـ"التطرف الإسلامي" أو بالتطرف عموما غير المرتبط بالدين.

وتعرضت دول في الاتحاد الأوروبي لهجمات رئيسية نفذها إسلاميون متطرفون منذ العام 2015 بعد اعتداء أودى بحياة أربعة أشخاص في فيينا ليل الاثنين الثلاثاء.

وكانت النمسا حتى الآن بمنأى نسبيا عن هذه الهجمات، لكن في يونيو/حزيران 2017 قتل تونسي من أنصار تنظيم الدولة الإسلامية بوحشية زوجين ثمانينيين في منزلهما في لينتس في شمال البلاد.

فرنسا تدفع الثمن الغالي

وشهدت فرنسا منذ يناير/كانون الثاني 2015 سلسلة هجمات أسفرت عن سقوط نحو 260 قتيلا. الهجوم الأول وقع في السابع من يناير/كانون الثانيعندما قتل شقيقان أعلنا ولاءهما لتنظيم القاعدة، 12 شخصا في هجوم على صحيفة شارلي ايبدو الأسبوعية الساخرة في باريس.

وفي اليوم التالي، أطلق رجل مرتبط بتنظيم الدولة الإسلامية النار على شرطية في إحدى ضواحي باريس فقتلها. وأحتجز رهائن في متجر يهودي قرب باريس وقتل أربعة أشخاص.

هل يدفع تواتر الهجمات الإرهابية أوروبا لمراجعة استراتيجيتها الأمنية وقوانين أتاحت لجماعات الاسلام السياسي التمدد على أراضيها
هل يدفع تواتر الهجمات الإرهابية أوروبا لمراجعة استراتيجيتها الأمنية وقوانين أتاحت لجماعات الاسلام السياسي التمدد على أراضيها

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2015 ، شهدت فرنسا أسوأ هجوم إرهابي في تاريخها عندما هاجم انتحاريون عدة مواقع وقتلوا 130 شخصا وأصابوا 350 آخرين. ومن بين المواقع المستهدفة قاعة باتاكلان للحفلات الموسيقية وحانات ومطاعم ومحيط ملعب ستاد دو فرانس شمال العاصمة. وأعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن الهجمات.

وفي 14 يوليو/تموز 2016، صدم رجل بشاحنة حشدا في مدينة نيس على البحر المتوسط (جنوب شرق) وقتل 86 شخصا وأصاب 450 آخرين خلال الاحتفال بالعيد الوطني. وأعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن الهجوم أيضا.

وضمن الهجمات الرئيسية أيضا، ذبح جهاديان كاهنا في كنيسته في بلدة سان إيتان روفري في منطقة نورماندي في 26 يوليو/تموز 2016. وقتلا بعد إطلاق النار عليهما. وأعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن الهجوم كذلك.

وفي 23 مارس/اذار 2018، سقط أربعة قتلى و15 جريحا في عدة هجمات نفذها رجل في كاركاسون وفي متجر سوبرماكرت في تريب (جنوب) وأعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عنها.

وفي 11 ديسمبر/كانون الأول من 2018، قتل خمسة أشخاص في السوق الميلادية الشهيرة في ستراسبورغ (شمال شرق) على يد رجل أعلن ولاءه لتنظيم الدولة الإسلامية.

وفي 16 أكتوبر/تشرين الأول 2020، قطع رأس مدرس تاريخ في كونفلان-سانت-أونورين في منطقة باريس بعدما عرض على تلاميذه رسوما كاريكاتورية تمثل النبي محمد.

وفي 29 أكتوبر/تشرين الأول 2020 أقدم تونسي وفد قبل فترة قصيرة إلى أوروبا، على قتل ثلاثة مصلين طعنا بالسكين في كاتدرائية نيس (جنوب شرق). وأعلن تنظيم الدولة الإسلامية كذلك، مسؤوليته عن عدة عمليات قتل فيها عناصر في الشرطة.

وفي 22 مارس/اذار 2017 صدم بريطاني اعتنق الدين الإسلامي، بسيارته حشودا عند جسر ويستمنستر في لندن ومن ثم طعن شرطيا ما أسفر عن سقوط خمسة قتلى.

وفي 22 مايو/ايار من السنة نفسها، فجر بريطاني من أصول ليبية نفسه عند أحد مخارج حفلة أقامتها المغنية الأميركية أريانا غرانده في مانشستر في شمال غرب إنكلترا، مخلفا 22 قتيلا و116 جريحا.

وفي الثالث من يونيو/حزيران، اقتحمت شاحنة صغيرة الجموع على جسر لندن بريدج وعمد ركابها الثلاثة بعد ذلك إلى طعن المارة قبل أن ترديهم الشرطة. وكانت الحصيلة ثمانية قتلى ونحو خمسين جريحا.

وفي 15 سبتمبر/أيلول انفجرت عبوة يدوية الصنع في قطار الأنفاق في لندن مصيبة 30 شخصا بجروح. وفي 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، قتل شخصان في هجوم نفذ بسكين في لندن. وأعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن هذه الهجمات كلها.

مناطق في أوروبا اصبحت بؤرا معلومة للتطرف تخضع للمراقبة الأمنية وومع ذلك نجح متشددون نشأوا فيها في تنفيذ هجمات دموية  

وفي 17 اغسطس/اب 2017، صدم رجل بشاحنة صغيرة المارة في منطقة لاس رامبلاس في برشلونة (اسبانيا). وبعد ساعات قليلة، نفذ خمسة من شركائه هجوما مماثلا في منطقة كامبريلس الساحلية على بعد 120 كيلومترا جنوبا.   لاوأسفر الهجومان عن 16 قتيلا و125 جريحا وأعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عنهما.

وفي 22 مارس/اذار 2016، قتل 23 شخصا وجرح أكثر من 340 في هجمات انتحارية على مطار بروكسل ومحطة قطارات في العاصمة البلجيكية قرب مقر الاتحاد الأوروبي وأعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن الهجمات.

وفي 29 مايو/ايار 2018، قتل متطرفا من أصحاب الجنح، امرأتين من عناصر الشرطة وطالبا. وأعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن الهجوم أيضا.

في 19 ديسمبر/كانون الأول 2016، سرق رجل شاحنة وقتل سائقها البولندي وصدم بها حشدا من الناس في سوق عيد الميلاد المزدحم في برلين ما أسفر عن مقتل 12 شخصا وإصابة 48 آخرين.

وفي 14 فبراير/شباط 2015، قتل دنماركي من أصل فلسطيني أعلن ولاءه لتنظيم الدولة الإسلامية، سينمائيا في مركز ثقافي في كوبنهاغن كان يستضيف منتدى حول الإسلام وحرية التعبير. وبعد ساعات قتل رجل أمام كنيس رئيسي في المدينة. وقتلت الشرطة المهاجم لاحقا.

وفي 18 مارس/اذار 2019، قتل رجل من أصول تركية أربعة أشخاص في تراموي في أوتريخت (هولندا).

وفي 18 اغسطس/اب 2017، قتل متطرف إسلامي شخصين وجرح ثمانية في توركو في جنوب غرب الدنمارك.

في السابع من ابريل/نيسان 2017، اقتحمت شاحنة شارعا مخصصا للمشاة في ستوكهولم ما أسفر عن سقوط خمسة قتلى. وأكد السائق وهو من أوزبكستان أنه ارتكب "هجوما إرهابيا".