
إيران تُلغّم الساحة العراقية.. سلاح الميليشيات لا يفارق الأيادي
بغداد - تحيي إيران وميليشياتها في العراق في الثالث من يناير/كانون الثاني الذكرى الأولى لرحيل قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبومهدي المهندس اللذين اغتيلا في غارة جوية أميركية قبل نحو عام وسط مخاوف من انفجار الوضع في الساحة العراقية التي لغمتها إيران سياسيا وأمنيا وجعلتها أشبه بقنبلة موقوتة.
ويستقبل العراق على وقع هذه التوترات عاما جديدا بالمزيد من الانقسامات والخلافات وقلق لا يهدأ من مواجهة أميركية إيرانية على ساحته حيث تتعالى تهديدات وكلاء طهران بالانتقام لسليماني والمهندس، فيما تقف القوات والمصالح الأميركية في الساحة العراقية والمنطقة على مرمى نيران تلك الميليشيات.
وعلى الضفة الأخرى تتأهب الولايات المتحدة لأي طارئ فقد دفعت بغواصة نووية مزودة بنحو 145 صاروخ توماهوك وعززت قواتها في الخليج أيضا بعدد من الطرادات والبوارج الحربية ونشرت قاذفتي القنابل العملاقة ب52 حلقت إحداهما أمس وأول أمس فوق مياه الخليج العربي الذي تسميه طهران بالخليج الفارسي، في حركة قالت القيادة المركزية الأميركية إنها رسالة ردع لإيران وتأكيدا على التزام واشنطن بحماية أمن حلفائها.
وعلى ضوء هذا المشهد يقول كثيرون في العراق إنهم يخشون الأسوأ، خصوصا خلال الفترة المتبقية للرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب في البيت الأبيض والذي أمر باغتيال سليماني والمهندس دون الرجوع للكونغرس، وهو قرار أثار قلقا حينها حتى في معسكره الجمهوري.

ويرى كثيرون أن قرار اغتيال الرجلين دون العودة لمؤسسة الكونغرس، دليل على أن ترامب المعروف بنهجه الصدامي قادر على إشعال فتيل الحرب في أي وقت حتى ولو في اللحظات الأخيرة قبل مغادرة البيت الأبيض.
وانفجرت التوترات الكامنة بين واشنطن وطهران في بغداد باغتيال قائد فيلق القدس ونائب رئيس هيئة الحشد العراقي. وبعد عام على الضربة الجوية الأميركية، يخشى العراقيون انفجارا أمنيا جديدا.
بعد عملية الاغتيال، خسر العراق الرجل القريب من طهران والذي كان يضبط الفصائل الموالية لإيران، وصار له رئيس حكومة جديدة أكثر قربا من الولايات المتحدة هو مصطفى الكاظمي.
وتفاقمت التوترات بعد ذلك، فالبلد الذي يمر بأسوأ أزمة اقتصادية مع انخفاض أسعار النفط، عالق بين رئيس وزراء بدون قاعدة شعبية أو كتلة برلمانية، ومجموعات صغيرة جديدة موالية لإيران لم تعد تستجيب لأحد في بغداد.
وتتهم الفصائل الموالية لإيران الكاظمي بشكل علني بالتواطؤ في اغتيال الرجلين. وكان الرجل حينها يشغل منصب رئيس جهاز المخابرات وهو أول من أبلغ رئيس الحكومة وقتها عادل عبدالمهدي بما حصل.
ويحذر الباحث في مؤسسة القرن سجاد جياد من أنه إذا "ما حدثت حالة من التصعيد، فمن المرجح أن تنهار الحكومة أو تزاح"، مضيفا أن "احتمال انهيار الحكومة كبير. الجماعات الصغيرة (الموالية لإيران) لها حلفاء سياسيون يمكنهم الإطاحة بها".
وأظهرت المواجهة الأخيرة بالفعل مدى خطورة الوضع بالنسبة لدولة يواجهها مسلحون تمرسوا بالقتال من خلال المشاركة في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية بين 2014 و2017.
وفي نهاية ديسمبر/كانون الأول، اعتقلت السلطات مقاتلا من عصائب أهل الحق، أحد أقوى فصائل الحشد الشعبي الموالية لإيران والتي تشكل جزءا من القوات الأمنية العراقية.

وقال مسؤول عراقي حينها إن الرجل متهم بالتخطيط لإطلاق قذائف على مصالح أميركية في البلاد.
وبعد وقت قصير من اعتقاله نشرت عصائب أهل الحق رجالها في شوارع بغداد. وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لمقاتلين يضعون أقنعة ويحملون أسلحة، يقولون "نحذر الكاظمي إذا لم تتراجعوا عن هذا العمل القذر سوف ينزل عليكم عذاب الله بيد المجاهدين. وقد أُعذر من أنذر".
وانضمت كتائب حزب الله، أكثر الفصائل تشددا، إلى عصائب أهل الحق وأطلقت تهديدات قاسية جدا لرئيس الوزراء على لسان المتحدث باسمها أبوعلي العسكري.
وقال العسكري في تغريدة "ندعو كاظمي الغدر ألا يختبر صبر المقاومة، فاليوم مناسب جدا لتقطيع أذنيه كما تقطع آذان الماعز".
ومع أن رئيس الوزراء العراقي رد على التهديدات بتغريدة يدعو فيها إلى التهدئة، إلا أنه شدد على أنه مستعد "للمواجهة الحاسمة إذا لزم الأمر".
لكن خاب أمل الكثيرين عندما ذكرت مصادر أمنية أن اتفاقا جرى بين العصائب والحكومة ينص على تسليم المتهم إلى مديرية أمن الحشد.
وأعادت هذه الحادثة إلى الأذهان حادثة أخرى وقعت في يونيو/حزيران، عندما اعتقلت قوات مكافحة الإرهاب 13 عنصرا من كتائب حزب الله بتهمة تنفيذ هجمات صاروخية على السفارة الأميركية في بغداد. ثم أفرج عنهم بعد أقل من 72 ساعة بعد استعراض مسلحين للقوة أمام مقر الحكومة في وسط المنطقة الخضراء.
وتجمع المفرج عنهم لاحقا وأحرقوا صورا للكاظمي بعد أن داسوها بأقدامهم في رسالة تحد واهانة لرئيس الوزراء القائد الأعلى للقوات المسلحة التي يفترض أن ميليشيات الحشد تحت إمرته بعد أن أدمجها سلفه عادل عبدالمهدي في القوات النظامية لحمايتها من أي هجمات أميركية.دبلوماسي غربي أن الولايات المتحدة "ستحتاج إلى إخراج موظفيها قبل أن تتصرف، حتى لا يتم استهدافهم في أي انتقام محتمل".
ندعو مصطفى الكاظمي الغدر ألا يختبر صبر المقاومة، فاليوم مناسب جدا لتقطيع أذنيه كما تُقطع آذان الماعز
أبوعلي العسكري المتحدث باسم كتائب حزب الله العراقي
وقال مسؤول سياسي "الشارع ملّ هذه التصرفات خارج القانون ويريد حسمها بأسرع وقت، لكن لا توجد قيادة صلبة والجيش لا يتحرك إذا لم ير قيادة شجاعة وكذلك الأمر بالنسبة إلى باقي الأجهزة الأمنية".
ونتيجة عدم وجود قدرة سياسية وعسكرية على المواجهة المباشرة مع الفصائل المسلحة، اختار الكاظمي فتح قنوات اتصال مع إيران أملا في حملها على التدخل لكبح جماح الفصائل.
وزار المبعوث الرئيسي لرئيس الوزراء أبوجهاد الهاشمي طهران قبل أيام والتقى عددا من المسؤولين الإيرانيين، وفق ما ذكر مسؤول عراقي رفيع المستوى.
بالنسبة لجياد، حاول الهاشمي إقناع إيران بكبح حلفائها في العراق ووقف الهجمات على الدبلوماسيين والجنود الأميركيين.
وبدأت الهدنة التي وافقت عليها فصائل موالية لإيران لوقف الهجمات في الخريف الماضي، بالتلاشي بالفعل بعد سلسلة هجمات استهدفت السفارة الأميركية وقوافل لوجستية عسكرية.
وذكر مسؤول عسكري أميركي بأنه حتى خلال "الهدنة"، كانت طائرة استطلاع بدون طيار تحلق مرات عدة كل أسبوع فوق السفارة الأميركية والمجمع العسكري المجاور الذي تتواجد فيه قوات دولية.
وقامت السفارة الأميركية في بغداد التي تعد إحدى أكبر سفارات الولايات المتحدة في العالم، مع نهاية العام الماضي، بإعادة موظفيها غير الأساسيين إلى بلادهم.
وشهدت في 31 ديسمبر/كانون الأول 2019، أكبر خرق أمني منذ سنوات عندما داهم حشد غاضب، غالبيته من المؤيدين لكتائب حزب الله، محيط السفارة وأضرموا النيران عند بوابتها. وبعدها بيومين، جاءت الضربة الجوية التي قتل فيها سليماني والمهندس.
وتحدث الرئيس الأميركي المنتهية ولايته هذا الأسبوع في تغريدة، عن "ثرثرة حول هجمات إضافية ضد أميركيين في العراق"، مضيفا "إذا قتل أميركي، سأحمل إيران المسؤولية".
وأبدى مسؤول عراقي نهاية الأسبوع تخوفه من أن يلجأ المسؤولون الإيرانيون إلى التصعيد، بما في ذلك هجمات صاروخية متجددة، بهدف ممارسة ضغط على الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن.
وكان مسؤولون عراقيون ذكروا قبل أسابيع، أن خفض السفارة الأميركية عدد موظفيها، هو بسبب "تحفظات أمنية"، وهو إجراء مؤقت.
وقال مسؤولون عراقيون وغربيون في الأسابيع الأخيرة إن ذلك قد يشير إلى استعداد الولايات المتحدة للقيام بعمل عسكري، فيما قال دبلوماسي غربي "ستحتاج الولايات المتحدة إلى إخراج موظفيها قبل أن تتصرف، حتى لا يتم استهدافهم في أي انتقام محتمل".
واتّهم وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الخميس الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب بالسعي إلى اختلاق "ذريعة لشن "حرب"، في توقيت يشهد فيه تصاعدا جديدا للتوتر بين البلدين.
ونشرت الولايات المتحدة حاملة الطائرات نيميتس أواخر نوفمبر/تشرين الثاني في الخليج كما حلّقت قاذفتان أميركيتان من طراز بي-52 في أجواء المنطقة في استعراض قوة موجّه خصوصا ضد إيران، لكن شبكة "سي إن إن" الأميركية قالت الخميس، إن القائم بأعمال وزير الدفاع الأميركي كريستوفر ميلر قرر سحب حاملة الطائرات "يو إس إس نيميتز" من منطقة الخليج العربي.
وجاء في تغريدة ظريف "بدلا من مكافحة فيروس كورونا في الولايات المتحدة، ينفق دونالد ترامب المليارات لإطلاق قاذفات بي-52 ونشر أسطول في منطقتنا"، مضيفا "معلومات عراقية أفادت بوجود مؤامرة لاختلاق ذريعة بغية شن حرب".
وردّت إيران على اغتيال سليماني بإطلاق صواريخ على قواعد عراقية تستخدمها قوات أميركية منتشرة في البلاد في إطار التحالف الدولي ضد الجهاديين.
وتابع ظريف أن "إيران لا تريد الحرب لكنّها ستردّ بشكل صريح ومباشر دفاعا عن شعبها، وأمنها ومصالحها الحيوية".
ورد ظريف حينها على التهديد الأميركي، محذّرا ترامب من عواقب الإقدام على "أي مغامرة" قبل خروجه من البيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني بعد ولاية شن خلالها حملة "ضغوط قصوى" على طهران، طبعها انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي المبرم في العام 2015 بين إيران والدول الكبرى وإعادة فرض عقوبات أميركية قاسية على الجمهورية الإسلامية.
واستهدفت هجمات صاروخية خصوصا خلال العام مصالح أميركية في العراق، اتّهمت واشنطن فصائل مسلّحة موالية لإيران بتنفيذها.