ظهور المشيشي يفند مزاعم تعرضه للتعذيب والإقامة الجبرية

الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في تونس تنشر فيديو لرئيس الوزراء السابق وهو يصرح بممتلكاته في أول ظهور له بعد 11 يوما من إقالته، فيما حاولت النهضة إحراج سعيّد عبر الترويج إلى أن المشيشي تعرض للضغط ليلة 25 يوليو للتنحي.
وضع مسؤول بارز و12 قاضيا تعلقت بهم قضايا فساد تحت الإقامة الجبرية

تونس - ظهر رئيس الوزراء المقال هشام المشيشي اليوم الخميس لأول مرة منذ إقالته من منصبه قبل 11 يوما ضمن التدابير الاستثنائية التي أعلنها الرئيس التونسي قيس سعيد، ليفند ظهوره مزاعم حركة النهضة الإسلامية الرافضة لتجميد البرلمان وحل الحكومة، بأن المشيشي تحت الإقامة الجبرية وأنه تعرض للعنف ليلة الخامس والعشرين من يوليو/تموز الماضي لإجباره على التنحي من منصبه.

وفي هذا الإطار نشرت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في تونس اليوم الخميس فيديو لرئيس الوزراء المقال هشام المشيشي وهو يصرح بممتلكاته.

وحاولت حركة النهضة طيلة الأيام القليلة الماضية إحراج الرئيس التونسي عبر الترويج لاحتجاز المشيشي وتعرضه للعنف في تلك الليلة، لتبرير مزاعمها بأن سعيّد "انقلب على الشرعية" وأن قرارته تؤسس للدكتاتورية والاستفراد بالحكم، بينما نفى الأخير أن تكون له أي نية لممارسات قمعية، قائلا "إن قراراته وقتية تطلبتها المرحلة الحرجة التي تعيشها البلاد"، مطمئنا بأنه لا مساس للحقوق والحريات، مشيرا إلى أن الديمقراطية في تونس سنتحفظ.

كان سعيد قد أعلن في 25 يوليو/تموز عزل المشيشي وتجميد أعمال البرلمان، ضمن إجراءات استثنائية لاقت تأييدا شعبيا واسعا ووصفها منتقدوه بأنها "انقلاب".

وأظهر فيديو نشرته الهيئة على حسابها الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك"، رئيس الحكومة لدى تصريحه بالمكاسب، وهو إجراء قانوني يشمل المغادرين للمناصب العليا في الدولة، بحسب قانون صدر في 2018 ويتعلق بالتصريح بالمكاسب والمصالح ومكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح.

ويبدد الفيديو التي نشرتها الهيئة على موقعها الإلكتروني، على ما يبدو دعاوى معارضي سعيد بأن المشيشي رهن الإقامة الجبرية في منزله ومزاعم أنه تعرض للعنف لإجباره على التنحي.

وكانت الهيئة الوطنية لمقاومة التعذيب قالت أمس الأربعاء إنها طلبت زيارة المشيشي في بيته للتحري بشأن إمكانية احتجازه أو وضعه قيد الإقامة الجبرية أو تعرضه لسوء معاملة، لكنها أعلنت عدم تلقيها أي رد من المشيشي، ولم يصرح اليوم في ذلك الشأن ولم يبدو على وجهه آثار عنف كما روجت لذلك بعض الصفحات في وسائل التواصل الرافضة لقرارات الرئيس.

وصرح المشيشي قبل أيام بأنه مستعد لقبول قرار الجمهورية بتعيين رئيس وزراء جديد للمساعدة في تجاوز الأزمة وأنه لا ينوي اتخاذ قرار من شأنه أن يضر ببلاده.

ولم يظهر المشيشي منذ قرر الرئيس التونسي في إجراءات استثنائية "استدعتها ظروف البلاد"، تجميد البرلمان لثلاثين يوما وإقالة المشيشي ورفع الحصانة عن البرلمانيين وإيقاف عدد منهم بعد ذلك للتحقيق، فيما رفضت حركة النهضة وحلفائها (ائتلاف الكرامة) قرارات سعيّد ووصفتها بـ"الانقلاب"، في المقابل لاقت تلك القرارات ترحيبا شعبيا واسعا إلى جانب إعلان عدة دول عربية وغربية على غرار مصر والسعودية والإمارات والجزائر والولايات المتحدة التي عبرت عن دعمها، فيما تحفظت دول أخرى.

كما أصدر الرئيس التونسي أوامر بإقالة عدد من الوزراء والمسؤولين وفتح تحقيقا في حق المشتبه بهم في قضايا مختلفة بينهم برلمانيين، واتخذ إجراءات اقتصادية هامة شملت أسعار مواد غذائية أساسية، وخيّر رجال أعمال فاسدين بين السجن أو إرساء مشاريع لتسوية وضعياتهم، حيث كشف تحقيق بأنهم مدينون للدولة بأكثر من 13 ألف مليون دينار.

وفي سياق حملة المحاسبة، كشفت تقارير إعلامية تونسية أن المكلف بتسيير وزارة الداخلية رضا الغرسلاوي لحين تشكيل حكومة جديدة، أصدر أوامر بوضع كل من المدير العام السابق للمصالح المختصة الأزهر اللونغو والرئيس الأول لمحكمة التعقيب الطيب راشد قيد الإقامة الجبرية إلى جانب 11 قاضيا تعلقت بهم شبهات فساد مالي وإداري.

واتهمت النهضة التي شاركت في جميع الائتلافات الحكومية منذ ثورة 2011 وتحظى بأكبر تمثيل في البرلمان، الرئيس بتنفيذ "انقلاب". لكن بعد عشر سنوات من مشاركتها في الحكم، تواجه الحركة عداء متزايدا من قبل التونسيين.

وحركة النهضة اليوم مربكة بين ترميم شعبيتها المتهالكة والتموقع بالمشهد السياسي الجديد، بينما تواجه ملفات فساد معروضة أمام القضاء، فقد فتحت النيابة العمومية تحقيقا في مصادر تمويلها إلى جانب حزبي قلب تونس وعيش تونسي.

وعمقت قرارات الرئيس التونسي الانقسامات داخل الحزب الإسلامي الأكثر تمثيلا بمجلس النواب، وانقسم أنصاره بين مؤيد لرفض الحزب التمرد على قرارات سعيّد ورافض لذلك.

ودعا زعيم الحركة ورئيس البرلمان راشد الغنوشي في البداية الناس إلى الخروج ضد سعيد كما فعل المتظاهرون ضد زعيم سلطوي مخضرم عام 2011 وقاد اعتصاما أمام مقر البرلمان قبل أن يتراجع ويحث على الهدوء والحوار.

ومع ذلك عارضت القرار شخصيات أخرى داخل حزب النهضة ترى أن التراجع سيسمح لسعيّد بقمع الحركة بسهولة. وقال أحد المسؤولين إن تجنب المواجهة سيكون له ثمن "باهظ".

ويواجه الغنوشي من داخل الحزب ضغوط متصاعدة للتنحي من منصبه، خاصة من القيادات الشبابية التي حملته مسؤولية تهالك شعبية الحزب بعد فشله في تحقيق تطلعات الشارع التونسي.

ويرى محللون أن الحكومات المتتالية التي قادتها حركة النهضة لم تفلح سوى في إشعال الحرائق السياسية وافتعال الأزمات والفتن من أجل صرف أنظار الشعب التونسي عن الفشل الحكومي المتواصل في إدارة شؤون البلاد، لكن الشارع التونسي قال كلمته والرئيس قيس سعيّد استجاب بقرارات تستدعيها متطلبات المرحلة السيئة التي آلت إليه تونس.

وخسر حزب النهضة أنصاره بشكل مطرد على مدى العقد الماضي حيث كان يروج لموقف أيدلوجي معتدل ويدعم حكومات متعاقبة فرضت خفضا في الإنفاق أضر بشدة بالمناطق الفقيرة حيث كان الحزب يحظى بأقوى تأييد ويتحمل على الأقل مسؤولية قانونية وأخلاقية في الفساد الحاصل بالبلاد.

وتراجع نصيب الحزب من التصويت في الانتخابات المتتالية حتى عام 2019 عندما حصل على ربع المقاعد فقط في البرلمان رغم أن أداءه كان أفضل من منافسيه.