ماذا بعد طالبان؟
ماذا يحدث لمنطقة الشرق الأوسط لو أن أفغانستان صارت جمهورية إسلامية سنية متطرفة مجاورة من جهة الغرب لجمهورية إيران الشيعية، وايضا على غرار النظام الإسلامي الوهابي في السعودية؟
بايدن قال: الطريقة الوحيدة للسلام في أفغانستان هي التعايش مع طالبان.
رئيس المكتب السياسي لطالبان قال: نريد أن يحكم أفغانستان نظام إسلامي مركزي.
الرأي السائد في الأوساط السياسية أن المنطقة ذاهبة إلى عدم الإستقرار، واشتداد النزاع والاقتتال الطائفي من جهة والعلماني من جهة أخرى.
أفغانستان، أوضاعها السياسية والاقتصادية مشابهة كثيرا للعراق، بلد أنهكته الصراعات والأزمات الداخلية والتدخلات الخارجية، والفساد المستشري في مفاصل الدولة.
يعيش كثير من الأفغان على زراعة الأفيون وتجارة المخدرات، وعلى المساعدات المالية من الولايات المتحدة للحكومة الأفغانية، رغم موارد البلد الاقتصادية الوفيرة خاصة في مجال التعدين وقطاع النفط والغاز والزراعة.
حسب بعض الدراسات الأميركية التي نشرت تقول: إن بعض الشركات الأميركية اكتشفت أن أفغانستان فيها أحد أكبر مراكز التعدين في العالم. مثل الذهب، والفضة والنحاس والحديد والأحجار الكريمة والبلاتينيوم (الذهب الأبيض) والليثيوم (المادة التي تستخدم في صناعة البطاريات والكمبيوترات والهواتف النقالة) وقد قدرت الحكومة الأفغانية ثروات المعادن والخامات هذه بـ 3 تريليون دولار أميركي.
خلال السنوات الماضية القليلة فتحت الحكومة الأفغانية المجال أمام الاستثمارات الأجنبية، فدخلت عدة دول منها الإمارات في مجال الإتصالات، والصين في استثمار النحاس، حتى قيل عنه أفضل استثمار وقعته الحكومة الأفغانية مع الصين بعد طرح مناقصته في السوق العالمي شاركت فيه أميركا وروسيا والصين وكندا وبعض الدول، فوقع العقد على الصين بعد أن كان عرضها أفضل العروض المطروحة ويتضمن العقد والاتفاق ما يلي:
تدفع الحكومة الصينية 400 مليون دولار سنوياً لأفغانستان، مقابل استغلال ثروات النحاس، وبناء مدينة تضم 500 ألف نسمة، مع بناء محطة كهرباء، والأهم بالاتفاق بناء سكة حديد تجعل من آسيا الوسطى كتلة واحدة، تمتد من الحدود الأوزبكية وصولا إلى باكستان، التي تعتبر موردا اقتصاديا مهما في مجال النقل والمواصلات.
أضف إلى ذلك كله الغاز. فقد صرح أحد المسؤولين في الحكومة الأفغانية بقوله: أفغانستان لديها بئر من الغاز في المنطقة الشمالية يحتوي 16 ألف مليار متر مكعب! وهذا يعني أن 35 مليون نسمة وهو تعداد سكان أفغانستان إذا ما استفادوا من هذا البئر، فمعناه أن دخل الفرد في العام 100 ألف دولار أي أن أفغانستان ستكون أغنى دولة في العالم!
وقال ايضا: يمكن استبدال زراعة المخدرات الذي سعر شراءه 600-800 دولار، بزراعة الزعفران الذي يكون سعر شراءه بـ 3500 دولار، إضافة إلى زراعة القطن والرمان.
لكن عدم الإستقرار السياسي والفساد المستشري في البلد حرما أبناء الشعب الأفغاني من هذه الثروات الطائلة.
مقابل الرأي القائل بعدم إستقرار المنطقة بعد ان استولت طالبان على الحكم، هناك رأي آخر يذهب إلى الإستقرار. فمن غير الممكن أن تهدر طالبان تلك الثروات الاقتصادية الوفيرة الكامنة في البلد وهم ليسوا بأغبياء. قادة طالبان يعرفون جيدا أن هذا الثروات تحتاج إلى السوق العالمي لاستثمارها من قبل الدول الأجنبية، إضافة هم بحاجة أيضا لكسب ود المجتمع الدولي للاعتراف بحكومتهم وشرعيتهم على أفغانستان، من هنا فأن سلوك طالبان كحكومة سوف يتغير ويتبدل عن سلوك طالبان كحركة إرهابية متطرفة.
من قرأ تاريخ الحركة الوهابية كيف أبتدات عندما تحالف الثنائي المحمدان (محمد آل سعود ومحمد بن عبدالوهاب) وكيف انتهت بقيام الدولة السعودية وما أصبحت عليه اليوم، سيجد أن التاريخ خير شاهد على هذا الرأي. المواقف والمبادئ تزول عندما يذوق أصحابها المناصب والحكم والسلطة. ولعل أفغانستان سوف تكون موطنا وحاضنة يتمناها كل إرهابي مشرد في الآفاق، وبذلك سوف تتضاءل الحركات المتطرفة في المنطقة وتخفت خطورتها، ولا يستبعد أن إيران وأميركا على علم بهذا السيناريو، فكلا الجانبين خاض مع طالبان مباحثات طويلة، ولعل موقفهما من طالبان اليوم يدل على ذلك.
يبقى الخوف كل الخوف من المستقبل البعيد، بعد أن تثبت أفغانستان قدمها وتكون دولة ذات شأن كبير في الشرق الأوسط، أن تستنسخ التجربة الايرانية فتنشأ لها أذرعا وفصائل مسلحة في بعض البلدان، فهنا يكمن الخطر الأكبر على المنطقة.
إذن: ما بعد طالبان في حال استولت على مقاليد الأمور والحكم في أفغانستان، سيظهر لنا صحة أحد الرأيين أما الاستقرار في المنطقة وأما عدمه.