طالبان تُبدد الآمال الدولية بحكومة تفتقر للتنوع

الأمم المتحدة تعرب عن قلقها من ممارسات الحركة المتشددة، وسط قلق متصاعد بشأن معاملة النساء والقمع الذي يزداد عنفا ضد الأصوات المعارضة.
غوتيريش يدعو إلى لتقديم "طوق نجاة" للأفغان
طالبان لم تغير ثوبها ولا ممارساتها المتشددة
طالبان تقصي النساء من أي تمثيل سياسي

جنيف - بددت حركة طالبان التي استعادت السيطرة على أفغانستان قبل نحو شهر، آمالا دولية بالحفاظ على مكاسب اجتماعية وسياسية تحققت طيلة العقدين الماضيين خاصة للنساء الأفغانيات من تعليم وعمل.

وخلافا لوعود أطلقتها الحركة بانفتاح أوسع على العالم وبضمان الحريات وفق ما تمليه الشريعة الإسلامية، يشن مقاتلوها حملة ترهيب راوحت بين اعتقال معارضين وتصفيتهم جسديا وقمع أي احتجاجات مناوئة لحكمها وحرمان النساء من حقهن في التعليم والعمل وإقصائهن من أي تمثيل سياسي.

وأعربت المفوضة العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة ميشيل باشليه الاثنين عن "خيبة أملها" لافتقار حكومة طالبان في أفغانستان للتنوع، معربة عن قلقها بشأن معاملة النساء والقمع الذي يزداد عنفاً ضد الأصوات المعارضة.

وقالت باشليه في افتتاح الدورة 48 لمجلس حقوق الإنسان في جنيف "أشعر بخيبة أمل بسبب عدم شمولية ما يسمى بالحكومة الانتقالية، التي لا تتضمن أي امرأة وتضم عددا ضئيلا من الأعضاء غير البشتون".

وتتكون الحكومة التي سيترأسها الملا محمد حسن أخوند، وهو معاون سابق للملا عمر مؤسس الحركة الذي توفي عام 2013، حصرا من أفراد ينتمون إلى طالبان.

كما أعربت باشليه عن قلقها لأنه "خلافا لتعهدات طالبان بالحفاظ على حقوق المرأة، تم استبعاد النساء تدريجيا خلال الأسابيع الثلاثة الماضية من الشأن العام".

من جهة أخرى، نددت بعمليات مطاردة تجري "من منزل إلى منزل"بحثا عن أعضاء الحكومة السابقة أو الجنود أو الأشخاص الذين عملوا مع القوات الأجنبية المتمركزة في البلاد حتى وقت قريب، وبالتهديدات ومحاولات الترهيب التي تستهدف المنظمات غير الحكومية أو موظفي الأمم المتحدة، خلافا للوعود بالعفو التي قطعتها حركة طالبان.

وأضافت "في بعض الحالات، تم الإفراج عن بعض المسؤولين، وفي حالات أخرى تم العثور عليهم قتلى"، مستنكرة القمع "الذي يزداد عنفا" للاحتجاجات السلمية في جميع أنحاء البلاد وكذلك ضد الصحافيين الذين يقومون بتغطيتها.

وكررت مناشدتها المجلس لوضع آلية محددة لرصد تطور وضع حقوق الإنسان في البلاد عن كثب وإخطار المجلس بذلك.

كما أعربت مجموعات حقوقية وبعض الدول عن أملها بأن تذهب الجلسة الحالية للمجلس التي تدوم حتى الثامن من أكتوبر/تشرين الأول أبعد من جلسة خاصة عقدت الشهر الماضي وامتنعت عن المطالبة بفتح تحقيق دولي في الانتهاكات المرتبكة في أفغانستان.

وقال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس الاثنين إن برلين تدعم منح المجلس "تفويضا قويا" يتيح له مراقبة وضع حقوق الإنسان في أفغانستان.

وتابع "نطالب طالبان باحترام حقوق الإنسان الأساسية وخصوصا حقوق النساء والأقليات"، مضيفا أن ذلك سيمثل "المعيار" لأي انخراط مستقبلي مع حكومة الحركة والمساعدات.

ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الاثنين الدول لتقديم المساعدات التي يحتاجها الأفغان بشدة ودعم النساء وغيرهن من الفئات التي يبدو أن طالبان تهدد حقوقها.

وقال أمام الوزراء المشاركين في مؤتمر للمانحين خصص للبلد الذي يجتاحه العنف إن "الشعب الأفغاني يحتاج إلى طوق نجاة"، مضيفا من مقر الأمم المتحدة في جنيف "بعد عقود من الحرب والمعاناة وانعدام الأمن، قد يكونون أمام اللحظة الأكثر خطورة" الآن.

وتابع "فلنكن واضحين. لا يرتبط هذا المؤتمر بكل بساطة بما سنعطيه للشعب الأفغاني فحسب، بل إنه مرتبط بما ندين لهم به".

وجاءت تصريحاته بعد أقل من شهر تقريبا من استيلاء طالبان على السلطة في أفغانستان، بالتزامن مع انسحاب الولايات المتحدة وحلفائها بشكل فوضوي من البلاد، لتطوى صفحة تواجد عسكري غربي دام 20 عاما.

ويسعى المؤتمر الذي سيستمر لنصف يوم لجمع مبلغ قدره 606 ملايين دولار تشير هيئات الإغاثة إلى أنه ضروري لتقديم مساعدات يمكنها أن تنقذ حياة ملايين الأفغان في الأشهر الأربعة الأخيرة من العام الجاري.

والأموال ضرورية لتوفير مساعدات غذائية وغيرها من الأساسيات لنحو 11 مليون شخص وخدمات صحية أساسية لنحو 3.4 ملايين، إلى جانب أمور أخرى.

وصدرت دعوات لتأمين الجزء الأكبر من هذه الأموال أواخر العام الماضي كجزء من مناشدة لجمع مبلغ قدره 1.3 مليار دولار كمساعدات إنسانية لأفغانستان، لم يجر جمع القسم الأكبر منه حتى الآن، لكن حوالى ثلث الأموال المطلوبة حاليا هي ضمن احتياجات جديدة ظهرت مع انتزاع طالبان السلطة.

وشدد غوتيريش على أن الأفغان كانوا يواجهون "إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم" حتى قبل استيلاء طالبان على السلطة في منتصف اغسطس/اب الماضي.

وتشير الأمم المتحدة إلى أن نحو 40 بالمئة من إجمالي الناتج الداخلي للبلاد كان يأتي في الأساس من التمويل الخارجي، فيما كان نصف السكان يعتمدون على المساعدات الإنسانية.

وتواجه أفغانستان جفافا مدمّرا وعمليات نزوح جماعية فضلا عن تداعيات وباء كوفيد. وتسري مخاوف حاليا من أن تردد الدول في التعامل مع طالبان كسلطة قد يدفع بأفغانستان إلى أزمة أعمق.

وحضّت مبعوثة الأمم المتحدة إلى أفغانستان ديبورا ليونز دول العالم الأسبوع الماضي على المحافظة على تدفّق الأموال إلى البلاد رغم القلق حيال تولي طالبان السلطة "منعا لانهيار تام للاقتصاد والنظام الاجتماعي".

وأعلن غوتيريش أن الأمم المتحدة ستفرج عن 20 مليون دولار من صندوقها المركزي للاستجابة لحالات الطوارئ لدعم العمليات الإنسانية في أفغانستان، لكنه شدد على وجود حاجة عاجلة لمزيد من الأموال. كما أكد على وجوب حماية حقوق الإنسان.

وتعهّدت الحركة الإسلامية المتشددة انتهاج سياسة أكثر اعتدالا مقارنة بولايتها الأولى التي اتّسمت بالقمع من العام 1996-2001.

لكنها سارعت في سحق أي أصوات معارضة وسط مؤشرات مقلقة على أنها قد تتجه مجددا لحظر النساء والفتيات من الحياة العامة.

وقال غوتيريش "من بين النقاط الإيجابية في أفغانستان اليوم وجود جيل جديد من النساء المتعلمات واللواتي ازدهرن على مدى العقدين الماضيين إذ يتولين مناصب قيادية ويعتبرن من أصحاب المشاريع"، مضيفا "تريد النساء والفتيات الأفغانيات ضمان عدم خسارة المكاسب التي تحققت والتأكد من أن الأبواب لم تغلق والأمل لم ينقطع".