لعبة السياسة تفسد الوئام بين الإخوان وتفرّق الصفوف

مبادرات الصلح تفشل في التقريب بين الفرقاء المتخاصمين داخل جماعة الإخوان المسلمين، وتحديدا بين جبهتي إسطنبول بقيادة محمود حسين، الأمين العام السابق للجماعة، وجبهة لندن بقيادة إبراهيم منير.
الخلافات تتصاعد بين جبهتي اسطنبول ولندن
حرب إبراهيم منير ومحمود حسين تنتقل لمرحلة الانتقام
الأفرع الإخوانية منشغلة بأزماتها الداخلية

القاهرة - تناقلت وسائل إعلام مصرية تسجيلا صوتيا لقيادي في جماعة الإخوان المسلمين ينتقد فيه مجموعة من القياديين في الجماعة، وتحديدا المجموعة المحسوبة على محمود حسين الأمين العام السابق، والتي تعرف بجبهة اسطنبول. يأتي هذا التسريب ضمن أزمة متفاقمة بين جبهة لندن بقيادة إبراهيم منير القائم بعمل المرشد العام الذي قرر تجميد عضوية مجموعة من مجلس الشورى العام على رأسهم محمود حسين، فيما ردّت جماعة هذا الأخير بفصل منير من منصبه.

مما جاء في التسجيل الذي نسب إلى أحمد مطر، وهو قيادي إخواني محسوب على جبهة لندن، قوله: "لقد ابتلينا منذ عام 1954 إلى عام 1974، بمجموعة جديدة دخلت الإخوان وهم ليسوا من الإخوان، هم تنظيم سري، مثل محمود عزت ومن على شاكلته، وهؤلاء بدأوا في تصعيد مجموعة من ذوي الطاقات المحدودة، مثل محمود حسين ومحمود غزلان ومحمود عبدالرحيم ومحمود إبراهيم، ومحمود الإبياري، وكل من اسمه محمود، واستبعدوا الوجوه الأخرى مثل عصام العريان وعبدالمنعم أبوالفتوح وحلمي الجزار ومحمد البلتاجي".

وأضاف قائلا وفق التسجيل "... هؤلاء تسللوا في وقت عبدالناصر الذي كان يمنع الإخوان ويحظر نشاطهم ويبطش بهم، لذا انضم للتنظيم وقتها مجموعة من الأشخاص أقرتهم القيادة، وطالبتهم بالالتزام باللاءات الثلاث وهي لا تفكير ولا إبداع ولا طموح". وقال إن "الجماعة أصبح يحكمها فعليا عصابة تقرب من تشاء وتبعد من تشاء وخلال فترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسى لم يتم اختيار أحد من قيادات الجماعة الأكفاء للمشاركة في الفريق الرئاسي لمحمد مرسي، بل اختاروا شخصيات أقل كفاءة وخبرة".

واعتبر هذا الحديث ردّا على إعلان طلعت فهمي المتحدث الرسمي لجبهة اسطنبول تأييد الجبهة لقرار مجلس الشورى العام بعزل وإعفاء منير من منصبه، وإبلاغه بذلك، مؤكدا أن مجلس الشورى الذي يرأسه محمود حسين هو الجهة العليا المنوط بها إدارة الجماعة.

وتعود جذور الأزمة إلى أشهر ماضية حين أعلن إبراهيم منير القائم بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان منذ قبض السلطات المصرية على محمود عزت اتخاذ قرار يقضي بحل المكتب الإداري لشؤون التنظيم بتركيا، في خطوة اعتبرت حينها مسعى لمسايرة المتغيرات التي لم تعد تصب في صالح الإخوان وتهدّد بعزلهم بشكل غير مسبوق.

وقد أثار قرار منير غضب قطاع كبير من قيادات التنظيم التاريخية. وقاد محمود حسين تحركات تصعيدية ضده. وانعقد مجلس شورى الجماعة في اسطنبول واتخذ قرارا يقضي بإعفاء إبراهيم منير من منصبه إضافة إلى الطعن في جميع قرارات جبهته والتي من بينها إيقاف 6 من قيادات الإخوان في تركيا من بينهم محمود حسين.

وأصدرت جبهة محمود حسين بيانا دعمت فيه قرارات مجلس الشورى الأخيرة. وتحدّثت "عن تصدع التنظيم فعليا إلى اثنين، في صراع كان محركه الأول الصراع على المال والمناصب والنفوذ".

تحوّلت الأزمة بين جبهتي لندن واسطنبول إلى صراع شخصي بين منير وحسين لكنه صراع يعكس حال جماعة الإخوان ككلّ، وفيما يجري مع حركة النهضة التونسية من انقسامات داخلية وانشقاقات و"تمرّد" على رئيسها راشد الغنوشي مثال آخر على كيف "أفسدت" لعبة السياسة الوئام بين الإخوان وفرّقت الصفوف، وأغضبت القواعد.

تاريخ من الانشقاقات

تعتبر الانشقاقات والخلافات الداخلية حول الزعامة أمرا عاديا ومشهدا طبيعيّا داخل الأحزاب لكن الأمر يختلف حين يتعلّق بجماعة الإخوان المسلمين التي ظلّت لعقود تتفاخر بتماسكها كجماعة عالميّة ممتدة وتتميز بوحدة الصفوف داخل فروعها المحليّة.

تلك الصورة الهادئة التي سعى الإخوان للترويج لها لم تكن سوى الوجه الظاهر لتاريخ خفي من الخلافات والانشقاقات والتنافس داخل الجماعة التي سرعان ما انهار هيكلها وبانت عيوبها بمجرّد أن دخلت الحياة السياسية. حدث هذا منذ عهد حسن البنّا لكن كان الأمر أقل حدّة أو ربما هو التعتيم الإعلامي وتغييب الإخوان من المشهد ما ساهم في إخفاء تلك الشقوق.

يعود تاريخ أبرز الانشقاقات إلى سنة 1940 حين أعلنت مجموعة من شباب الجماعة الانفصال عن التنظيم وتأسيس مجموعة جديدة متشدّدة حملت اسم "شباب محمد" وذلك ردّا على قرار حسن البنّا الانتقال من العمل الدعوي إلى العمل السياسي. وشهد الجماعة أبرز انشقاق سنة 1947، حيث كان على رأس المنشقين أحمد السكري، صديق البنّا الذي يعتبر مؤسس الإخوان الحقيقي.

وكتب اللواء فؤاد علام، نائب رئيس جهاز مباحث أمن الدولة الأسبق، في كتابه "الإخوان… وأنا: من المنشية إلى المنصة": "أحمد السكري هو المؤسس الحقيقي لجماعة الإخوان المسلمين في المحمودية سنة 1920، وحسن البنّا ليس المؤسس الحقيقي لها، بل سرقها من الأول، وبعد أن استولى عليها طرده منها وتنكر له؛ بسبب خلافه مع ذئب النساء وهاتك الأعراض عبدالحكيم عابدين".

وعابدين هو زوج أخت البنا الكبرى اتُهم في قضايا تحرش، ووقف ضدّه السكري الأمر الذي أثار حفيظة البنّا وأصدر قرارا يقضي بفصل صديقه وشريكه من الجماعة، في مشهد تكّرر كثيرا في مختلف فروع الإخوان على مرّ التاريخ، حيث ينقلب الأصدقاء على حلفائهم لأسباب مختلفة إلا أن أبرزها يتعلق بطغيان المصالح الشخصية على مصلحة الجماعة، على غرار ما فعله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع شركائه في تأسيس حزب العدالة والتنمية ومنهم عبدالله غول وأحمد داوود أوغلو.

وشهدت حركة النهضة التي كانت تسمى حركة الاتجاه الإسلامي بدورها انشقاقات منذ تأسيسها من ذلك انشقاق أبرز المؤسسين على رأسهم أحميدة النيفر ومجموعة من الناشطين وتأسيسهم لتيار الإسلاميين التقدميين. لكن تبقى الانشقاقات التي حدثت إثر المتغيرات التي شهدتها تونس بعد 25 يوليو 2021 الأقوى في تاريخ الحركة وأكثرها تأثيرها خاصة بعد أن حققت الحركة الكثير من المكاسب منذ سنة 2011.

وما شهدته جماعة الإخوان (المصرية) من انشقاقات تواصلت على مر السنين وما تشهده اليوم والصراع بين جبهة إبراهيم منير ومحمود حسين، شهدته جماعات الإخوان في سوريا وفي الأردن والسودان وفي فلسطين وفي الجزائر. وكلها خلافات اندلعت متأثرة بتطورات المرحلة وأحداث محددة على غرار أحداث حما في سوريا في الثمانينات أو وفاة بعد وفاة مؤسس حركة حمس في الجزائر الشيخ محفوظ نحناح في 2009، إذا أصبح هناك كيانان الأول برئاسة عبد المجيد مناصرة، والآخر ترأسه أبوجرة سلطاني، ودخلا الطرفان في نزاعات انتهت بقرار النظام الإبقاء على تجميد التنظيم.

أزمة ولكن

يعتبر البعض أن الأزمة التي تعيش على وقعها جماعة الإخوان المسلمين اليوم تنذر بنهاية الإخوان في حين يردّ آخرون بأن الأمر قد يكون أخطر وقد ينتهي بانشطار جماعة الإخوان المسلمين إلى جماعات متعددة تختلف في مستوى التشدّد وفي طريقة التعاطي مع الأنظمة والولاءات الشخصية والتمويلية إلا أن ذلك لا يلغي أن منشأها واحد ومرجعها نفسه، وما يختلفون فيه هو فقط وسائل تحقيق التمكين.

في ذات الوقت يتساءل المراقبون عن دور التنظيم الدولي بقيادة يوسف القرضاوي وموقفه مما يجري وسط غياب أي موقف رسمي سوى بعض التقارير التي تتحدث عن وساطات فشلت في تحقيق المصالحة بين جبهتي إبراهيم منير ومحمود حسين، لافتين إلى أن زلزال الانشقاق قد يؤثر أيضا في أسس التنظيم الذي يسيطر عليه يوسف القرضاوي.

أما بقية الأفرع الإخوانية فتشغل بأزماتها الداخلية عن ما يجري بين جبهتي ولندن واسطنبول وما تشهده الجماعة الأم ضمن مشهد ينبئ بتحول عكسي للتنظيم من العالمية إلى المحلية، وهو تحول بدأ منذ تصنيف جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية في مصر وعدة دول عام 2014.