دولة على مقاس الصدر

ما فشل فيه المالكي من تأسيس دولة محدثي النعمة ومتحاصصي العراق، يسعى الصدر إلى تحقيقه الآن.
مبادرات مليئة بالخبث السياسي يحاول أن يمررها الصدر على جماهير العراق
كل محاولات إعادة تشكيل الدولة لم تكن حرابها الا موجهة نحو صدورنا

دعوة الصدر إلى حل جميع الفصائل المسلحة، والمبادرة إلى حل ميلشياته (لواء اليوم الموعود)، ليس إلا خطوة نحو بناء الدولة التي فشل نوري المالكي في تأسيسها عشية تسليمه ثلث مساحة العراق الى عصابات داعش. الا ان الفارق الوحيد بين دولة الصدر ودولة المالكي هو "اتجاه" الدولة الجديدة. اي بشكل اخر نقولها؛ هل هي باتجاه ايران او باتجاه ما يسمى بالمحيط العربي والغرب. الصدر يريد توجيه شراع الدولة تجاه المحيط العربي والغرب عموما وتحت عنوان الحفاظ على سيادة العراق واستقلاله، بينما كان المالكي وما زال ذراعه الميليشياتي المتمثل بفتح والفصائل المسلحة المنضوية تحت لواء الحشد الشعبي يريد توجيه شراع الدولة نحو إيران. وليس الكاظمي الا ممثل اتجاه الصدر وتلميذه المخلص وهذا كان سر محاولة اغتياله كما اسلفنا من قبل.

لا شك ان الصدر وتياره يبغيان إعادة تأسيس الدولة بالمفهوم القانوني والأمني والهوياتي، تشكيل جهاز واحد يقضي على التشرذم السياسي بين الأجنحة المتصارعة على السلطة السياسية، وتوحيد صفوف الممثلين السياسيين للطبقة البرجوازية الحديثي النعمة في العراق، تلك الطبقة وممثليها التي جاءت عبر حراب الغزو والاحتلال، واستفادوا من نعمه سواء عبر التعاون معه أو عبر ما سمي بمقاومته، ولكن بالنتيجة عرف الجميع من أين تؤكل الكتف.

من ينظر إلى دعوة الصدر للوهلة الاولى الى حل الميليشيات، مع الحفاظ على كيانها وشرعيتها وهو الحشد الشعبي، تدغدغ صدره مشاعر البراءة التي يظهرها الصدر. بيد أن هذه المبادرات مليئة بالخبث السياسي، ولعبة يحاول أن يمررها على جماهير العراق ويذر الرماد في عيونهم، في حين لا يمكن تمريرها على إخوته الأعداء من بقية القوى الشيعية الميليشياتية، وهذا هو سر رفض دعوة الصدر فورا من قبل تلك الفصائل في حل الميليشيات وتسليم سلاحها الى الحشد الشعبي.

إن دعوة حل الميليشيات من قبل الصدر هي ورقة سياسية يحاول اللعب بها ومسعى لإعداد إحدى سيناريوهات بالتعامل مع القوى الرافضة لنتائج الانتخابات. وتعتبر أي حل الميليشيات جزءا من التعبئة السياسية والجماهيرية والدعائية لتقليم أظافر الميليشيات المتنافسة مع مشروعه المدعوم أميركيا وخليجيا وعربيا. وهذا يصب ايضا في الكذبة التي يروجها الصدر بتشكيل ما يسمى حكومة أغلبية وطنية التي لا تتجاوز الجعجعة الاعلامية من الناحية الشكلية، وتصب في نفس السيناريو الذي يعد له التيار الموالي لأميركا ويتزعمه الصدر هذه المرة، لإقصاء التيار الآخر بشكل نهائي من السلطة وهو المدجج بسلاح الميليشيات ويحمل هوية المقاومة والممانعة. والصدر يدرك أكثر من غيره أن العملية السياسية قائمة على المحاصصة، فدون القوى القومية الكردية والعروبيين الذي يتزعمه اليوم الحلبوسي اليوم بدلا من علاوي والمطلك بالأمس، ومنح الحصص للبيت الشيعي الذي التحم تحت مظلة الإطار التنسيقي ويقوده المالكي، فلا حكومة يقوم لها قائم في العراق. وأن الجميع وخلال هذه السنوات استثمرت سياسيا في الميليشيات لتدر عليها استثمارات اقتصادية ومالية، اي الغنائم الاقتصادية والمالية عن طريق الاموال المنهوبة؛ من شركات الاتصالات والاستيراد والتصدير والدواجن والسمنت والمصافي واسواق الجملة والبنوك والنقل، والاستحواذ على الأراضي وإقامة المشاريع الزراعية عليها مثلما حدث في جرف الصخر وحزام بغداد والموصل وديالى، نقول لا يمكن الحفاظ على كل تلك الامتيازات دون قوى ميلشياتية، لأن جميعها ليس لها أي سند قانوني وشرعي سوى فرضها كأمر واقع بسلاح القوى الميليشياتية المغتصبة. والصدر يعي بشكل جيد إن حكومته المقبلة التي يريد تشكيلها ستعمل على تأسيس دولة على مقاسه ووفق الاسس التي بناها في الاجهزة الامنية التي استحوذ على مناصب فيها وتغلغل خلال سنوات فيها حسب مبدأ المحاصصة للاستحواذ على ما يمكن استحواذه عبر تنحية خصومه من التيار الآخر، وهو يخشى منه، وحاولت ميلشياته تصفيته، عندما قام بمحاولات تجيير انتفاضة اكتوبر وقيادة نزعتها المعادية لولاية الفقيه والجمهورية الإسلامية وهيمنتها القومية على العراق، وعبر مسيرة أو طائرة دون طيار مثلما حدث لممثله الكاظمي.

الدولة التي يريد تشكلها الصدر هي دولة قمعية سافرة، دولة تجيز قتل المعارضين والمخالفين بحجة حماية الإسلام والطائفة والوطن، دولة جٌرَّبِتّ ايام الحرب الطائفية، عندما قامت بالتطهير الطائفي وتحولت منطقة السدة في مدينة الثورة الى مقبرة جماعية، وكانت الاسماك تنتظر المن والسلوى، تنتظر كل يوم حصتها مما اغدقتها سماء العراق الطائفية من جثث في مياه دجلة لتتغذى عليها، دولة معادية للنساء وحقوقهن حتى النخاع، الن يهتز الصدر في ايام الانتفاضة عندما ارتفعت صوت المرأة فيها، ليتحفنا بدعوته بفصل الذكور عن الاناث، دولة تعادي العمال وتمنع كل اشكال الحريات والتنظيم في القطاع العام، دولة مطاطية الهوية؛ وحسب مصالح الصدر وتياره، فمرة شيعية ومرة اسلامية واخرى وطنية استبدادية. الم يقول لنا في لقاء مع الهيئة السياسية للتيار عشية الانتخابات، أن ثوابته الإسلام والطائفة والوطن، دولة تفرض الضرائب على رواتب العمال والموظفين والمتقاعدين، وعلى الاتصالات والمحروقات، دولة تتنصل من مسؤوليتها تجاه المجتمع، فهي مؤيدة وبشكل سافر لخصخصة التعليم والصحة والخدمات. هذه هي الدولة التي لها مشتركات مع دولة محور الإجرام والفساد الذي يسمي نفسه بمحور المقاومة والممانعة.

ما يهمنا نحن، أي كان اتجاه شراع الدولة، فلا خبز لنا فيه، لأننا كعمال وكادحين ومحرومي هذا المجتمع ندرك أن كل محاولات إعادة تشكيل الدولة سواء بالمعنى المالكي-فتح أو الصدري-الكاظمي، لم تكن حرابها الا موجهة نحو صدورنا، لأننا ببساطه طالبنا بالحرية والمساواة، طالبنا بإنهاء العملية السياسية القائمة على أساس المحاصصة القومية والطائفية، طالبنا بدولة المواطنة، دولة ذات هوية علمانية وغير قومية تعرف البشر في العراق على اساس الهوية الانسانية، طالبنا بحل الميليشيات بما فيها الحشد الشعبي وميليشيات الصدر جزء منه والذي يستحوذ على ملياري دولار سنويا من موازنة الدولة دون وجه حق، ووظيفته الوحيدة هي الحفاظ على الامتيازات التي ذكرناها، وبدلا من ذلك أنفاق موازنتها على ضمان بطالة وتأهيل المصانع والمعامل لتوفير فرص العمل لـ 12 مليون عاطل عن العمل حسب ارقام وزارة التخطيط. فهم بجميع تياراتهم ومن أجل الحفاظ على ما سرقوه منا، ذهبوا في إشعال حرب طائفية مرة، ومرة اخرى مارسوا الظلم الطائفي للاستفادة من خيراته، وجلبوا لنا داعش، واخيرا وليس اخرا اطلقوا دواسة ميليشيات القبعات الزرقاء وسرايا السلام الى جانب ميليشيات محور المقاومة والممانعة لتقتل أكثر من 800 شخص منا، وما زال قتلة المتظاهرين يطلقون المبادرات بحل الميليشيات، بدلا من محاكمتهم. وما زال يتحدثوا لنا دون اي حياء او خجل عن استقلالية العراق، والآخر يتحدث عن العزة والكرامة في مقاومة الاميركان، والكل يتفق على مسالة واحدة ولا اختلاف فيها وهي الورقة البيضاء وتشكيل جهاز لقمع كل من تسول نفسه الحلم بالمساواة.