هادية بوخروبة تنحت من ضحكات الأطفال كلماتها ورسومها

بين الكتابة للأطفال والرسم، الفنانة التشكيلية والكاتبة تبدع وتبتكر وتجتهد مثل صغار جدد وبلا ذاكرة وتواصل تجربتها الابداعية بكثير من الحرص ايمانا منها بدورها في حياة الناس ووما تحمله من رسائل حضارية.

ها هي الكلمات تنحت مجاريها مثل نهر قديم ينحت قادم مداه في الصخر.. ثمة فكرة للكتابة وحلم.. وتلوين حيث المعاني تعانق أسرارها المنبثقة من الدواخل.. حيث طفولة ناعمة تنهض بكبرياء الأيام وصخبها وعنفوان آمالها.. ها هي الطفلة الكامنة في التواريخ تلهو بالأيام في سردياتها المتحركة بين ألوان شتى.. البراءة والفرح والشجن الدفين.. ليس للحكاية هذه من نظر سوى البحر وهويبعث موسيقاه لينهض الأطفال على ايقاعاتها الشجية ينطلقون نحوحقول الحياة لا يلوون على غير القول بالنور تماما مثلما فعلت "أسيل" في مسيرتها المفعمة بالأمل والبهاء.

هي فسحة الأحاسيس حيث لا مجال لغير الذهاب الجميل باتجاه النجمة، باتجاه الحلم، باتجاه الحياة الرائقة، تقصدا للجمال المقيم بين حرف ولون.. بين المعاني الكامنة في التلوين والكلمات، هكذا هي لعبة الوعي الجمالي عند الكاتبة والفنانة التشكيلية المجتهدة هادية بوخروبة التي تخيرت من سنوات وفق مسيرتها الغوص في عوالم السرد بين الكتابة للأطفال والفن التشكيلي حيث قدمت العديد من القصص المرسومة بأناملها وكذلك المعارض الفنية التشكيلية سواء من خلال المعارض الشخصية أوالمعارض الجماعية.

تبدع وتبتكر وتجتهد مثل أطفال جدد وبلا ذاكرة.. مسيرة مميزة وتتويجات وتكريمات بتونس وخارجها.. هاهي البراءة في عنفوان تعبيريتها الجمالية المعنونة بالبهاء هذا القادم من شواسع الذات ليقول على لسان "أسيل" ما به يسعد الكائن ويمضي في شجنه المولد والدافع على/الى الحياة في كثير من الرسم والحكايات والقصص، فنانة وكاتبة قولا بجماليات العلاقة بين الرسم والكتابة للأطفال واليافعين تنحت من ضحكاتهم تماثيل للحلم والفرح.

ومن قصة "أسيل في بلاد العجائز" تأليف ورسوم هادية بوخروبة نذكر هذا الجزء "ضحكت أسيل ضحكة ملؤها السماء والأرض، وأخذت تغنّي وتنشد ببراءة حلّقت في رحاب السماء، وظلّت تشدووتختال بخطواتها الصغيرة ذهابا وإيابا وسرعان ما أخمدت شعلة غنائها زهرة براقة تشعّ نورا، باسقة تحت جذع الشجرة، ترقص للنسيم في نشوة وولع، زهوا وفرحا. وكأنّها تتباهى برحيقها الأزرق السّاطع تحت ضوء الشمس.لبثت أسيل تحدّق بالزهرة، فكانت كلّما حرّكها الضوء لتنظر نظرة المستكشف إلى البريق الأزرق الذي يخطف الأبصار وكأنه زمرد في أصفى أوقاته. وسرعان ما تحوّلت دهشتها الى حبّ امتلاك. فمدّت يدها الصغيرة نحوالزهرة وقطفتها دون تردّد.".

نعم للابداع تلوينات متعددة حيث السفر بين أشكال فنية وأدبية بمثابة التجوال المفتوح على الذات وهي تمضي في حوارها مع العالم بكثير من لوعة البحث وحرقة الأسئلة وهذا مجال الفنان الباحث  عن رؤاه وظلالها في كون متغير وعوالم متحولة، ومن ضمن أنشطتها بين الكتابة والرسم كانت مشاركتها المتعددة التواريخ في فعاليات ملتقى المبدعات العصاميات في التعبير التشكيلي بالمنستير وبمن أخرى بشأن الفن والكتابة والورشات المتصلة بذلك مع الأطفال.. وقد اهتم بتجربتها في الكتابة والتأليف والرسم عدد من الكتاب والنقاد من تونس ومن عدد من البلدان العربية فضلا عن الجوائز التي نالتها.

وبين الكتابة للأطفال والرسم تواصل الفنانة التشكيلية والكاتبة هادية بوخروبة تجربتها الابداعية بكثير من الحرص ايمانا منها بدور الكتابة في حياة الناس والفن التشكيلي وما يحمله من رسائل حضارية.

وسبق أن قدمت عددا من لوحاتها في معارض منها معرض المركب الثقافي بالمنستير.
وتعمل الفنانة هادية في لوحاتها وكما ذكر ذلك الفنان الكبير الهادي التركي على "حساسية حالمة وشعر للقول بالعبارة.. .".

لوحات الرسامة هادية بوخروبة تمثل حيزا من تجربتها حيث كانت لها مشاركات متعددة في تظاهرات فنية تشكيلية ومعارض جماعية وفردية فضلا عن تجربتها مع الكتابة والبرامج المختلفة التي منها حكايات وقصص مكتوبة للأطفال.

معرض أسطورة هوبمثابة السفر القديم المتجدد في ميثولوجيا الانسان الذي لا يمكنه الا أن يتقن لعبة الحلم بوجه السقوط والانكسار والتداعيات المربكة، معرض بكثير من البراءة والبساطة والصدق فيه بانوراما من تفاعلات فنانة مع هواجس ذاتها تجاه الآخرين.. تجاه العالم.

وعن تجربتها تقول الكاتبة سارة الرمضاني "هادية بوخروبة فنانة تشكيلية تونسية عصامية، تعمل في تصميم الغرافيك، بكالوريا اقتصاد وتصرف وتحمل شهادة في تصميم برامج الكمبيوتر. تحمل عضوية اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين، وعضوية الاتحاد الدولي للفنانين التشكيلين العرب بجمهورية مصر.فتلك الموهبة التي تسكنها فطريا جعلتها تبتعد كل البعد عن الاختصاص الذي درسته دون الالتفات إلى الوراء مقبلة بكل وجدانها نحوعالم الإبداع.بدأت أولى مشاركاتها الفنية سنة 2003 ولها سبع معارض شخصية وما يزيد عن 25 مشاركة فنية جماعية داخل الدولة وخارجها، ولها عديد الجوائز التقديرية، إضافة إلى إصدارها لقصة أدبية تحت عنوان أسيل في بلاد العجائز"وهي قصة خيالية تأخذنا في رحاب الخيال وتطوف بنا في عوالم الأحداث العجيبة دون إهمال للواقع مبثوثة بالقيم التربوية والتعليمية.ما لفت انتباهي..أنا كقارئة لقصّتها، تلك البلاد التي زحفت عليها الشيخوخة بما فيها. جعلني أتساءل، هل الشيخوخة وطن بأكمله طغى عليه سنّ اليأس الجماعي وملك القدرة على جعل العجائز يكبرن ويهرمن في بضعة أيام؟؟ هل الملل والضياع والرتابة جزء من العجائز أم من مواصفات البلاد؟؟".

قصّة عجيبة تفوق الروعة في بلاد لازمتها الشيخوخة بليال مظلمة متكرّرة وبصبح واحدا.

تقول هادية بوخروبة عن قصّتها "أسيل في بلاد العجائز" أنها لحظات من الخدر واللاّوعي، خرجت من ذاكرة تعب وحزن وواقع مظلم في بعض زواياه كلوحة فنية تزينها الظلال تحمل في طيّاتها الفرح والتفاؤل وتوقظ الطفولة داخل كلّ منّا.

وتضيف أنّ الإبداع بحر شاسع.. طالما تنبض الروح بالإنسانية والوجد، فهوكائن حي يتخبّط بداخلنا وينتظر لحظة المخاض.
أما الأديبة فاتن الحاج صالح فقد حدّدت في قراءتها النقدية ملامح القصّة عند بوخروبة فأشارت إلى التناص الذي يبدأ من عنوان الكتاب مع القصة العالمية الشهيرة "أليس في بلاد العجائب".

ما أعسر أن يكتب راشد لطفل فهذه الكتابة تتطلّب درية ودراية مثلما تتطلّب وعيا ورقابة ذاتيّة.

وما نلاحظه هنا في هذه القصّة أنّ الكاتبة على تكوينها العصامي قد أفلحت في تحقيق المعادلة الصحيحة بين حرّيته في ممارسة فعل الكتابة وتفهّم حاجيات المتلقّي/الطفل، فهادية بوخروبة قد اكتنزت قصّتها بجماليات النصّ القصصي من جانب واكتنزت روحه باحترام المتلقّي/الطفل من جانب مواز، حيث تمارس هنا كتابة مخصوصة ذات جمالية مخصوصة تمنح الأطفال زادا إبداعيّا مختلفا".

وتقول هادية بوخروبة ككاتبة وفنانة تشكيلية بخصوص لوحة من لوحاتها "طموح.. رقصات أنثى خالدة.. الفن فسحة من التفاعلات مع ذاكرة الفنان، واللوحة تدوين فني لمشاعر وأحاسيس تكتب بالألون. هي لوحة تجسّد شخصية أنثى أرهقها القاع وأرهقتها الضوضاء حتى اعتزلت الأصوات وتوسّدت عراقيلها وقيودها ووجعها.. فلا سبيل لطيّها وتجاهلها بل من الأفضل هدهدتها ومصاحبتها حتى صار كل ما يؤلمها معلّما تتعلّم منه وصديقا تحنوعليه وترافقه.. فاحتضنت أحلامها وهواجسها.. ونظرتها متطلّعة للأعلى.. نظرة مفعمة بالتطلّعات.. أخذت شكل التفكير بعمق لترتقي إلى القمّة. فتنقسم اللوحة إلى نصفين وتتكامل بتناقضاتها فتتجلّى اللحظات بحلوها ومرّها.. بوجعها وفرحها.. بتعبها وراحتها.. وتسافر بقيودها وحرّياتها.. هنا يتموّج الأصفر المشرق لتسطع الشمس وتلفّ روحها بهجة، في تحاور مع الطبيعة لتهديها السماء فراشة تحمل في طيّاتها الفرح والتفاؤل تستجلي أنوثتها وهشاشتها وتدعوها لاعتناق الجمال والحريّة وتذكرّها بأنّ الحياة عابرة وعلينا عيشها بشكل جميل وسهل. ومن جانب آخر تفيض السماء بلون وردي.. .لمسة حنان عانقت الضوء تكسر كلّ قيودها..  فيطلّ طائر ذكرياتها من ذاك الشرخ يتسلق القمّة ويركل القاع.. . ليوقظها على حب الذات".

كتابات سردية للأطفال ولوحات مفعمة بالتلوين والحكايات بينها كلها حلم يانع وشجن أزرق من أعماق بحر في عشايا الأيام حيث الزخرف الجميل يحلي يدا تكتب مابه اللون يصير فسحة للأمل والجمال والابداع.تجربة مفتوحة على مزيد الكتابة والمعارض والانتشار في تونس وخارجها.