واشنطن تنصح رعاياها بمغادرة أوكرانيا تحسبا لغزو روسي قريب

دبلوماسية أميركية تقول إن بلادها ترجح أن يقوم الرئيس الروسي في منتصف فبراير القادم بعمل عسكر ما ضد أوكرانيا، مضيفة أن واشنطن "تستعدّ لمختلف السيناريوهات من اجتياح كامل إلى هجمات هجينة أو تخريب أو إكراه".
موسكو تحذر من تداعيات "مدمّرة" إذا فرضت واشنطن عقوبات على بوتين
مسؤولون روس وأوكرانيون يبحثون في باريس خفض التصعيد
السفارة الأميركية في أوكرانيا تحض رعاياها على "التفكير في المغادرة الآن"

كييف/واشنطن - دعت السفارة الأميركية في كييف اليوم الأربعاء الرعايا الأميركيين للمغادرة قبل تدهور الوضع بشكل مفاجئ في أوكرانيا، بينما تأتي هذه التطورات عقب ترجيح واشنطن قيام موسكو بغزو للأراضي الأوكرانية في فبراير/شباط.   

واستمر نسق التصعيد بين موسكو والغرب بوتيرة تبعث على القلق في الفترة الأخيرة وسط مؤشرات على مواجهة عسكرية محتملة في حال غزت روسيا جارتها أوكرانيا التي كانت واحدة من جمهوريات الاتحاد السوفييتي سابقا.

وقالت السفارة الأميركية في بيانها "نحضّ المواطنين الأميركيين في أوكرانيا على التفكير في المغادرة الآن على متن وسائل النقل المتاحة سواء التجارية أو الخاصة"، محذّرة من أن الوضع "قد يتدهور دون سابق إنذار يذكر".

وصدر هذا التحذير عقب تأكيد مساعدة وزير الخارجية الأميركي ويندي شيرمان الأربعاء أنّ الولايات المتحدة تعتقد أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مستعدّ لاستخدام القوة ضدّ أوكرانيا بحلول منتصف فبراير/شباط رغم الضغوط الرامية لمنع ذلك.

وقالت شيرمان خلال منتدى "لا فكرة لدي بشأن إن كان اتّخذ القرار النهائي، لكننا بالتأكيد نرى أن كل مؤشر يدلّ على أنّه سيستخدم القوة العسكرية في وقت ما، ربّما الآن أو في منتصف فبراير".

وأضافت الدبلوماسية التي التقت نظيرها الروسي في وقت سابق هذا الشهر في فيينا لتحذير موسكو من غزو جارتها، أنّ خطط بوتين قد تتأثر بأولمبياد بكين الذي ستقاطعه الولايات المتحدة وعدد من حلفائها بسبب سجلّ الصين في حقوق الإنسان.

وقالت شيرمان في تصريحاتها لمنتدى يالطا للإستراتيجية الأوروبية "نعرف جميعنا أنّ أولمبياد بكين ينطلق في الرابع من فبراير، حفل الافتتاح، ومن المقرّر أن يحضر الرئيس بوتين".

وأضافت "أعتقد على الأرجح أنّ الرئيس الصيني شي جينبينغ لن يكون في غاية السعادة إذا اختار بوتين هذه اللحظة لغزو أوكرانيا ولذا قد يؤثر ذلك على توقيته وطريقة تفكيره"، مضيفة أن الولايات المتحدة "تضغط من أجل الدبلوماسية" لكنّها في الوقت ذاته "تستعدّ للأسوأ".

وأكدت أنّه "حتى لو أن جنديا روسيا واحدا توغّل في أوكرانيا فهذا يُعدّ أمرا خطيرا للغاية"، في رسالة تشدّد عليها واشنطن منذ مدة بعدما أحدث الرئيس جو بايدن مفاجأة عبر حديثه عن ردّ أوروبي أقلّ شدّة على توغّل "محدود".

وأوضحت شيرمان أنّ الولايات المتحدة "تستعدّ لمختلف السيناريوهات من اجتياح كامل إلى هجمات هجينة أو تخريب أو إكراه".

وأوضحت أنّ أي غزو سيحمل "تداعيات هائلة بالنسبة لأوكرانيا وأوروبا، لكنه سيبعث برسالة أيضا إلى العالم بأسره مفادها أنه بإمكان حكام استبداديين آخرين التحرّك مع احتفاظهم بحصانة من هذا النوع وتجاوز المبادئ الدولية التي لطالما تم التمسك بها والتي تشمل السيادة وسلامة الأراضي وقدرة الدولة على اختيار تحالفاتها".

وحشدت روسيا أواخر العام الماضي عشرات آلاف الجنود قرب الحدود مع أوكرانيا، حيث أسفر تمرّد تدعمه موسكو عن مقتل أكثر من 13 ألف شخص منذ العام 2014.

وبينما تنفي روسيا أنّها تخطط لغزو جارتها، طالبت الولايات المتحدة بتنازلات من بينها ضمان عدم انضمام أوكرانيا قط إلى حلف شمال الأطلسي.

وتأتي هذه التطورات بينما اجتمعت وفود روسية وأوكرانية في باريس الأربعاء، في محاولة لنزع فتيل التوتر بين البلدين، فيما تسعى فرنسا لإقناع الطرفين بخفض التصعيد.

وينعقد الاجتماع عالي المستوى الذي يحضره كبار الدبلوماسيين الفرنسيين والألمان، بصيغة رباعية تكررت مرّات عديدة منذ ضمّت روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية عام 2014.

ويمثّل الجانب الروسي نائب رئيس الوزراء ديمتري كوزاك والأوكراني مستشار الرئيس أندريه يرماك. ويشارك كذلك في المحادثات التي انطلقت منتصف نهار الأربعاء، مستشارين دبلوماسيين للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ومستشار ألمانيا أولاف شولتس.

وتأمل فرنسا التي طرحت أفكارا الاثنين لـ"خفض التصعيد" وترى أن على أوروبا إيجاد حل للأزمة، أن تكون روسيا مستعدة للانخراط في محادثات في وقت حشدت مئة ألف جندي على حدود أوكرانيا.

وقال أحد مساعدي ماكرون طالبا عدم الكشف عن هويته الأربعاء "إنه أمر مشجّع للغاية بأن الروس وافقوا على الدخول في هذه الصيغة الدبلوماسية مجددا وهي الوحيدة التي يعد الروس معنيين فيها".

وأضاف أن "هذا الاجتماع سيعطينا إشارة واضحة على عقلية الروس قبل الاتصال المرتقب الجمعة بين إيمانويل ماكرون والرئيس الروسي فلاديمير بوتين".

وعُقدت محادثات منفصلة بين روسيا والولايات المتحدة في الأسابيع الأخيرة لمناقشة المطالب الأمنية الروسية في أوروبا، بما في ذلك إصرار موسكو على وجوب عدم انضمام أوكرانيا قط إلى حلف شمال الأطلسي.

وبعد محادثات عقدت الجمعة في جنيف، تعهّد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لنظيره الروسي سيرغي لافروف بأن واشنطن ستقدّم ردا مكتوبا على المطالب الروسية كما طرح عقد لقاء على مستوى الرئاسة.

وتأتي محادثات باريس الأربعاء فيما كثّفت القوى الغربية تهديداتها بعقوبات اقتصادية قاسية في حال هاجمت روسيا جارتها الموالية للغرب.

وحذّر الرئيس الأميركي جو بايدن الثلاثاء من أن بلاده قد تفرض عقوبات على بوتين شخصيا، فيما يشير البيت الأبيض إلى أن خطر الاجتياح الروسي لأوكرانيا "ما زال وشيكا".

وفي ظل القلق حيال خطاب كل من واشنطن ولندن وقرارهما سحب بعض موظفي سفارتيهما وأفراد عائلاتهم من كييف، حذّر مساعد لماكرون الاثنين من "خلق أي ضبابية أو التسبب بأي عدم استقرار إضافي".

وقال "نريد خفضا للتصعيد، أي الحوار وننصح بالعدول عن التصعيد. المحادثات عن فرض عقوبات مع شركائنا الأوروبيين والأميركيين والمؤسسات تجري لضمان أن هذا الثنائي يحمل ما يكفي من المصداقية وليكون الحوار ذو مصداقية. الأمران مرتبطان".

وأضاف "لكن على العقوبات ألا تؤدي إلى أعمال انتقامية ترتد علينا ويكون لها ثمن.. العقوبات ليست كل شيء".

كما تضع الولايات المتحدة خططا لدعم إمدادات الغاز إلى أوروبا في حال قطعتها روسيا عبر خطوط أنابيبها ردا على العقوبات الغربية.

وأعلن البيت الأبيض الثلاثاء أن بايدن سيلتقي أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في واشنطن في نهاية يناير/كانون الثاني لمناقشة "تأمين استقرار الإمدادات العالمية للطاقة"، من بين عدد من القضايا الأخرى.

وتقوم الخطة الفرنسية بناء على التفاصيل التي قدّمها مساعد لماكرون الاثنين، على قيام الطرفين بخطوات لبناء الثقة.

وقامت الحكومة الأوكرانية بالخطوة الأولى وفق التصور الفرنسي عبر سحب مشروع قانون طرح في البرلمان لإدارة وضع المناطق الخاضعة لسلطة الانفصاليين المدعومين من روسيا في شرق البلاد، والتي ترى فيها موسكو انتهاكات لالتزامات سابقة.

وتأمل باريس في أن توافق موسكو على بعض "الإجراءات الإنسانية" مثل تبادل السجناء في شرق أوكرانيا وفتح نقاط التفتيش التي يديرها الانفصاليون.

وقال المساعد إن فرنسا ستضغط أيضا لاستصدار "بيان عام من الروس بشأن نواياهم يكون مطمئنا للجميع".

ولعل نقطة الخلاف الأساسية ستكون دعم فرنسا لعقد محادثات بين الحكومة الأوكرانية والانفصاليين المدعومين من روسيا في الشرق، وهو أمر رفضه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

وذكر مكتب ماكرون أن كبار المستشارين الدبلوماسيين من دول "صيغة نورماندي" الأربع عقدوا آخر جولة محادثات عبر الفيديو في سبتمبر/أيلول الماضي. والتقى القادة الأربعة في قمة رباعية آخر مرة في باريس في ديسمبر/كانون الأول 2019.

وندّدت موسكو الأربعاء بالتهديدات الصادرة عن واشنطن بفرض عقوبات مباشرة على الرئيس الروسي، مؤكّدة أنّ مثل هذه الخطوة ستكون تداعياتها مدمّرة.

وقلّل الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف من شأن التهديدات الأميركية، مشيرا إلى أنّه يُمنع أساسا على كبار المسؤولين الروس امتلاك أصول في الخارج.

لكنّه شدّد مع ذلك على أنّه من شأن خطوة من هذا القبيل أن تضرّ بدرجة كبيرة بالجهود الدبلوماسية الرامية لنزع فتيل التوتر حيال أوكرانيا.

وقال بيسكوف للصحافيين "سياسيا، هذا الأمر ليس مؤلما، إنه مدمّر". وسبق للكرملين أن أشار إلى أنّ أيّ عقوبات أميركية تستهدف بوتين شخصيا ستمثّل تجاوزا للخط الأحمر، محذرا من أنّ مثل هكذا خطوة ستؤدي إلى انقطاع العلاقات الثنائية.

وتحدّث مسؤول أميركي رفيع أمس الثلاثاء عن عقوبات اقتصادية محتملة على روسيا "تحمل عواقب هائلة" تتجاوز تلك التي فرضت عام 2014 بعدما ضمّت موسكو شبه جزيرة القرم من أوكرانيا.

وقال المسؤول إنّ التدابير الجديدة ستشمل قيودا على صادرات معدات التكنولوجيا الأميركية المتقدّمة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمّية وتكنولوجيا صناعة الطيران، وهو ما "سيضرب بشدّة طموحات بوتين الإستراتيجية لتحويل اقتصاده نحو التصنيع".

واعتبر رئيس مجلس النوّاب الروسي فياتشيسلاف فولودين الأربعاء أن تهديد واشنطن تجاه بوتين يظهر أنّ الولايات المتحدة "ترغب برئيس روسي موال يمكنها السيطرة عليه".

وكتب فولودين على وسائل التواصل الاجتماعي أنّ "الولايات المتحدة غير راضية بأنّ الاتحاد الروسي بات قويا ومستقلا في عهد الرئيس فلاديمير بوتين".

ودعا الحزب الحاكم في روسيا الكرملين إلى تسليح الانفصاليين الموالين لموسكو في شرق أوكرانيا لمساعدتهم على الدفاع عن أنفسهم في وجه كييف.

وأفاد رئيس كتلة حزب 'روسيا الموحدة' في مجلس الدوما فلاديمير فاسيلييف في بيان بثه التلفزيون الروسي الرسمي "نناشد قيادة بلدنا تقديم المساعدة لجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك على شكل إمدادات من المعدات العسكرية اللازمة لردع أيّ عدوان".

وأضاف "أجرينا مشاورات في هذا الصدد وتوصلنا إلى تفاهم مفاده بأنه لا يمكننا ترك الناس تحت رحمة نظام كييف".

وفي وقت سابق، قال نائب روسي رفيع هو أندريه تورتشاك المسؤول في حزب بوتين إن على روسيا تقديم الأسلحة "لردع الأعمال العسكرية المعادية التي تعد لها كييف بشكل واضح".