تحقيقات معيبة تُعمق جراح عائلات ضحايا الاغتيالات في لبنان

تاريخ لبنان الذي يعاني من انقسامات وصراعات سياسية وطائفية عميقة يحفل باغتيالات طالت سياسيين ومفكرين ورجال دين وإعلاميين لم يحاسب منفذوها في بلد استشرت فيه ثقافة الإفلات من العقاب والتدخلات السياسية والفساد.

بيروت - ندّدت منظمة هيومن رايتس ووتش الخميس بما وصفته بالتحقيقات "المعيبة" في أربع جرائم اغتيال شهدها لبنان منذ العام 2020، منتقدة "عدم جدية" قوى الأمن في أداء مهماتها من أجل تعزيز سيادة القانون في بلد تسود فيه ثقافة الإفلات من العقاب.

ويشعر أهالي أشخاص تعرضوا للاغتيال بخيبة أمل مستبعدين أن تظهر الحقيقة أو أن تقود التحقيقات إلى جلب الجناة للعدالة في بلد استشرت فيه ثقافة الإفلات من العقاب والتدخلات السياسية والفساد والمحسوبية.

ويعمق غياب العدالة جراح ذوي الضحايا سواء من تم اغتيالهم أو من قضوا في تفجير مرفأ بيروت، حيث لم تحرز التحقيقات بعد نحو عامين من وقوعه عن محاسبة المسؤولين المفترضين، بينما يتعثر التحقيق من حين إلى آخر بسبب التدخلات السياسية ورفض مطلوبين للتحقيقات المثول أمام المحقق العدلي.

ودقّقت المنظمة الحقوقية في جرائم اغتيال أربعة أشخاص بينهم المفكر والناشط لقمان سليم، الذي تحيي عائلته الخميس الذكرى السنوية الأولى لمقتله في جنوب لبنان، إضافة إلى عقيد متقاعد من إدارة الجمارك ومصور عسكري هاو وموظف مصرفي، قضوا جميعهم في عمليات اغتيال منفذة بدقة. وقالت المنظمة إنها راجعت التحقيقات الأولية في الجرائم الأربع.

وقالت المنظمة في تقرير نشرته إن "أوجه القصور المتعددة والإهمال الجسيم وانتهاكات الإجراءات في أربعة تحقيقات في جرائم قتل ذات حساسية سياسية في العامين الماضيين تُظهِر كيف أن التمويل السخي والتدريب من المانحين لقوى الأمن والقضاء في لبنان لم يُؤدِّيا إلى سيادة القانون".

وقالت باحثة لبنان لدى المنظمة آية مجذوب "جرائم القتل التي لم تُحلّ والتحقيقات المعيبة فيها تُذكّر بالضعف الخطير لسيادة القانون في لبنان في مواجهة النخب والجماعات المسلحة غير الخاضعة للمساءلة".

واعتبرت أن "قوى الأمن والقضاء التي تحظى في أحيان كثيرة بتمويل سخي وتدريب من الدول المانحة، لديها القدرات التقنية للتحقيق في جرائم القتل، لكنها تقاعست عن تحديد أي مشتبه بهم في هذه القضايا الحساسة أو إتباع خيوط تحقيق واضحة".

ونقلت المنظمة عن محاميي وأقارب العائلات إشارتها إلى "عدم جدية قوى الأمن في التعامل مع التحقيقات والأهم من ذلك، عدم متابعة خيوط تحقيق مهمة لتحديد الدوافع المعقولة لقتلهم".

وقالت إن "الأسئلة التي طُرحت عليهم كانت سطحية ومقتصرة على دوافع شخصية غير محتملة لعمليات القتل، متجاهلة على نحو سابق لأوانه السيناريوهات المحتملة الأخرى، بما في ذلك إمكانية ربط جرائم القتل بعمل الضحايا الحساس سياسيا".

كما أعربت العائلات والمحامون عن "ارتيابهم بشأن عدم تمكن المحققين من تحديد أي مشتبه به رغم ارتكاب جرائم القتل قرب مناطق سكنية مكتظة أو في وضح النهار أو حتى أمام الكاميرا"، وفق المنظمة.

وشددت هيومن رايتس ووتش على أن "على النيابة العامة وقوى الأمن الداخلي فتح تحقيقات في مزاعم سوء السلوك والإهمال الجسيم لأعضائها في التعامل مع هذه التحقيقات وضمان محاسبة المسؤولين". ويتعين كذلك على قضاة التحقيق "توسيع نطاق التحقيقات لضمان تحرّي جميع الخيوط بشكل نزيه".

وأبدت مونيكا بورغمان زوجة سليم الذي عُرف بجرأته في التعبير ومعارضته بشراسة لحزب الله، القوة السياسية والعسكرية الأبرز في البلاد "شكوكها" في إمكانية توصل التحقيق المحلي إلى نتيجة.

وقالت في تصريحات الأسبوع الماضي، "لا يمكن أن يُقتل على هذا النحو، من دون حصول مساءلة وتحقيق العدالة، لأن غيابهما يعني منح الضوء الأخضر للقتلة، أيا كانوا للاستمرار" في جرائمهم.

ويحفل تاريخ لبنان الذي يعاني من انقسامات وصراعات سياسية وطائفية عميقة، باغتيالات طالت سياسيين ومفكرين ورجال دين وإعلاميين، لم يحاسب منفذوها.

وأحصت شركة "الدولية للمعلومات" للأبحاث والإحصاءات 220 اغتيالا ومحاولة اغتيال منذ استقلال لبنان في العام 1943 حتى اغتيال سليم. وحال النقص في الأدلة حينا أو التدخلات السياسية في عمل القضاء دون جلاء الحقيقة والكشف عن الفاعلين في الكثير منها.